في عالم اليوم سريع التطوّر، تكتسب عمليّة تنويع مصادر التعلّم أهمّيّةً أكبر من أيّ وقتٍ مضى، إذ نجد أنّ نموذج التعليم التقليديّ، المعتمد على الكتب المدرسيّة والفصول الدراسيّة الاعتياديّة، يتمّ تدعيمه - بل واستبداله في بعض الأحيان- بمصادر التعلّم الحديثة الغنيّة، والتي تشكّل بذاتها نموذجًا تعليميًّا مستقلًّا. يمكن أن تستخدم هذه المصادر منفردةً، أو يمكن دمجها داخل الفصل الدراسيّ، فتعمل على تلبية متطلّبات أنماط التعلّم المتنوّعة، ما يجعل التعليم أكثر تخصيصًا وجاذبيةً، وأسهل في الوصول إليه.
أهمّيّة مصادر التعلّم الحديثة
تُعدّ مصادر التعلّم الحديثة مهمّةً لكونها:
- تعزّز المشاركة والتفاعل: يضفي استخدام ألواح الكتابة التفاعليّة والتطبيقات التعليميّة جاذبيّةً على عمليّة التعلّم، ما يشجّع تفاعل الطلّاب ويزيد من تركيزهم.
- تجعل التعلّم شخصيًّا: تُتيح المنصّات الإلكترونيّة إمكانيّة تصميم التعليم ليلبّي احتياجات كلّ طالبٍ، ما يسمح له بالتعلّم بالسرعة والشكل اللذَين يناسبانه.
- تحسّن التعاون: تسهّل الأدوات الحديثة، مثل Google Classroom، وMicrosoft Teams، التعاون بين الطلّاب والمعلّمين، وتعزّز العمل الجماعيّ والتواصل الفعّال.
.تتيح مصادر غنيّةً من المعرفة: توفّر المكتبات الرقميّة والمنصّات الإلكترونيّة، وصولًا فوريًّا إلى مجموعةٍ واسعةٍ من الموادّ التعليميّة العالميّة، ما يوسّع فرص التعلّم أمام الطلّاب.
- تسمح بالحصول على ملاحظاتٍ في الوقت الفعليّ: توفّر أدوات التقييم الآليّة ونظم إدارة التعلّم ملاحظاتٍ فوريّةً، ما يساعد الطلّاب على تتبّع تقدّمهم وتحديد مجالات التطوّر.
- تتّسم بالمرونة وإمكانيّة الوصول: تتيح المصادر الحديثة الوصول إلى الموادّ التعليميّة في أيّ وقتٍ وأيّ مكانٍ، ما يجعل التعلّم أكثر مرونة ويسرًا، خصوصًا للطلّاب ذوي الجداول الزمنيّة المزدحمة، أو الذين يقطنون في مناطق نائية.
- تشجّع الإبداع: تحفّز التطبيقات الرقميّة وأدوات الوسائط المتعدّدة الطلّاب على التعبير الإبداعيّ، ما يسمح لهم بتقديم أفكارهم بطرقٍ مبتكرة.
- تتيح إدارة الفصول الدراسيّة بكفاءة: تمكّن مصادر التعلّم الحديثة المعلّمين من إدارة أنشطة الفصول الدراسيّة بفعاليّة، بدءًا من تتبّع الطلّاب، وصولًا إلى تنظيم المهام.
نستعرض هنا بعضًا من أهمّ مصادر التعلّم الحديثة التي يمكن استخدامها داخل الفصل الدراسيّ وخارجه.
مصادر التعلّم الحديثة داخل الفصل الدراسيّ
هي المصادر التي يستعين بها المعلّمون داخل الفصل الدراسيّ لتعزيز العمليّة التعليميّة، ومنها:
- الكتب المدرسيّة الرقميّة: توفّر محتوًى تفاعليًّا، ومعلوماتٍ حديثةً، وميزة سهولة الوصول، لتلبية احتياجات التعلّم المتنوّعة.
