عبد الله بن خميس أمبوسعيدي وإبتسام بنت سالم الرحبيّة
مقدّمة
يُقصد بالتوثيق العمليّة التي يتم فيها تجميع المعلومات وتصنيفها وحفظها وإعدادها، لجعلها حقائق أوليّة للاستفادة منها في البحث والتطوير. وهذا علم مهم لحفظ النتاج الإبداعيّ الإنسانيّ، فهو الركيزة الحقيقيّة التي لا يشوبها شائب للمعلومات. كما أنّ التوثيق يوفّر أدلّة على النتائج السابقة للبناء عليها، من خلال فهم الماضي وملامسة الحاضر وقراءة المستقبل. فمنذ فجر التاريخ يمارس الإنسان التوثيق بأشكاله المختلفة؛ فالإنسان في العصور القديمة استخدم التوثيق، كالتوثيق الحفظيّ والذي يكمن في الصدور وينقل ويوثّق بالتواتر، أو التوثيق الكتابيّ كالكتابة على صخور الجبال أو جلود الحيوانات وعظامها لأحداث باتت من التاريخ، مكّنت الأجيال اللّاحقة من معرفة تلك المعلومات عنهم. وقد تطوّر علم التوثيق مع مرور الزمن، واتَّسعت مجالاته وتبحّرت اهتماماته واختصاصاته، خصوصًا مع الطفرة التكنولوجيّة في القرن العشرين. من هُنا، تُعدُّ مهارة التوثيق مهارة لا غنى عنها في ممارساتنا اليوميّة بشكلٍ عام، ولا يقتصر تأثيرها بالقطاع التربويّ بكافّة أركانه بشكلٍ خاص.
أهمّيّة التوثيق كمهارة للممارسين التربويّين
أصبح التوثيق في العمليّة التعليميّة، سواء داخل المدرسة أو خارجها، ضرورة ملحّة؛ إذ يُفيد اكتساب الممارسين التربويّين مهارة التوثيق في تحديد أولويّات التطوير التعليميّ والاحتياجات، بناء على المعطيات السابقة التي وثِّقت. كما يُعزّز الشراكة التعليميّة بين المعلّم والعاملين في الحقل التربويّ، للوقوف على المشكلات القائمة ووضع الاستراتيجيّات والخطط لحلّها. وللتوثيق أهمّيّة كبيرة لكلّ من قائد المدرسة والمعلّم، كممارسَين للعمليّة التعليميّة؛ فالأوّل هو ربّان السفينة، والثاني هو مجدافها الذي يحرّك تلك السفينة.
وبالنسبة إلى أهمّيّة التوثيق للقائد، فهي تعينُ على تحسين نوعيّة التعليم الذي يقوم به المعلّمون، والتعلّم الذي يقوم به الطالب، من خلال التدوين المباشر للممارسات التي يقوم بها المعلّمون في تعليم الطلبة. وهذا ما يساعد القائد على التفكُّر في تلك الممارسات ومراجعتها مع المُمارِس، وأيضًا على التفكُّر في كيفيّة تعلّم الطلبة، وهناك العديد من الطرق التي تساعد القائد التربويّ في التوثيق لمتابعة سير العمليّة التعليميّة - التعلّميّة:
- الزيارات الإشرافيّة: وفيها يتم رصد النشاطات التعليميّة والتربويّة، وملاحظة التفاعل الصفّيّ، وتقويم أداء المعلّم والوقوف على أثره في الطلبة.
- المداولة الإشرافيّة: وهي اللقاء الفرديّ بين المعلّم والقائد التربويّ، لمناقشة ما تمّ تدوينه من ملاحظات خلال الزيارة الإشرافيّة.
- الاجتماع: اللقاء الفرديّ أو الجماعيّ بين القائد والممارسين، بهدف مناقشة وتدوين ملاحظات حول موضوع تربويّ.
- المقابلة: وهي المحادثة التي تحدث بين القائد التربويّ والممارسين، يَطرح فيها القائد التربويّ للممارسين مجموعة من الأسئلة مع تدوين الإجابات.
- الملاحظة: ويقصد بها مراقبة القائد التربويّ لسلوك معيّن أو ظاهرة معيّنة مع تدوين الملاحظات والتفكُّر فيها.
- المجموعة المركّزة: وهي نوع من المقابلة يقوم عبرها القائد التربويّ بمقابلة مجموعة من الممارسين لمناقشة موضوع معيّن.
أما بالنسبة إلى المعلّم، وهو الممارس الآخر، فنجد أنّه يمارس التوثيق في واجباته التدريسيّة، والمتمثّلة في تخطيط الموقف الصفّيّ الذي يُحدّد خارطة الطريق لتنفيذ عمليّات التدريس، من تحديد الاستراتيجيّات التدريسيّة والتقييميّة، والأدوات والوسائل التعليميّة التي سيستخدمها لتنفيذ التدريس، والتوزيع الزمنيّ للحصّة، وتوثيق تفاعل الطلبة خلال الموقف الصفّيّ. وهذا كلّه يساعده، لاحقًا، في التفكُّر فيه لبناء خططه التطويريّة ومعالجة أولويّات التطوير وإثراء القوّة لديه ومشاركة خبراته مع زملائه، أو مع الإدارات المحرّكة للسلك التعليميّ، لإسقاط هذه المعلومات والبيانات لتحسين عمليّة التعلُّم، ومشاركة أولياء الأمور أداء أبنائهم ومستوى تحصيلهم الدراسيّ.
