خلال جائحة كورونا سنة 2020، أخبرتني زميلتي عن موقع يهتمّ بالتدريب الذي يعتمد على علم الدماغ. أثارت الفكرة فضولي، وتواصلت مع مؤلّفة الكتاب "Sharon Bowman" عبر البريد الإلكترونيّ، فأخبرتني بأنّ كلّ التدريبات حاليًّا تُقدّم عبر تطبيق "زووم". انتظرتُ عودة التدريب الوجاهيّ، وسافرت سنة 2022، إلى لندن خلال شهر نيسان/ أبريل، لحضور تلك الورشة بعنوان "Training from the Back of the room". خضعت لامتحان، وعدت إلى دبي معي حقوق الملكيّة الفكريّة لمحتوى الدورة، لأقدم تلك المعرفة للمدرّسين والمدرّبين في العالم العربيّ باللغة العربيّة.
أرغب في أن أشير إلى أنّ العلماء يكتشفون كلّ يوم خبايا جديدة تتعلّق بالدماغ البشريّ، وطريقة عمله. هذه الأبحاث والدراسات تؤثّر، بشكلٍ مباشرٍ، في طريقة التعلّم والتعليم، وتؤدّي إلى ولادة نظريّات جديدة. سأقدّم إليكم في هذه التدوينة المبادئ الستّة المتعلّقة بعلم الدماغ، والتي نحن بحاجة إليها خلال عمليّتَي التعلّم والتعليم، إذ نستخدمها في خريطة التحضير.
1. الحركة تتغلّب على الجلوس
يلخّص جون ميدينا، في كتابه "Brain rules"، المتوفّر باللغة العربيّة بعنوان "قواعد الدماغ" (2008)، الدراسات العلميّة العصبيّة وراء هذا المبدأ. الحركة تزيد نسبة الأكسجين في الدماغ، وذلك يُعزّز الإدراك. وعلى العكس، يتسبّب الجلوس، كما التمدّد لوقت طويل، في تعقيد التعلّم والتفكير بسبب انخفاض نسبة الأكسجين.
2. التكلّم يتغلّب على الاستماع
يشرح المؤلّف جاي كروس في كتابه، "Informal learning" (2007)، هذا المبدأ. يستقبل المتعلّمون المعلومات على ثلاث مراحل: أوّلًا، من خلال الاستماع إلى سرد المعلومات. وثانيًا، من خلال التفكير فيها. وثالثًا، من خلال إعادة سردها بكلماتهم الخاصّة.
3. الصور تتغلّب على الكلمات
في كتابها "Brain Matters" (2001)، تستشهد باتريسا وولف بالبحث الذي يوضّح قدرة الدماغ على تذكّر الصور بشكل أفضل من الكلمات. عند إضافة الصور الحقيقيّة والمطبوعة والقصص والتعابير المجازيّة في المحتوى التعليميّ، يتغيّر المشهد التعليميّ بأكمله. بدلًا من رؤية بعض الصور كالأشجار والطريق واللافتة والتلّة والسيّارة... كأجزاء مرئيّة منفصلة، يجمع العقل هذه الصور لخلق صورة وموضوع واضحين: مغامرة في العطلة.
4. الكتابة تتغلّب على القراءة
الكتابة مهمّة دماغيّة كاملة، ما يعني أنّه يكاد يكون من المستحيل الكتابة عن شيء واحد والتفكير في شيء آخر في الوقت نفسه. الكتابة أيضًا متعدّدة الحواس، من حيث إنّها حركيّة ومرئيّة ومكانيّة و"ملمسيّة".
يستوعب المتعلّمون المعلومات المعرفيّة أكثر عندما يدوّنونها بعد سماعها. إضافة الى ذلك، يتذكّر معظم المتعلّمين المحتوى الذي يكتبونه أكثر من الذي يسمعونه أو حتّى يقرؤونه.
5. الأقصر يتغلّب على الأطول
يكتسب العقل البشريّ المعلومات بشكل أفضل عند تجزئة المحتوى إلى أجزاء صغيرة، أو معلومات مقسّمة.
قسّم الدرس إلى مقاطع، أو أجزاء، بطول عشرة إلى عشرين دقيقة.
6. الاختلاف يتغلّب على التشابه
يتجاهل العقل كلّ ما هو روتينيّ، أو متكرّر، أو مُتوقّع، أو مُملّ. فالعقل سيتجاهل الطرق التقليديّة في التعليم التي تتضمّن المعلومات من دون الاستعانة بقصص أو طرق إيضاحيّة، أو تلك التي تعتمد فقط على عروض البوربوينت مع نسبة قليلة جدًّا من المحفّزات البصريّة.
خريطة التحضير
تركّز هذه الخريطة على كيفيّة تعلّم الأفراد ومعالجة المعلومات. من خلال فهم كيفيّة تعلّم الأشخاص، يمكننا كمعلّمين التأكُّد من أنّنا نبني المعلومات ونصمّمها ونقدّمها بالطريقة التي سيكون لها أكبر تأثير وصدى.
الروابط: الخطوة الأولى في خريطة التعلّم.
في هذه المرحلة سيقوم المتعلّمون والمعلّمون بوصل روابط التعلّم بين ما تعلّموه، وما سيتعلّمون عنه، وما الذي يرغبون بالتعلّم عنه. إجراء الروابط بالمعرفة السابقة هو مفتاح عمليّة التعلّم.
المفاهيم: الخطوة الثانية في خريطة التعلّم، وتهدف إلى تعلّم معلومات جديدة بشكل فعّال.
على المتعلّمين استعمال العديد من المحفّزات: السمع، والمشاهدة، والفحص، والمناقشة، والكتابة، والتأمّل، والتخيّل، والمشاركة في أنشطة المراجعة القصيرة والسريعة.
الممارسة الملموسة: هي الخطوة الثالثة من خريطة التعلّم.
يقوم المتعلّم بمراجعة المعلومات الجديدة التي تعلّمها، ومن ثم يطبّقها، أو يدرّسها لشخص آخر.
النتيجة: الخطوة الرابعة في خريطة التعلّم.
سيتمكّن المتعلّمون بعد الانتهاء من الحصّة من تقييم ما تعلّموه والتخطيط لكيفيّة الاستفادة منه.
ستساعدك هذه المبادئ الستّة وخريطة التحضير على تصميم حصص دراسيّة، أو تدريب يؤدّي إلى نتائج مميّزة. فهم كيفيّة عمل الدماغ البشريّ سيساعدك على الابتعاد عن الدروس التقليديّة والتلقين، وسيجعل حصصك ودوراتك تعتمد على أحدث العلوم والدراسات.