نشر المجلس الأعلى للتربيّة والتكوين والبحث العلميّ في المغرب، بمشاركة اليونيسف، تقرير العنف في الوسط المدرسيّ، في يوليو 2023. استند التقرير في إفاداته إلى دراسة تقييميّة لظاهرة العنف، أُجريت على جميع المراحل الدراسيّة: الابتدائيّة، والثانويّة الإعداديّة، والثانويّة التأهيليّة. وجاء التقرير في سبعة فصول متكاملة توخيًّا للدقّة في تشخيص ظاهرة العنف، وقياس مدى انتشارها، وتحديد مختلف أشكالها، والتعريف بالفاعلين فيها، وفهم العوامل التي تُسهم في انتشارها، وتقديم اقتراحات لمكافحتها.
أكّد التقرير في فصل "الإطار النظريّ والمفاهيميّ والمنهجيّ" على أنّ فهم ظاهرة العنف في الوسط المدرسيّ، والإلمام بجميع جوانبها، مشروط بتأطيرها نظريًّا ومفاهيميًّا وتجريبيًّا. وفصّل التقرير هذه الشروط باعتماد مقاربة تربط الإيذاء المدرسيّ بالمناخ العامّ الذي يسود المؤسّسة التعليميّة. من هنا، قسّم التقرير العنف الذي تشهده المؤسّسات التعليميّة إلى أشكال: العنف اللفظيّ والرمزيّ، والعنف الجسديّ، وعنف الاستحواذ، والعنف السيبرانيّ، معتمدًا منهجًا كميًّا وكيفيًّا.
أشار التقرير في فصل "السياسة العموميّة ومناهضة العنف في الوسط المدرسيّ" إلى التدابير والإجراءات التي اتّخذتها السلطات لمحاربة العنف في المؤسّسات التعليميّة، وكذا الآليات التي وضعتها لضمان حماية الأطفال المتمدرسين من العنف، معتبرًا العنف ضدّ الطلّاب أو الأطر التربويّة والإداريّة سلوكًا سلبيًّا يجب حظره على جميع المستويات: التعليميّ والأخلاقيّ والنفسيّ، ودعا المسؤولين إلى الحزم والتشدّد إزاء كلّ سلوك ينال من المؤسّسات التعليميّة أو يقوِّض عملها. صنّف التقرير الإجراءات المتّخذة من الوزارة لمناهضة العنف في الوسط المدرسيّ ضمن ثلاثة أنواع: الإجراءات التربويّة، والإجراءات الإداريّة، والإجراءات القانونيّة والأمنيّة.
قارب التقرير في فصل "إيذاء الطلّاب" بعض أشكال الإيذاء التي يتعرّضون لها، كالعنف اللفظيّ، والعنف الجسديّ، وعنف الاستحواذ، والعنف السيبرانيّ، والتحرّش. وصنّفها وفق معيار الجنس، ونوع المدرسة، والمستوى الدراسيّ. كما وصف هذه الأشكال من الإيذاء وحلّلها تحليلًا دقيقًا. بالإضافة إلى ذلك، تطرّق التقرير في هذا الفصل إلى ممارسي العنف في الوسط المدرسيّ، كالطلّاب والمعلّمين والأطر الإداريّة والدخلاء، وإلى كيفيّة ممارسة هؤلاء العنف.
كشف التقرير في فصل "العقاب في المؤسّسة التعليميّة" عن استمرار ممارسة العقاب الجسديّ في هذه المؤسّسات، رغم حظره رسميًّا. وأشار إلى اختلاف مواقف المعلّمين والموظّفين الإداريّين والطلّاب وأولياء الأمور تجاه العقاب في المدرسة، بين من يُدافع عنه ويُبرّره بالاستناد إلى دوره التربويّ، ومن يرفضه لاشتماله عقوبات غير عادلة. الأمر الذي يعوق جزئيًّا الجهود المبذولة للتصدّي للظاهرة.
يُظهر التقرير في فصل "المناخ المدرسيّ والعنف في المدرسة" تدهور حالة الرفاه نسبيًّا في المدارس، مع التقدّم في المراحل التعليميّة، ليبلغ ذروته في التعليم الثانويّ. وأكّد أنّ من الأمور التي تهدّد استقرار الطلّاب النفسيّ في المدرسة، هو علاقتهم بالسلطة التربويّة التي يجسّدها المعلّمون والمدراء. أمّا بالنسبة إلى طلّاب المرحلة الابتدائيّة، فأشار التقرير إلى شعورهم بانعدام الأمن في الأماكن الأكثر تدهورًا، والأقلّ حراسة داخل المدرسة، مؤكِّدًا على ضرورة اتّخاذ تدابير فعّالة لإرساء الأمن في الوسط المدرسيّ.
أكّد التقرير في فصل "الفاعلون التربويّون والعنف في الوسط المدرسيّ" على أنّه من غير الممكن الإحاطة بظاهرة العنف في الوسط المدرسيّ ومكافحتها، من دون مراعاة منطق الفاعلين. مشيرًا إلى أنّ بعض المعلّمين لا يزالون يعتقدون بضرورة استخدام العنف ضدّ عنف الطلّاب. كما عدّ استمرار تعرّض الطلّاب للعقاب الجسديّ، وتوتّر العلاقات بين آبائهم ومعلّميهم، وعدم انضباطهم ونزوعهم إلى العدوانيّة العنيفة، جزءًا من الحياة اليوميّة في المدارس المغربيّة، مشدِّدًا على ضرورة تجاوز هذا الوضع الذي يهدّد الرفاه المدرسيّ.
قدّم التقرير في فصل "خاتمة عامّة وسبل للتفكير" مجموعة من الاقتراحات للوقاية من العنف، وتعزيز مناخ مدرسيّ جيّد وآمن. أهمّها: وضع سياسة واضحة لمحاربة العنف في الوسط المدرسيّ، والتعبئة الجامعة لجميع الفاعلين المعنيّين لمكافحة العنف في الوسط المدرسيّ، وإقرار مدوّنة سلوكيّة واضحة ضدّ العنف، وإنشاء نظام ملائم للإبلاغ عن حالات العنف من الضحايا وتقديم الدعم النفسيّ والعاطفيّ لهم، فضلًا عن تدريب المعلّمين على التعامل مع سلوكيّات بعض الطلّاب السلبيّة والحفاظ على بيئة تعليميّة آمنة، وتأمين الأماكن التي تحدث فيها أعمال العنف داخل المؤسّسات التعليميّة، بالإضافة إلى تنظيم أنشطة رياضيّة وثقافيّة واجتماعيّة تسهِم في توجيه طاقة الطلّاب توجيهًا إيجابيًّا، وتعزيز مناخ مدرسيّ مبنيّ على الاحترام.