في حالات الطوارئ، مثل الحروب والكوارث الطبيعيّة والأوبئة، يصبح التعليم من أكثر القطاعات تأثّرًا، علمًا أنّه من بين أكثر القطاعات ضرورة لاستمرار حياة المجتمع. في ظلّ الأزمات، من الضروريّ وضع خطة استراتيجيّة فاعلة لضمان استمرار التعليم. ويجب أن تتبع هذه الخطّة خطوات تنفيذيّة تتّسمُ بالمرونة والابتكار. تناقش هذه التدوينة كيفية تحويل الخطّة التعليميّة في حالات الطوارئ، إلى تنفيذ فعّال يتناسب مع الواقع الميدانيّ.
1. تحديد الاحتياجات والموارد في مرحلة ما قبل الطوارئ
المرحلة الأولى لأيّ خطّة طوارئ تتمثّلُ بتقييم الوضع الميدانيّ وتحديد الاحتياجات الأساسيّة. وهذا يشمل:
- - تقييم الأضرار المحتملة: في حالة حدوث كارثة طبيعيّة أو نزاع مسلّح، يجب تحديد المدارس والبنية التحتيّة التي قد تتأثّر، وكذلك معرفة عدد الأطفال والشباب الذين سيكونون بحاجة إلى التعليم.
- - تحليل الموارد المتاحة: قبل وقوع الطوارئ، يمكن تحديد الموارد التعليميّة التي تمكن إعادة تخصيصها في حالات الأزمات، مثل الكتب المدرسيّة والموادّ التعليميّة الرقميّة والأجهزة التكنولوجيّة.
أيّ خطّة طوارئ يجب أن تكون مرنة بما يكفي للتكيُّف مع أيّ نوع من الأزمات، مع توفير أدوات وأطر عمل جاهزة لتسهيل الانتقال إلى التنفيذ وقت الحاجة.
2. تطوير خطّة تعليميّة متكاملة في حالات الطوارئ
في هذه المرحلة، تُصاغ الخطّة التعليميّة، والتي يجب أن تأخذ في الاعتبار كلّ جوانب التعليم في سياق الطوارئ. وعلى الخطّة المتكاملة أن تشمل عدّة عناصر أساسيّة:
- - الاستجابة الفوريّة: تشمل هذه المرحلة توفير بيئات تعلّم آمنة وفعّالة بشكل عاجل. قد تتطلّب هذه الاستجابة استخدام الخيام أو المباني المتنقّلة كأماكن مؤقّتة للدروس، أو استخدام التعليم عن بُعد.
- - الاستدامة: يجب أن تتضمّن الخطّة استراتيجيّات طويلة المدى لاستمرار التعليم، حتّى بعد انتهاء الأزمة. يشمل ذلك تدريب المعلمين على تقنيّات التعليم في حالات الطوارئ واستخدام التكنولوجيا.
- - التنسيق بين الشركاء المحليّين والدوليّين: يجب أن تضمّ الخطّة جميع الشركاء، مثل الحكومات المحلّيّة، والمنظّمات الإنسانيّة مثل اليونيسيف واليونسكو، لزيادة فعّاليّة الاستجابة، خصوصًا بما يتعلّق بتوفير التمويل والموارد التعليميّة.
3. التنفيذ الفعّال في الميدان: التكيُّف مع الواقع
بمجرّد أن تُطوّر الخطّة، يأتي دور تنفيذها على الأرض. هذا يتطلّب تحرّكًا سريعًا ومتكاملًا، مع مراعاة الظروف الميدانيّة التي قد تكون معقّدة. على سبيل المثال:
- - المدارس المتنقّلة والتعليم في الهواء الطلق: في المناطق المتضرّرة من النزاع أو الكوارث، يمكن إنشاء مدارس مؤقّتة من خلال الخيام أو المباني المتنقّلة. يجب أن تُجهّز هذه المدارس بالموادّ الأساسيّة، مثل الكتب المدرسيّة، وأدوات الكتابة، وأجهزة الحاسوب في حال كانت هناك بنية تحتيّة تكنولوجيّة متاحة.
