مهما اختلفت المدارس ببرامجها ورؤاها التربويّة وفلسفتها ومناهجها، تبقى الحاجة الماسّة إلى التغيير من أجل التطوير سمةً جامعةً لها. تستوجب هذه الحاجة بناء ثقافة مدرسيّة شاملة مختلفة ترفض الجمود، والأدلجة، والسلطويّة في الممارسات، أو الأدوات، أو المناهج، أو في العلاقة بالمجتمع المدرسيّ والمجتمع الخارجيّ.
التغيير من أجل التطوير لا يحدث دفعةً واحدةً، هو عمليّة تنظيميّة مخطّط لها تنبثق من احتياجات المؤسّسة، وترتبط بالقدرة والرغبة في تطوير العمل المؤسّسيّ، وتهدف إلى تحقيق مخرجات محدّدة. هو عمليّة تراكميّة يضاف فيها نجاح كلّ فعل، مهما كان بسيطًا، إلى فعل آخر على خطّ التغيير الذي يبدأ من المدرسة لينتقل إلى خارجها، ويسمح بالتفكّر في الخطوات السابقة، والانتقال إلى الخطوات اللاحقة بثقة. هو عمليّة تستشرف الشراكة، والتنسيق، والحوار بين كلّ من هم في المدرسة من ناحية، وبين المدرسة والعالم الخارجيّ من ناحية ثانية.
كيف تُطوّر المؤسّسات التعليميّة أداءها؟ كيف يأتي التغيير من داخلها؟ وما هو شكله؟ هذا ما يحاول ملفّ العدد الخامس "التطوير المستند إلى المدرسة" الإجابة عنه من خلال مقالات متنوّعة تتناول مختلف أركان العمليّة التعليميّة، وتتمحور حول تجارب عمليّة تنبع من واقع عدد من المدارس.
مقال افتتاحيّ يضع بين أيدينا الأسس النظريّة والعمليّة التي استند إليها مشروع تمام، فاتحًا لنا باب التأمّل في كثير من المفاهيم والممارسات، ونقدها بعد أن أمست جزءًا من المسلّمات في مجالَيْ التربية والتعليم. كيف نؤسّس للتغيير دون أن يكون الطالب محوره؟ هنا مقال عن سمات الطالب التماميّ، حجرِ الزاوية في عمليّة قلب المعادلات، ثمّ مقال عن تجربة مدرسيّة في بناء القدرات القياديّة لفريقها، وانعكاسه الإيجابيّ على ثقافة المدرسة عمومًا، فالتطوير أيضًا "حالة"، لكنّه ليس حالة عشوائيّة، بل هو نهجٌ علميٌّ يخطّط له استنادًا إلى احتياجات المدرسة. مقال رابع حول بحث إجرائيّ اعتُمد منهجًا تطويريًّا في المدرسة، والتغيير لا يكون تغييرًا دون بناء علاقة شراكة صحيحة مع الأهل، أي علاقة ذات اتّجاهين تفيد الأطراف جميعَهم، وتحترم ثقافة الأهل وخلفيّتهم الاجتماعيّة. لدينا إذًا، مقال حول بناء هذه الشراكة مع الأهل. ولأنّ التجارب المدرسيّة تطوّر المفاهيم، وتتطوّر معها، يأتي التعليم الجامع ركيزةً لثقافة تقوم على مبدأ العدالة في التعليم، في آخر مقالات الملفّ، مقالٍ عن تجربة ميدانيّة في قيادة التعليم الجامع.
خارج الملفّ، مقال عن المواطنة العالميّة في التربية العربيّة، إذ إنّ الوعي والتأمّل في مضمون المفاهيم وأبعادها مفتاح التغيير، لكنّ التغيير يكمن في التفاصيل أيضًا، في الممارسات الصفّيّة اليوميّة التي من شأنها أن تحدث فرقًا مع الطلّاب. مقال عن دور النشاطات الشفويّة اللّاصفّيّة في تعلّم اللغة العربيّة. وليكون التغيير ركيزةً أساسيّةً، يحتاج المعلّم أن يكون على تماسٍّ وتفاعل دائمين مع طلّابه، كيف يحدث ذلك، إن لم يفهم النزعات النفسيّة التي تحرّك الطلّاب أحيانًا؟ مقال مفاهيميّ حول الصراع داخل الصفّ. أخيرًا، أليس الكتاب المدرسيّ أحد العوامل التي قد تؤثّر سلبًا في تطوير مهارات الطالب، والمعلّم، وبناء معارفهما، وأسس تفكيرهما؟ يقدّم المقالان الأخيران تجربةً حول تأليف سلسلة كتب مدرسيّة في التاريخ العالميّ باللغة العربيّة. ألا يحتاج الطالب العربيّ إلى مخزون معرفيّ ومهاريّ حول مادّة التاريخ، وإلى تعزيز لغته، وهُويّته، وانتمائه، ومكانته بين المجتمعات الأخرى، وإلى التعرّف على الثقافات الأخرى بكلّ إرثها الحضاريّ؟ التاريخ لا يعلّم بالتلقين، بل هو قائم على البحث، والتحليل، والاستنتاج، والاستقصاء، والتفكير الناقد. كيف يكون التغيير تغييرًا إن لم نقدّم للمعلّم أدوات جديدة تساعده، مع كلّ التحدّيات، على قيادة عمليّة التعليم بصورة مختلفة؟ أليس هذا ما يحوّل المسلّمات فرصًا تعليميّةً؟