الحوكمة التربويّة
الحوكمة التربويّة

تُعرّف الحوكمة التربويّة بأنّها الإطار الذي تُدار به النظم التعليميّة، بما يشمل العمليّات والهياكل التي تُنظّم اتّخاذ القرارات والسياسات المتعلّقة بالتعليم. وتشمل الحوكمة توزيع المسؤوليّات بين الجهات المختلفة، سواء الحكوميّة أو غير الحكوميّة، مثل الوزارات، والإدارات المحليّة، والمؤسّسات التعليميّة، والمجتمع المدنيّ، والقطاع الخاصّ. وتهدف إلى تحقيق الكفاءة، والشفافيّة، والمساءلة، وضمان جودة التعليم، والعدالة في الوصول إلى فرص التعلّم، مع مراعاة السياقات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة التي تؤثّر في النظام التعليميّ (Magalhes & Amaral, 2023). 

نشأ مفهوم الحوكمة التربويّة (Educational Governance) متأثّرًا بالعوامل المجتمعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة. ففي البداية، ارتبطت الحوكمة التربويّة بالمؤسّسات الدينيّة التي تولّت تنظيم التعليم، بهدف تحقيق غايات أخلاقيّة وروحيّة. ومع عصر التنوير وصعود الدولة القوميّة، تطوّرت الحوكمة التربويّة لتصبح أكثر علمانيّة، متماشية مع أهداف القوميّة والتقدّم المجتمعيّ. ومع مرور الوقت، ازدادت هياكل الحوكمة تعقيدًا، إذ اعتمدت البيروقراطيّات المركزيّة لتوحيد المناهج، وضمان العدالة في الوصول إلى التعليم. 

في أواخر القرن العشرين، أثّرت العولمة والسياسات النيوليبراليّة في الحوكمة التربويّة؛ الأمر الذي أدّى إلى التحوّل نحو اللامركزيّة، والمساءلة، والتوجّهات القائمة على السوق. وفي يومنا هذا، أصبحت الحوكمة التربويّة منظومة متعدّدة الأطراف، تضمّ الحكومات، والقطاع الخاصّ، والمنظّمات الدوليّة والمجتمعات المحليّة؛ لتعكس تفاعلًا ديناميكيًّا بين التقاليد والسياسات المبتكرة والتحدّيات العالميّة في مجال التعليم (Manna & McGuinn, 2013). 

 

تُعدّ الحوكمة التربويّة أداة حيويّة لضمان تحقيق أهداف التعليم التنمويّة والاجتماعيّة. ومع تنوّع التحدّيات التي تواجه النظم التعليميّة عالميًّا ومحلّيًّا، بات من الضروريّ تبنّي أساليب حوكمة مرنة وديناميكيّة، قادرة على الاستجابة لاحتياجات جميع الأطراف الفاعلة في العمليّة التعليميّة. ومن بين هذه الأساليب يظهر النهج التشاركيّ باعتباره أحد الخيارات الهامّة، والذي يهدف إلى تعزيز الشفافيّة، وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار. 

تتعدّد الأنماط التي يمكن بواسطتها تطبيق النهج التشاركيّ في الحوكمة التربويّة؛ إذ يتمّ إشراك مختلف الأطراف الفاعلة لضمان صياغة سياسات تعليميّة تستجيب لاحتياجات المجتمع. ومن بين هذه الأنماط، تأتي مشاركة المعلّمين واحدة من الركائز الأساسيّة؛ إذ يُنظر إليهم باعتبارهم الأكثر دراية بتحدّيات الميدان التعليميّ. ومشاركتهم في عمليّة صنع القرار في تصميم مناهج، تتناسب مع الواقع العمليّ وتحسين جودة التدريس. 

يُعدّ إشراك الطلّاب وأولياء الأمور أيضًا مكوّنًا أساسيًّا في تعزيز التشاركيّة، إذ يتيح رؤية تكامليّة حول احتياجات المتعلّمين وتوقّعاتهم. فعندما تُتاح الفرصة للطلّاب للتعبير عن آرائهم، يتعزّز لديهم الشعور بالمسؤوليّة تجاه العمليّة التعليميّة، بينما يسهم إشراك أولياء الأمور في تحقيق تكامل بين البيئة المدرسيّة والمنزليّة، بالإضافة إلى الدور المحوريّ الذي تؤدّيه كلّ من المنظّمات المجتمعيّة والقطاع الخاصّ في دعم الحوكمة التشاركيّة. يسهم هذا التعاون في توفير موارد إضافيّة، وتطوير برامج تعليميّة مبتكرة تُعالج التحدّيات التي يواجهها النظام التعليميّ. وبفضل هذا التعاون، يصبح بالإمكان ربط التعليم باحتياجات سوق العمل، وتعزيز فاعليّته واستدامته (Amos et al, 2022). 

 

المراجع

- Manna, M. & McGuinn, P. (2013). Education Governance for the Twenty-First Century: Overcoming the Structural Barriers to School Reform. Brookings Institution Press. 

- Amos, K., Masarovic, F., Rohstock, A. & Wiseman, A. (2022). Perspectives on Educational Governance. Waxmann Verlag GmbH. 

- Magalhes, A. & Amaral, A. (2023). Handbook on Higher Education Management and Governance. Edward Elgar Publishing.