أنا معلّمة... وأفتخر
أنا معلّمة... وأفتخر
2024/09/22
أماني مصلح | معلّمة لغة إنجليزيّة- فلسطين

لطالما كانت قاعدتي في الحياة: أحبب ما تعمل حتّى تعمل ما تحبّ. أنا معلّمة، نعم، معلّمة لغة إنجليزيّة. أعمل منذ عشر سنوات في مجال التعليم. في البداية، لم أختر هذا العمل ولم أكن أريد هذا المجال. لكن، عندما قبلت لأوّل مرّة أن أكونَ معلّمة، علمت حينها أنّ الله سبحانه وتعالى يسّر لي طريق النجاح والفلاح والصلاح. اعتبرتُ نفسي محظوظة، فطابور الانتظار للحصول على وظيفة طويل جدًا، والمئات ينتظرون أن يُقبلوا في سلك التعليم. ونظرًا إلى عدد الخرّيجين الكبير، فإنّ الحصول على وظيفة يكاد يكون مستحيلًا.

كنت أطمح أن أكون مترجمة، وأن يكون لي أثر في قلوب من حولي، وأن يكون لنجاحي دويّ عالٍ، وأن يشرق اسمي ويلمع. كنت في البداية أظنّ أنّ تحقيق هذا أصبح من الأحلام، إلى أن تعمّقتُ في عملي.

ومن منطلق "إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه"، بدأت أدرس أكثر وأشارك في الندوات والدورات المتخصّصة في التعليم. بدأت أتعب وأجتهد لأصنع من طلّابي أفضل الطلّاب، وأساعدهم على تحقيق أحلامهم، خصوصًا في مادّة اللغة الإنجليزيّة التي تعتبر من أكبر التحدّيات التي تواجه طلبتنا. وجدت نفسي ولمع اسمي، وفرحتي كانت لا تتّسع لها الدنيا عندما رأيت ثمار النجاح وحصاد عملي، ومحبّة طلّابي واحترامهم، وتقدير الأهل، وارتفاع مستوى طلّابي.

تعلّمت من خلال تجربتي أنّ كلّ ما يحتاج إليه الإنسان هو الصبر، فالصبر مفتاح النجاح. هذا من تجربتي التي مررت بها. مرّت عليّ أوقات كدتُ استسلم فيها؛ كنت أشعر بالتعب، وأنّ طاقتي استنفدت، وأنّ الباب أغلق في وجهي. كنت أتجادل كثيرًا مع طلّابي، وربّما تحدّثت معهم أحيانًا بأسلوب ناتج عن قلّة خبرتي وصغر سنّي، فقد كنت أتعامل معهم على أنّهم من سنّي، وعليهم أن يدركوا أخطاءهم بأنفسهم. لكن، مع مرور الوقت، ومع الصبر، تعلّمت كيف أكسبهم، وعلمت أنّه بالكلمة الطيّبة والتعامل اللطيف نكسب قلوب من حولنا.

 

"وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (آل عمران، 159)

بعد مضي عشر سنوات، أستطيع أن أقول إنّني لست معلّمة وحسب، بل أنا الصديقة والزميلة والمعلّمة والأمّ والأخت والمرشدة لطالباتي. لم تعد حصص اللغة الإنجليزيّة عبئًا عليهم، ومحاولات إثبات جدارتهم لإرضائي أصبحت كبيرة. وسرعان ما تعلّمت أنّ أجمل شعور في الحياة هو النجاح، فالنجاح طريق المرء إلى تحويل الحلم إلى حقيقة.

عاهدت نفسي أن أكون داعمة لكلّ من هو بحاجة إليّ، وعاهدت الله أن أعمل بإتقان، وأن أضع طلّابي على الطريق الصحيح، وأن أكون من يرسم البسمة على وجوههم، وأن أكون من يعزّز ثقتهم بأنفسهم. أصبحت أعمل بجدٍّ أكبر لأنّ طلّابي آمنوا بنجاحي، وكانوا داعمين لي في مشواري في إكمال الدراسات العليا. كلماتهم وتشجيعهم لي كانت تحفّزني أكثر. وشعورهم بالفخر بأنّني معلّمتهم، ولهفتهم للقائي، ورسائلهم ورسائل ذويهم، كانت تعيدني إلى الطريق وتجعلني أتغلّب على المصاعب التي تواجهني.

ومن هذه الرسائل أقتبس إحدى العبارات التي كان لها الأثر البالغ والأقرب إلى قلبي:

" وجودك كان هدية ثمينة في حياتي، وأنا ممتنّ للحبّ والإيجابيّة التي تشعّينها، ولوجودك كمعلمتي، وصديقتي، وأختي الكبرى".

بعد مضي عشر سنوات، عرفت أنّني لست فقط المعلّمة، بل أنا من يصنع الطبيب والمهندس والعالم والمحامي والفنّان والموسيقيّ. أنا من يخطّ الطريق ومن ينير الدرب لهم لصنع مستقبل باهر وناجح. أدركت أنّني أملك ثروة كبيرة لا يملكها الأثرياء؛ فصناعة القادة وصقل مستقبل الأجيال أثمن ثروة. كما أدركت أنّ أكبر ثروة لي، هي أن تكون لي بصمة ومكانة ومحبّة في قلب كلّ طالب وطالبة لا يمحوها الزمن، محبّة واحترام طلابي أكبر حصاد كسبته.

فأنا معلّمة... وأفتخر.