يُستخدَم مصطلح "الازدواجيّة اللغويّة" في اللسانيّات، للدلالة على وضع لغويّ يُستعمَل فيه مستويان مختلفان من اللغة لأغراض مختلفة. يشير العديد من اللغويّين إلى أنّ الازدواجيّة اللغويّة تُعنَى مباشرةً بتنوّعين لغويّين متمايزين في لغة واحدة، يؤدّيان وظيفتين مختلفتين: تنوّع غير رسميّ يُستخدَم عادةً للتواصل الشفهيّ في البيت والأسرة وأوساط العمل اليدويّ وتأدية الأغراض اليوميّة، يتمثّل في اللهجات المحكيّة، وتنوّع رسميّ يُستخدَم لمعظم الأغراض الرسميّة المكتوبة والمنطوقة في الدين والتعليم والإدارة وغيرها من المظاهر الثقافيّة والإعلاميّة، يتمثّل في اللغة الرسميّة المعتمدة (Costello, 2002). يخلق تخصيصُ كلّ صورة لغويّة على حدة، للتعبير عن مجموعة من السلوكات والمواقف والقيم، تكاملًا اجتماعيًّا وثقافيًّا، فيحصل تفاعل تكامليّ بين اللغة المُمَعيَرَة وتنوّعاتها (غاليم، 2013).
بالمقابل، تُعرَّف الازدواجيّة اللغويّة بأنّها تنافس بين تنوُّعَي لسان واحد، أحدهما عالي التصنيف ولكنّه غير شائع، والآخَر منخفض التصنيف ولكنّه عامّ وشائع. في اللغة العربيّة، تُشكِّل الازدواجيّة اللغويّة تعدّدًا لغويًّا داخليًّا بين الفصحى (نظام لغويّ مُعرَب) والعامّية (تنوّع لغوّي سقط منه الإعراب سقوطًا شبه كلّيّ)، يؤثّر في مناحي التعبير بين لغة الخاصّة والعامّة، ويخلق بينهما علاقات مختلفة قد يشوبها التوتّر حينًا، والتكامل أحيانًا، ناهيك عن ارتباطه بمفهوم الهويّة والذات والارتباط الواقعيّ بالماضي والحاضر. الازدواجيّة اللغويّة تفاعل داخل جدران البيئة الواحدة واللغة الواحدة، تختلف عن الثنائيّة اللغويّة "Bilingualism"، والتي تُشكِّل بدورها صراعًا خارجيًّا بين لغتين مختلفتين من حيث المنشأ، كالعربيّة والفرنسيّة في بلاد المغرب العربيّ (عباس، 2022).
بالعودة إلى اللغة العربيّة وموضوع الازدواجيّة اللغويّة، تتداخل العوامل والظروف، وينقسم الدارسون إلى حزبين يندر أن نرى من يحاول التوفيق بينهما؛ بين رافض العاميّات رفضًا مطلقًا، ولائم الفصحى لومًا متعصّبًا. الأهمّ من ذلك أنّ إيلاء هذا الموضوع الأهميّة اللازمة يرسي بثقله على تصنيف هويّة متعلّم اللغة في المدرسة: أهو ابن اللغة أم دارسها لغةً ثانيّةً. يؤثِّر ذلك، بالطبع، في تركيب المناهج وتوجّهات التدريس والتقييمات والتوقّعات (منذر، 2016).
ليست مشكلة ازدواجيّة اللغة العربيّة بين الفصحى والعاميّة أمرًا جديدًا أو طارئًا، إذ كان هناك دائمًا حوار لحلّ هذه المشكلة، بين من يدعو إلى الانتقال من العاميّة إلى الفصحى، حتّى في المعاملات اليوميّة بدعوى أنّه انتقال من الأمّيّة إلى العلم والمعرفة، ومن يرى أنّ اللغة العربيّة الفصحى لغة متخلّفة لا تُجاري العصر ومتطلّباته التعبيريّة والفكريّة، وأنّها لغة متخلّفة عن الركب وجامدة، وبالتالي، يلزم اعتماد العاميّة في مجالات الثقافة كلّها، بما فيها التعليم المدرسيّ (ريمان ودرويش، 2008).
المراجع
- ريمان، إيمان ودرويش، علي. (2008). بين العامّيّة والفصحى: مسألة الازدواجيّة في اللغة العربيّة في زمن العولمة والإعلام الفضائيّ. شركة رايتسكوب المحدودة.
- عباس، وعد. (2022). البُعد النفسيّ في الشعر الفصيح والعامّيّ: قراءة في الظواهر والأسباب. مؤسّسة هنداوي.
- غاليم، محمّد. (2013). اللغة والهويّة في ضوء النظريّة السياسيّة. في: اللغة والهويّة في الوطن العربيّ. المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات.311-340.
- منذر، إميل. (2016). اللغة العربيّة الفصحى: مشكلاتها ومشاريع تيسيرها. دار النهضة العربيّة.
- Costello, R. j. (2002). German in New York. In O. Garcia & J. A. Fishman. The Multilingual Apple Languages in New York City. Mouton de Gruyter. 71-91.
- Garcia, O., and Schiffman, H. (2006). Fishmanian Sociolinguistics-1949 to the Present. In O. Garcia et al. Language Loyalty, Continuity and Change: Joshua A. Fishman’s Contributions to International Sociolinguistics. MULTILINGUAL MATTERS LTD. 3-68.