أصدرت اليونيسكو، ضمن تقاريرها السنويّة المرتبطة بالتقرير العالميّ لرصد التعليم، تقريرَها لعام 2021، بعنوان "الأطراف الفاعلة غير الحكوميّة في التعليم: مَن الرابح ومَن الخاسر؟". يتوجّه هذا التقرير إلى صُنّاع السياسات التعليميّة، انطلاقًا من اهتمام منظّمة اليونيسكو بجميع مؤسّسات التربية والتعليم، الحكوميّة منها وغير الحكوميّة، داعيها إلى التعامل مع الطلّاب والمعلّمين ضمن نظام واحد، وتزويد الحكومات بمعايير ومعلومات وحوافز وطرق للمحاسبة، تُمكِّنها من حماية حقّ الجميع في التعليم وتنفيذه.
ركّز التقرير على أهميّة وضع الحكومات لمعايير الجودة والسلامة والشمول، وتطبيقها في جميع المؤسّسات التعليميّة، لحماية المؤسّسات المعرّضة للخسارة في ظلّ سيادة التنافس من أجل تقديم خدمات تعليميّة متميّزة، والذي غالبًا ما تخرج منه المؤسّسات التعليميّة غير الحكوميّة رابحةً، داعيًا الحكومات إلى التدخّل في المؤسّسات جميعها، ومساعدتها على تحسين خدماتها، وتقييم إنجازاتها، ونشر مخرجات التقييم. تطرّق التقرير، كذلك، إلى ضرورة تفكير صنّاع السياسات في الخيارات الأساسيّة التي تتاح للأطراف غير الحكوميّة في التعليم، بين الإنصاف وحريّة الاختيار، وبين تشجيع المبادرات ووضع المعايير، وبين الوسائل والاحتياجات، وبين الالتزامات الفوريّة، بموجب الهدف 4 من أهداف التنمية المستدامة، والالتزامات التي يتعيّن تحقيقها تدريجيًّا، وبين قطاع التعليم والقطاعات الاجتماعيّة الأخرى.
وقد أكّد التقرير أنّ ثمّة نقاشًا دائرًا حول قدرة الأطراف الفاعلة غير الحكوميّة، من خلال نشاطاتها التعليميّة، على تعزيز الكفاءة والإنصاف والشمول والابتكار في قطاع التعليم، وقد أسفر هذا النقاش عن مُؤيِّدين للنشاطات التعليميّة غير الحكوميّة، ومعارضين لها. وخلُص إلى أنّ جميع الأطراف، الحكوميّة وغير الحكوميّة، لا يمكن الاستغناء عنها في الدور التكميليّ الذي تلعبه في تقديم الخدمات التعليميّة.
ووقف التقرير عند عشر خرافات رائجة حول الأطراف الفاعلة في قطاع التعليم الحكوميّ وغير الحكوميّ، تتمثّل بالآتي:
1- الاعتقاد بإمكانيّة تحديد نطاق تدخّل الأطراف الحكوميّة وغير الحكوميّة الفاعلة في قطاع التعليم.
2- ادعاء القدرة على تحديد مدى تحكّم القطاع الخاصّ في التعليم.
3- مسؤوليّة القطاع الخاصّ عن خصخصة التعليم.
4- عدالة التعليم العامّ.
5- اختيار الأهل للمدرسة بناءً على معلومات تتّصل بمدى جودة التعليم فيها.
6- فعاليّة المنافسة في تحسين المدرسة.
7- أفضليّة المدارس والجامعات الخاصّة.
8- اعتبار التعليم الخاصّ حلًّا للتسرّب المدرسيّ.
9- اعتبار التعليم الخاصّ حلًّا لثغرات تمويل التعليم.
10- قدرة تنظيم النشاط غير الحكوميّ على تجاوز جميع المخاوف المتّصلة بتوفير الخدمات التعليميّة.