ممارسة التوثيق في مدرسة الإيثار للتعليم الأساسيّ: الطّور الأوّل (1-4)
تعدُّ مدرسة الإيثار للتعليم الأساسيّ (1-4)، من المدارس الحكوميّة التي تقدّم خدمة تعليميّة للطلبة، وخدمات مجتمعيّة لأولياء الأمور والمؤسّسات الحكوميّة والخاصّة. وهي تقع في ولاية بدبد في محافظة الداخليّة، في سلطنة عُمان. في المدرسة قرابة الـ904 طالبة وطالب، إضافة إلى ستة طلّاب من التربية الخاصّة. ويعمل فيها 73 معلّمة، و11 إداريّة، وهي كانت قد افتُتِحت سنة 2001. وبما أنّ المدرسة ليست بعيدة عن المؤسّسات التي تنشد التميُّز والرقيّ بالمستوى التعليميّ والتحصيليّ، فقد واكبت التطوّر والطفرة التوثيقيّة للمعلومات والبيانات. كما أنّ لاختيارها أن تكون عضوًا في مشروع تمام، التطوير المستند إلى مدرسة، دورًا بارزًا في تبنّي التوثيق الإلكترونيّ، من خلال الاستفادة من الإمكانات الواسعة والمتعدّدة لهذا المشروع، وإسقاطها على مراحل تقدّم المدرسة في هذا المشروع.
كان لاعتبار عمليّة التوثيق المنظّم للممارسة أحد ركائز مشروع تمام، دور كبير مساعد للمدرسة؛ فكون مدرسة الإيثار للتعليم الأساسيّ (1-4) عضوًا في هذا المشروع منذ سنة 2016، أسهم في إعداد ممارسين تربويّين قادرين على التوثيق المنظّم لممارساتهم التدريسيّة، وتفنيدها، والرجوع إليها، والاستفادة منها لوضع الخطط. من هنا جاء اهتمام المدرسة وتركيزها، بطاقميها الإداريّ والتدريسيّ، على حفظ جميع الممارسات والخبرات بشكليها الورقيّ والإلكترونيّ. وقد اتّبعت المدرسة أسلوب تقسيم الأعمال بين أعضاء الفريق، تسهيلًا لعمليّة التوثيق، كون كلّ فريق أو مجموعة تعمل على توثيق ما، تتوصّل إليه أولًا بأوّل. وقد اتّبعت المدرسة في عمليّة التوثيق نوعا التوثيق الآتيين:
- التوثيق الورقيّ: هُنا قام فريق تمام في المدرسة على عمل "ملف تمام الشامل"، والذي يحتوي على مجموعة من الأقسام المنظّمة للملف؛ كقسم الخطط، وقسم الاستمارات، وقسم الملاحق. توثّق هذه الملفّات المنظّمة خبراتنا وممارساتنا بشكل ورقيّ، والشكل 1 يوضّح نموذجًا لهذا النوع من التوثيق:
الشكل (1)
نموذج من التوثيق الورقيّ
التوثيق الإلكترونيّ: هُنا قام فريق تمام في المدرسة باختيار تطبيق google drive، ليكون هو المصبّ الموثّق لجميع ممارساتنا التماميّة؛ ممارسات قُسّمت بين مدوّن للاجتماعات، وملتقط للصور، ومنظّم للبرامج المحوسبة. كما قسّمنا الصفحة إلى مجلّدات عدّة، بحيث تنظّم جميع الخبرات (مجلّد الاستمارات، ومجلّد الصور، ومجلّد الاستبيانات، ومجلّد العرض التقديميّة، مجلّد الاجتماعات، مجلّد الخطط الأوليّة، مجلّد الخطط النهائيّة).
مرّت عمليّة التوثيق الإلكترونيّ بمراحل عدّة وبتطوّرات، كلّ مرحلة تواكب التطوّرات والمستجدات في العالم التوثيقيّ التقنيّ للمعلومات. ومؤخّرًا، قامت مدرسة الإيثار بالاعتماد على قارئ الباركود، للرجوع والاطلاع على المعلومات الموثّقة، وهو برنامج يتيح سهولة الوصول إلى المعلومات، والشكل الآتي يوضّح هذا النوع من التوثيق:
الشكل (2)
نموذج من التوثيق الإلكترونيّ
https://drive.google.com/drive/folders/132mVUcJlDJNZqhJjmbmOXM1ihAZMBLNZ?usp=sharing
خاتمة
في الختام نؤكّدُ على أنّ التوثيق من العمليّات المهمّة التي يجب الاهتمام بها داخل مدارسنا، كونها تساعد على حفظ ما نقوم به، وتعيننا، في الوقت ذاته، على توجيه خططنا واستراتيجيّاتنا المستقبليّة. لذا، يجب الدفع بها قُدمًا إلى الأمام من خلال تدريب الممارسين على أفضل الطرق والوسائل المستخدمة في عمليّة التوثيق، وأيضًا الاستفادة ممّا تقدّمه التكنولوجيا الحديثة من إمكانات في تنظيم البيانات وحفظها. وقد عملت مدرسة الإيثار للتعليم الأساسيّ (1-4)، إلى توظيف هذه الركيزة منذ انضمّت إلى مشروع تمام سنة 2016. واليوم، تعدُّ هذه المدرسة من المدارس الرائدة في عمليّة التوثيق على مستوى سلطنة عُمان.