- - التعليم عن بُعد: مع التقدّم التكنولوجيّ، يمكن للتعليم عبر الإنترنت أن يؤدّي دورًا كبيرًا في توفير التعليم في حالات الطوارئ. على المدارس أن تعتمد على منصّات رقميّة تُتيح تقديم الدروس عبر الإنترنت، بالإضافة إلى المحتوى الذي يمكن الوصول إليه عبر الهواتف المحمولة، أو أجهزة الحاسوب اللوحيّة.
- - توظيف المعلّمين المحلّيّين: من أجل مواجهة نقص المعلّمين المدرَّبين، يمكن تدريب المعلّمين المحلّيّين بسرعة على أساليب التعليم في حالات الطوارئ. هؤلاء المعلّمون يكونون على دراية بالثقافة المحلّيّة، ما يجعل التعليم أكثر تأثيرًا.
- - توزيع الموارد التعليميّة: في حالة عدم توافر التكنولوجيا، يجب العمل على توفير الموادّ التعليميّة الأساسيّة، مثل الكتب المدرسيّة، أو تسجيلات صوتيّة ومرئيّة لشرح المناهج الدراسيّة. وهذا يمكن أن يتمّ من خلال توزيع الأقراص المدمجة، أو استخدام الراديو والتلفزيون المحلّيّ.
4. تقديم الدعم النفسيّ والاجتماعيّ
الدعم النفسيّ للأطفال من الأبعاد الهامّة التي يجب تنفيذها في التعليم في حالات الطوارئ. تؤثّر الأزمات بشكل كبير في صحّة الأطفال النفسيّة، ما يعيق قدرتهم على التفاعل مع الدروس. لذا يجب:
- - إدماج الدعم النفسيّ الاجتماعيّ في البرامج التعليميّة: يجب أن تكون الدروس مشبعة بمحتوى يهدف إلى معالجة الصدمات النفسيّة، مثل الجلسات النفسيّة التفاعليّة، وورش العمل التي تساعد الأطفال على التكيُّف مع الضغوط النفسيّة.
- - تدريب المعلّمين على التعامل مع حالات الطوارئ النفسيّة: يمكن للمعلّمين أن يؤدّوا دورًا محوريًّا في تقديم الدعم العاطفيّ للأطفال، إذا دُرّبوا بشكل مناسب على كيفيّة إدارة مشاعر التوتّر والقلق الناتجة عن الظروف الطارئة.
5. تقييم العمليّة التعليميّة وتحسينها بشكلٍ مستمرّ
من الضروريّ أن تشمل خطّة التعليم في حالات الطوارئ آليّة للتقييم المستمرّ والمراجعة. تشمل هذه العمليّة:
- - تقييم فعاليّة التعليم: من خلال جمع البيانات حول أداء الطلّاب، ورضا المعلّمين، ودرجة تأثّر الأطفال بالأزمة. يساعد هذا التقييم في معرفة ما إذا كانت الأدوات التعليميّة والاستراتيجيّات المتّبعة فعّالة.
تحويل خطّة التعليم في حالات الطوارئ إلى تنفيذ فعّال، تحدٍّ يتطلّب تنسيقًا عاليًا ومرونة استثنائيّة. يتطلّب هذا الأمر تكاتفًا بين الحكومات، والمنظّمات الإنسانيّة، والمجتمعات المحلّيّة لضمان استمرارية التعليم حتّى في أحلك الظروف. من خلال توفير البيئة التعليميّة المناسبة، والاستفادة من التكنولوجيا، وتقديم الدعم النفسيّ والاجتماعيّ، يمكن للأنظمة التعليميّة أن تظلّ قائمة وقويّة في مواجهة الأزمات، ما سيساعد في بناء أجيال قادرة على التعافي، والإسهام في إعادة بناء مجتمعاتها بعد الظروف الطارئة.