- الواقع الافتراضيّ (VR) والواقع المعزّز (AR): يمثّلان أدواتٍ قويّةً في التعليم الحديث. يمكن للواقع الافتراضيّ نقل الأطفال إلى أماكن وأزمنةٍ مختلفةٍ، ما يمنحهم تجارب غامرةً تتجاوز ما يمكن أن تمنحه الكتب المدرسيّة. على سبيل المثال، تتيح Google Expeditions رحلاتٍ ميدانيّةً افتراضيّةً إلى مواقع تاريخيّةٍ، أو إلى نُظُمٍ بيئيّةٍ تحت الماء، أو حتّى إلى الفضاء الخارجيّ، ما يوفّر تجربةً تعليميّةً غنيّةً وجذّابة. كما تتيح تطبيقات الواقع الافتراضيّ، مثل QuiverVision، للأطفال فرصة إضفاء الحيويّة إلى رسوماتهم، ودمج الفنّ المادّيّ مع العناصر الرقميّة بطرقٍ مبتكرة.
- الأجهزة اللوحيّة وأجهزة الحاسوب المحمولة: توفّر وسائل فعّالةً لإجراء البحوث، وتعزّز التعاون، وتتيح الوصول إلى مجموعةٍ واسعةٍ من الأدوات والموارد الرقميّة.
- برامج التعلّم التكيّفيّ: تضفي طابعًا شخصيًّا على التعلّم، بتقييم احتياجات الطلّاب الفرديّة، وتعديل المحتوى التعليميّ وفقًا لذلك.
- التكنولوجيا المساعدة: تدعم الطلّاب من ذوي الاحتياجات الخاصّة، باستخدام أدواتٍ تحوّل النصّ إلى كلامٍ، والكلام إلى نصٍّ، وتسمح بقراء الشاشة.
- أجهزة العرض الرقميّة: تعرض صورًا من شاشةٍ تقليديّةٍ على شاشةٍ أو حائطٍ، وتستخدم لتقديم العروض داخل الفصل الدراسيّ، لزيادة انتباه الطلّاب وتفاعلهم مع المادّة المعروضة.
- الألعاب التعليميّة: تضيف عنصرَيّ المتعة والتنافسيّة إلى العمليّة التعليميّة، وتزيد من إشراك الطلّاب، ولا سيّما في السنوات الدراسيّة الأولى.
- الموادّ السمعيّة والبصريّة: مثل مقاطع الفيديو والرسوم المتحرّكة، التي تعزّز فهم الطلّاب واستيعابهم للمفاهيم.
مصادر التعلّم الحديثة خارج الفصل الدراسيّ
هي المصادر التي يستطيع الطلّاب استخدامها بأنفسهم، سواء لتدعيم ما تعلّموه داخل الفصل الدراسيّ، أو للتعلّم الذاتيّ، ومنها:
- منصّات التعلّم الإلكترونيّة المختلفة: تقدّم منصّاتٌ مثل Coursera، وAlison، وUsacity، مجموعةً واسعةً من الدورات التعليميّة، تغطّي موضوعاتٍ ومراحل دراسيّةً مختلفة.
- البودكاست: تشمل مقابلاتٍ شخصيّةً ومحاضراتٍ ودروسًا يقدّمها خبراء في مجالاتٍ متنوّعة.
- الكتب الإلكترونيّة والصوتيّة: توفّر خياراتٍ واسعةً للقراءة والاستماع عبر الأجهزة الإلكترونيّة، ما يجعلها مُتاحةً وسهلة الاستخدام للمتعلّمين.
- التطبيقات التعليميّة: استخدامها متاحٌ على الهواتف الذكيّة والأجهزة اللوحيّة وأجهزة الحاسوب. وتوفّر تجارب تعليميّةً مخصّصةً، تشمل تمارين تدريبيّةً ومحتوًى مصمّمًا لتحفيز الطلّاب على التعلّم، أشهرها تطبيق Duolingo، وتتميّز ببراعتها في تعليم موادّ محدّدةٍ، مثل اللغات.
- منصّات الفيديو: تُعدّ مصادر تعليميّةً غير تقليديّةٍ للتعلّم. وبرغم كونها منصّاتٍ ترفيهيّةً في المقام الأوّل، لكنّها غنيّةٌ بالمحتوى التثقيفيّ والتعليميّ المناسب لجميع الأعمار، مثل منصّة YouTube.
- تكنولوجيا الواقع الافتراضيّ (VR): تمتاز بقدرتها على خلق بيئةٍ تفاعليّةٍ ثلاثيّة الأبعاد، توفّر للطلّاب تجربةً غامرةً، تنقلهم خلالها إلى عالمٍ افتراضيٍّ يبدو واقعيًّا. تمكن الاستفادة من هذه التكنولوجيا باستخدام نظّاراتٍ خاصّةٍ مستقلّةٍ، والتي تكون غالية الثمن، أو باستخدام النماذج الأقلّ تكلفةً، والتي تعمل باستخدام الهاتف الذكيّ.
