يعود أصل هذا المصطلح إلى التقاليد العقائديّة والفلسفيّة القديمة، مثل البوذيّة والهندوسيّة، إذ يُمارَس التأمّل لتحقيق التوازن والتفكر العميق. اقترن هذا المصطلح بعد ذلك بالسياق التعليميّ في أوائل القرن العشرين، عندما بدأ المنظّرون التربويّون التأكيد على أهمّيّة التأمّل الذاتيّ والتفكير النقديّ في مهنة التعليم. الأمر الذي دفع الفيلسوف والمعلّم الأمريكيّ جون ديوي إلى اتّباع نهج تجريبيًّ، يتمحور حول الطالب في عمليّة التعليم، مشدِّدًا على حاجة المعلّمين إلى التفكير والتأمّل في ممارساتهم الصفّيّة، وإجراء التعديلات على أفكارهم، وموضِّحًا إجراءات التأمّل في كتابه "?How We Think" الصادر سنة 1910 (Li, 2020).
وقرابة نهاية القرن العشرين، اكتسب التعليم التأمّليّ أهمّيّة أكبر في أعمال التربويّين، حيث قدّم دونالد شون مفهومات جديدة، منها: "التأمّل أثناء الممارسة"، و"التأمّل في الممارسة"، في كتابه "The Reflective Practitioner" الصادر سنة 1983، وحثّ فيه المعلّمين على الانخراط في التأمّل المستمرّ أثناء ممارسة التعليم، وإجراء التعديلات على تلك الممارسات، والتفكير في أفعالهم بعد تأديتها (Tajeddin, Z. & Watanabe, 2020).
أصبح التعليم التأمّليّ اليوم معروفًا على نطاق واسع، باعتباره نهجًا قيّمًا للتطوير المهنيّ في التعليم، ويشجِّع المعلّمين على إجراء فحص نقديّ لممارساتهم التعليميّة، والنظر في تأثيرها في تعلّم الطلّاب، وإجراء تغييرات مقصودة لتحسين فعّاليّة التعليم (Uche, 2021).
يُعرَّف التعليم التأمّليّ بأنّه عمليّة يؤدّيها المعلّمون بالتفكير في ممارساتهم التعليميّة، للتأكّد من مدى فعّاليّة أساليبهم التعليميّة. تكشف تلك العمليّة مدى الحاجة إلى تحسين أساليب التعليم أو تغييرها، إذ تنطوي على دورة مستمرّة من التأمّل، والملاحظة، والتحليل النقديّ، وإجراء التعديلات على ممارسات التعليم، بناءً على رؤى تأمّليّة. يمكن للمعلّمين اكتساب فهم أعمق لإمكاناتهم، وتحديد مجالات التحسين، واتّخاذ قرارات مناسبة لتحسين أساليبهم، بالتفكير في تلك الممارسات (Farrell, 2020).
يعزّز التعليم التأمّليّ نموّ المعلّمين المهنيّ بتعزيز الوعي الذاتيّ والتحسين المستمرّ. ويستطيع المعلّمون، بالتفكير، تحديد نقاط قوّتهم وضعفهم. الأمر الذي يمكّنهم من تحسين استراتيجيّاتهم التعليميّة، والتكيّف مع احتياجات طلّابهم المتنوّعة. بالإضافة إلى تعزيز الشعور بالمساءلة والمسؤوليّة، حيث يتحكّم المعلّمون في ممارساتهم التعليميّة الخاصّة، ويجدون طرائق لتحسين نتائج تعلّم الطلّاب (Nixon et al, 2020).
كما يؤثِّر التعليم التأمّليّ تأثيرًا إيجابيًّا في تعلّم الطلّاب، إذ يمكن للمعلّمين تحديد العوائق التي تحول دون التعلّم، ومعالجتها بالتحليل النقديّ لممارساتهم التعليميّة. الأمر الذي يضمن لجميع الطلّاب الحصول على فرص متساوية في النجاح. من المرجّح أن يخصّص المعلّمون التأمّليّون تعليماتهم، والتمييز بين أساليب التعليم الخاصّة بهم، وإنشاء بيئة تعليميّة داعمة وشاملة. يزيد ذلك بدوره مشاركة الطلّاب، ويحفّزهم، ويحسّن أداءهم الأكاديميّ (Johns, 2022).
يتطلّب تنفيذ التعليم التأمّليّ اتّباع نهج منظَّم يدمج التفكير في ممارسات التعليم اليوميّة، إذ يجب على المعلّمين تخصيص وقت منتظم للتفكير، سواء فرديًّا أم بالتعاون مع الأقران. يسمح هذا الوقت المخصّص بتحليل الخيارات التعليميّة، واستجابات الطلّاب، وتحديد مجالات التحسين. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمعلّمين استخدام العديد من الأدوات التأمّليّة، مثل: نماذج التقييم الذاتيّ، وملاحظات الطلّاب لجمع البيانات، والحصول على وجهات نظر مختلفة حول تعليمهم. كما يمكن للمشاركة في فرص التطوير المهنيّ، مثل ورش العمل والمؤتمرات، أن توفِّر للمعلّمين رؤى واستراتيجيّات جديدة، لتعزيز ممارساتهم التعليميّة التأمّليّة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يسهّل التعاون مع الأقران، بتقييمهم وردود فعلهم، تبادل الأفكار، ويعزّز ثقافة التحسين المستمرّ داخل المجتمع المدرسيّ (Rodgers, 2020).
المراجع
- Farrell, T. (2020). Reflective Teaching: Revised Edition. TESOL International Association.
- Johns, C. (2022). Becoming a Reflective Practitioner. Wiley.
- Li, R. (2020). Rediscovering John Dewey: How His Psychology Transforms Our Education. Springer Nature Singapore.
- Nixon, L., Husband, G & Derrick, J. (2020). Reflective Teaching in Further, Adult and Vocational Education. Bloomsbury Academic.
- Rodgers, C. (2020). The Art of Reflective Teaching: Practicing Presence. Teachers College Press.
- Tajeddin, Z. & Watanabe, A. (2020). Teacher Reflection: Policies, Practices, and Impacts. Channel View Publications.
- Uche, N. (2021). The Reflective Te