تلوّث البيئة التربويّة: أشكال ومظاهر
تلوّث البيئة التربويّة: أشكال ومظاهر
2025/02/16
مروان أحمد حسن | دكتوراه في المناهج وطرائق التدريس، عضو هيّئة التحرير في منهجيّات- مصر

عجبًا لأمر الإنسان، بدأ منذ القرن الماضي يدرك خطورة تلوّث مياه البحار والمحيطات بالمخلّفات الصناعيّة والكيميائيّة والبتروليّة، فعقد مؤتمرات عديدة لمناقشة هذه المخاطر، وتأثيرها في صحّة الإنسان والبيئة. ومع ذلك؛ ما يزال الإنسان نفسه يغفل عن خطورة تلوّث البيئة التربويّة، وتأثيرها السلبيّ في نموّه من النواحي النفسيّة والعقليّة والقيميّة والأخلاقيّة.

أقصد بتلوّث البيئة التربويّة وجود مؤثّرات غير مرغوبة في الوسط الذي يعيش فيه الإنسان، ويتعامل معه. من شأن هذه المؤثّرات تعطيل نموّه السليم، وتوجيه حياته وسلوكه في اتّجاهات لا يرضا بها المجتمع ولا يقرّها، لخطورتها على كيانه واستقراره وتطوّره وتقدّمه.

يظهر تلوّث البيئة التربويّة في مظاهر متعدّدة، تتعلّق ببنية المدرسة، وأشكال علاقات المعلّمين مع أطراف العمليّة التعليميّة، والمناهج والبنى الاجتماعيّة... لكن من أهمّ هذه المظاهر ما يتعلّق بسلوكات المتعلّمين: الصراخ المستمرّ للآباء الذين يعبّرون عن قلقهم إزاء تدهور سلوك أبنائهم وأخلاقيّاتهم. من جهة أخرى، يبذل المعلّمون جهدًا كبيرًا في أداء واجباتهم، من دون أن يلمسوا ثمرة ذلك في تطوّر سلوك طلّابهم. فقد الآباء قدرتهم على توجيه أبنائهم بشكل فعّال، بينما أصبح المعلّمون عاجزين عن غرس القيم والأخلاق، وتوجيه السلوك الاجتماعيّ المقبول في نفوس الطلّاب.

 

وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال "من أين يأتي تلوّث البيئة التربويّة بما يتعلّق بسلوكات المتعلّمين؟"

في الواقع، أرى أنّ المسؤوليّة الأولى عن تربية النشء تقع على عاتق الأسرة والمدرسة معًا، إذ يشتركان في مسؤوليّة واحدة، تتمثّل في تكوين مواطنين صالحين ومنتجين وشرفاء. وهذا لا يقلّل من دور المؤسّسات والأجهزة الأخرى في المجتمع، التي تسهم أيضًا في تشكيل شخصيّة الإنسان وتربيته.

لكي أكون منصفًا، ومع أنّني لا أقبل تنصّل الأسرة والمدرسة من مسؤوليّاتهما التربويّة، إلّا أنّه علينا الاعتراف بأنّهما أصبحا يواجهان صعوبة كبيرة في أداء هذه المسؤوليّات بالشكل المطلوب. فهناك مؤثّرات أخرى في البيئة تعمل في الاتّجاه المعاكس، ومن بينها:

  • - وسائل الإعلام: تمتلك وسائل الإعلام تأثيرًا كبيرًا في الأفراد. وقد يتعرّض الأطفال والشباب إلى محتوى إعلاميّ يحوي قيمًا ومعايير غير مرغوبة. كما يمكن أن يتأثّر الأطفال بالمحتوى العنيف أو العنصريّ أو الجنسيّ الذي يُبثّ عبر التلفزيون أو الإنترنت، ما يعزّز سلوكيّات غير صحيحة، أو غير مقبولة.
  • - التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعيّ: يعيش العديد من الأطفال والشباب في ثقافة رقميّة؛ يتفاعلون بكثرة مع الهواتف الذكيّة، والأجهزة اللوحيّة، ووسائل التواصل الاجتماعيّ. يمكن أن يؤدّي ذلك إلى انعزالهم، وتقليل التواصل الاجتماعيّ الحقيقيّ. كما يمكن أن يتعرّضوا إلى التنمّر الإلكترونيّ، والمحتوى الضارّ عبر الإنترنت.
  • - المجتمع والثقافة: يتأثّر الأطفال والشباب بالمجتمع الذي يعيشون فيه، سواء المجتمع الواقعيّ أو الرقميّ، والقيم والمعايير التي يتبنّاها هذا المجتمع. إذا كان المجتمع يشجّع على العنف، أو التمييز، أو السلوكيّات الضارة، فقد يتأثّر الأطفال والشباب بهذه القيم والسلوكيّات.
  • - الأقران: يؤدّي الأقران دورًا في حياة الأطفال والشباب، فيمكن أن يتأثّر الأطفال بسلوكيات أقرانهم وقيمهم، سواء أكانت إيجابيّة أو سلبيّة. فإذا كان للأقران تأثير سلبيّ، مثل تعاطي المخدرات أو العنف، فقد ينعكس ذلك سلبًا على سلوك الأطفال والشباب.

في واقع الأمر لا يمكن تقويض هذه المؤثّرات، والتحكّم بها بالكامل. لكن، هناك بعض الطرائق التي يمكنك، بوصفك معلّمًا أو تربويًّا أو وليّ أمر، استخدامها للحدّ من بعض الأثار السلبيّة لهذه المؤثّرات، منها:

  • - التواصل المفتوح: يجب إنشاء بيئة تواصل مفتوحة وصادقة مع الأطفال والشباب. ينبغي أن يكون هناك فضاء آمن للحوار، والاستماع، والتعبير عن المخاوف، والتحدّيات التي يواجهون. من خلال ذلك، يمكن للأسرة والمدرسة التعرّف إلى المشكلات والتحدّيات التي يواجهها الأطفال والشباب، وتقديم الدعم والتوجيه المناسبين.
  • - التثقيف والتوعية: يجب توفير المعلومات، والتثقيف حول المؤثّرات السلبيّة في البيئة، وتأثيرها في الأفراد. كما يمكن توعية الأطفال والشباب بمخاطر وسائل الإعلام، والتكنولوجيا، وتعزيز الوعي بالقيم، والمعايير الصحيحة التي يجب اتّباعها.
  • - وضع قواعد وحدود: ينبغي أن توجد قواعد وحدود واضحة لتنظيم سلوك الأطفال والشباب. يجب تحديد قواعد بشأن استخدام وسائل التكنولوجيا، ووقت الشاشة، والتعامل مع وسائل الإعلام، والتفاعل مع الأقران. يتعيّن شرح هذه القواعد بشكل واضح، وإعلام الأطفال والشباب بالأسباب وراء وضعها.
  • - تعزيز القيم والمعايير الصحيحة: يجب تعزيز القيم والمعايير الصحيحة لدى الأطفال والشباب. يمكن ذلك من خلال تقديم نماذج القدوة الحسنة، وتعزيز السلوكيات الإيجابيّة، والتشجيع على ممارسة الأخلاقيّات الصحيحة، وتعزيزٍ اجتماعيّ إيجابيّ للتعاون والتفاعل.
  • - التعاون بين الأسرة والمدرسة: يجب أن يكون هناك تعاون وتنسيق بين الأسرة والمدرسة في التعامل مع المؤثّرات السلبيّة. يمكن للأسرة والمدرسة العمل معًا لتوفير الدعم والمساعدة للأطفال والشباب، وتنسيق الجهود لتعزيز السلوك الإيجابيّ والقيم الصحيحة.

 

خِتامًا، ينبغي أن يعمل المجتمع بأكمله على دعم البيئة التربويّة الصحّيّة وتعزيزها. ويمكن للمؤسّسات التعليميّة، والمجتمعيّة، والحكومة أن تؤدّي دورًا في خلق بيئة تربويّة محفّزة، وتعزّز برامج التوعية والتثقيف حول المؤثرات السلبيّة وكيفية التعامل معها. سيسهم هذا الأمر في تعزيز نموّ المتعلّمين، وقد يؤدّي إلى تحقيق نتائج تعليميّة أفضل، وصقل قدراتهم ليكونوا مواطنين نشطين ومسؤولين في المجتمع.