"إنّ المعلّم هو العامل الأساسيّ والمؤثّر في العمليّة التعليميّة، فهو الذي ينفّذ رؤية التربويّين والمخطّطين لصورة مواطن المستقبل، والمناهج والتنظيمات والإمكانات مع خطورتها وأهميّتها تتضاءل أمام أهميّة المعلّم، ومهما يكن لدينا من أهداف طموحة وسياسات وخطط تربويّة واضحة وإمكانات ووسائل لازمة لتحقيق تلك الأهداف، فإن هذا لن يفوق الدور الأساسيّ والإيجابيّ الذي يقوم به المعلّم في تسخير تلك الإمكانات للوصول إلى الأهداف، ولذلك يعدّ المعلّم هو الأساس في العمليّة التعليميّة، وبدونه لا يمكن لأيّ منهج أن يحقّق أهدافه مهما أحكم تخطيطه، ومهما انتقى محتواه، ومهما تنوّعت طرق تدريسه وتقويمه، فربما يكون المنهج ممتازًا من حيث تنظيمه فيثير العديد من المشاكل ويقترح طرقًا لحثّ التلاميذ على الانفعال بها ومحاولة الكشف عن حلول لها، ولكن برغم كلّ هذا قد يتطوّع المعلّم بإعطاء التلاميذ المعلومات وحلول المشكلات بطريقة جاهزة، مما يفقد التنظيم المقترح فاعليّته لعدم اقتناع المعلّم بالغرض منه.
ومعلّم القرن الحادي والعشرين محتاج لأن يكون مجدّدًا ومبتكرًا مبدعًا ومبادئًا بالتجريب ومنظّمًا ومديرًا ومرشدًا وقادرًا على إدارة التفاعلات الصفيّة بكفاءة وفعاليّة عالية وديمقراطيّة، وهذه الأدوار هي في حقيقة الأمر أدوار غير تقليديّة، أي أنها لا تعتبر مألوفة في إطار التصور التقليديّ لدور المعلّم في العمليّة التعليميّة.
ولذلك فإنّ المعلّم مطالب بأن يسعى إلى ترقية ذاته ومهنته، فهو لم يعد مجرد ناقل للمعرفة، بل هو مبتكر ومبدع يجدّد وينوّع ويجرّب، وهو متفتح يستجيب لكلّ فكرة جديدة ويعمل على استثمارها وتوظيفها لتطوير العمليّة التعليميّة، وقيادة المعلّم في الإطار الجديد قيادة إبداعيّة إنمائيّة خلّاقة، تعمل على تهيئة أنجح السبل والظروف لنمو أجيال التعليم وإبداعها وتقدّمها، والمعلّم الناجح هو الذي تبرز شخصيّته وإبداعاته من خلال تلاميذه.
ولا يخفى أنّ التعليم قد يطلق مواهب التلاميذ، وقد يخمدها، فالمناهج التقليديّة كثيرًا ما تؤدّي إلى إضعاف إمكانيّات التلاميذ، وطاقاتهم الفكريّة لتركيزها الشديد على حفظ المقرّرات واكتفائها بتدريب التلاميذ على اجتياز الامتحانات المدرسيّة، أما المناهج الحديثة - التي تتصف بالمرونة والتجديد - فإنها تقلّل من التركيز على الحفظ وتجعل من المعلومات قاعدة للفهم والتحليل والتطبيق وتنمية الفكر والإبداع.
ويمثّل المعلّم العنصر الأساسيّ في تناول المنهج على المستوى التنفيذيّ، كما يمثّل التدريس النشاط الرئيس للمعلّم الذي يعتمد على عمليّاته في إنجاز الأهداف التربويّة والكشف عن الأطر السلوكيّة والإجراءات التنفيذيّة اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، وترتبط قدرة المعلّم على القيام بهذه المهامّ بمدى امتلاكه لأساليب جديدة ومتجدّدة لإنجاز الأهداف، وبمعنى آخر ترتبط هذه القدرة بمستوى إبداع المعلّم التدريسيّ.
وعندما نتحدث عن عمليّة التدريس ودورها في تنمية مواهب وإبداعات المتعلّمين فثمة وجهة مهمّة تشير إلى الاستجابات والأساليب التدريسيّة الجديدة غير الشائعة وأنماط السلوك الإبداعيّة التي يصدّرها المعلم أثناء عمليّة التدريس، هذه الوجهة تمثل إحدى وجهتي التدريس الحديثة التي تتضمن نشاطًا تدريسيًّا موجّهًا إلى تنمية قدرات وإبداعات التلاميذ، وتتضمن أيضًا أداء وسلوكًا تدريسيًّا يتّسم بالابتكاريّة والتجديد، ولذلك فإنّ التدريس الحديث يرتبط بعدّة مفاهيم تربويّة منها: مفهوم التعلّم الإبداعيّ ومفهوم التدريس الإبداعيّ واتسام النشاط التدريسيّ بسمات إبداعيّة.
الصيفي، عاطف (2009)، المعلّم واستراتيجيّات التعليم الحديث، دار أسامة، صفحة 248-249