انتقل التقرير، بعد ذلك، إلى مسألة مدى توفير الأطراف الفاعلة غير الحكوميّة للخدمات وفق تصنيف مبنيّ على طبيعة علاقتها بالدولة، وعلى دوافعها وأسعارها، مُؤكِّدًا على ما شكّله التنظيم من تحدٍّ أمام الحكومة لتقديم التعليم بصورة مُنصِفة، وبنوعيّة جيّدة، مع الإشارة إلى أهمّ المؤثّرات المسهمة في تحقيق ذلك، والكامنة في غياب آليّات تمويل مُنصِفة، وضعف الجودة والإنصاف والتنفيذ، والمحاسبة غير الدقيقة، وتغيّر العمليّات والمعايير المرتبطة بضمان الجودة، وسوء تنظيم الدروس الخصوصيّة.
من هذا المنطلق، وضّح التقرير أنّ الحجج المرتبطة بالكفاءة والابتكار والإنصاف تكمن في صميم النقاشات المتعلّقة بدور الأطراف الفاعلة غير الحكوميّة في قطاع التعليم، ذلك أنّ منظّمات دوليّة كثيرة تقدّم الدعم المطلق والموارد الوفيرة إلى المؤسّسات التعليميّة غير الحكوميّة، ما يُؤثِّر في الأجندات. بالمقابل، كانت الأطراف الفاعلة غير الحكوميّة، وفق التقرير، هي الرائدة في مجال الرعاية وخدمات تعليم الأطفال دون سنّ الثلاث سنوات، كما في مرحلة ما قبل التعليم الابتدائيّ، مقارنةً بواقعها في مرحلة التعليم الأساسيّ، حيث تبتكر دائمًا في مجال الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة.
أمّا في مرحلة التعليم الجامعيّ، فالأطراف الفاعلة الحكوميّة وغير الحكوميّة، في جميع البلدان تقريبًا، تُؤمِّن التعليم الجامعيّ، فتحصل الأُسر على الحصّة الأكبر من تمويله، ما يزيد الحاجة إلى دعم الدولة وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، فقد أكّد التقرير أنّ الجهات الفاعلة غير الحكوميّة تؤثّر في التعليم الجامعيّ عبر قنواتٍ وآليّات مختلفة، مثل الشراكات البحثيّة والمناصرة وإصلاحات الإدارة الحكوميّة المناسبة للأعمال وكسب التأييد. ورصد التقرير، أيضًا، الدور الذي لعبته الجهات الفاعلة غير الحكوميّة في توسيع نطاق خدمات التعليم التقنيّ والمهنيّ، ليشمل الكبار، ولا سيّما في مجال تعليم اللغات.
أشار التقرير إلى التقدّم الملاحظ في جمع البيانات وتحليلها وتفسيرها ونشرها، بغية تحقيق الهدف الرابع للتنمية المستدامة، والأهداف التي حدّدتها البلدان لتحقيق خطّة التنمية المستدامة لعام 2030، إلّا أنّ جائحة كورونا سبّبت انتكاسات كبيرة في الأدوات القياسيّة المستخدمة لرصد تقدّم التعليم، وفرضت ضرورة إعادة النظر في الأهداف المُتعلِّقة بالتعليم الابتدائيّ والثانويّ، والطفولة المبكرة، والتّعليم التقنيّ والمهنيّ والجامعيّ، وتعليم الكبار، ومهارات العمل، والإنصاف، وإلمام الكبار بالقراءة والكتابة والحساب، والتنمية المستدامة والمواطنة العالميّة، ومرافق التعليم، والمنح الدراسيّة، والمعلّمين، والتمويل، والتعليم المتّصل بأهداف التنمية المستدامة الأخرى.
خَلُص التقرير، في النهاية، إلى مجموعة من التوصيّات التي دعا فيها إلى ضرورة تفادي تمويل التعليم، لتفضيل بعض الطلّاب واستثناء غيرهم، وإلى إرساء معايير الجودة والاتفاق على عمليّات مشتركة للرصد والدعم تنطبِق على المؤسّسات الحكوميّة وغير الحكوميّة جميعها، فضلًا عن تيسير نشر الابتكار من خلال النظام التعليميّ لأجل الصالح العامّ، والحفاظ على الشفافيّة والشموليّة في عمليّة وضع السياسات العامّة على النحو الذي يُعطِّل المصالح الخاصّة.