- تكنولوجيا الواقع المعزّز (AV): تختلف عن الواقع الافتراضيّ في كونها تدمج بين العالمَين الافتراضيّ والواقعيّ، لتقديم تجربةٍ تعليميّةٍ فريدةٍ، تُتيح للطلّاب التفاعل مع عناصر رقميّةٍ تُدمج في بيئتهم الواقعيّة.
كيفيّة اختيار مصادر التعلّم الحديثة المناسبة
لتحقيق أقصى استفادةٍ من مصادر التعلّم الحديثة، يجب على أولياء الأمور الانتباه إلى احتياجات أطفالهم وأسلوب تعلّمهم. في ما يأتي إرشاداتٌ رئيسيّةٌ لاختيار المصادر الأكثر ملاءمةً:
1. فهم أسلوب التعلّم لدى طفلك
يتعلّم كلّ طفلٍ بطريقةٍ مختلفةٍ؛ فبعض الأطفال يتعلّمون بصريًّا، ويفضّلون الصور والرسوم البيانيّة ومقاطع الفيديو. والبعض الآخر يتعلّمون سمعيًّا، بالاستماع إلى التفسيرات أو القصص أو المناقشات. وبعض الأطفال يتعلّمون بالانخراط جسديًّا في المهام، مثل البناء أو الإبداع أو التجريب.
هذا تفصيلٌ سريعٌ لأساليب التعلّم لدى الأطفال:
- المتعلّمون البصريّون: يفضّلون الصور والرسوم البيانيّة ومقاطع الفيديو، ويستفيدون من التطبيقات والكتب الإلكترونيّة التفاعليّة ذات العناصر البصريّة القويّة.
- المتعلّمون السمعيّون: يستجيبون جيّدًا للكتب الصوتيّة، والبودكاست، ومقاطع الفيديو التعليميّة ذات السرد الواضح.
- المتعلّمون الحركيّون: يتعلّمون من خلال الأنشطة العمليّة، مثل البناء، والألغاز، والألعاب التفاعليّة، ومجموعات STEM.
يعزّز اختيار الموارد التي تتوافق مع أسلوب التعلّم لدى طفلك من مشاركته، وتفاعله، واستيعابه للمعلومات.
2. مراعاة العمر ومرحلة النموّ
اختيار المصادر المناسبة لعمر الطفل أمرٌ بالغ الأهمّيّة؛ فغالبًا ما تكون أدوات التعلّم مصمّمةً لفئاتٍ عمريّةٍ محدّدةٍ، لذلك قد يتسبّب عدم مراعاة هذا الأمر في إحباط الطفل، وفقدانه الاهتمام بالعمليّة التعليميّة.
عند تقييم المصادر التعليميّة، اطرح الأسئلة الآتية:
- هل المحتوى مناسبٌ لعمر الطفل؟
- هل يعكس المحتوى مستوى قدرات الطفل المعرفيّة، ويثير اهتمامه؟
- هل يراعي المحتوى تطوّر الطفل، ويوفّر مسارًا متدرّجًا يساعد في تحسين مهاراته بمرور الوقت؟
3. توافق مصادر التعلّم مع اهتمامات الطفل
يشعر الأطفال بدافعٍ أكبر إلى التعلّم عندما يتعلّق الموضوع باهتماماتهم ويلفت انتباههم. لذلك، ضع اهتمامات طفلك في الاعتبار عند اختيار مصادر التعلّم. إذا كان طفلك يحبّ الديناصورات على سبيل المثال، فقد يستمتع بتطبيقات وأدوات استكشاف علم الحفريّات، مثل مجموعة "حفريّات الديناصورات" من ناشيونال جيوغرافيك. أمّا إذا كان مهتمًّا بالفضاء، فقد يبدع باستخدام مصادر مثل موقع Space Place التابع لوكالة ناسا، والمليء بالأنشطة والمعلومات المتعلّقة بالفضاء.
4. تقييم القيمة التعليميّة وأهداف التعلّم
على الرغم من أهمّيّة الجانب الترفيهيّ في إبقاء الأطفال مهتمّين بالتعلّم، يجب أن تأتي القيمة التعليميّة في المقام الأوّل عند اتّخاذ القرار. قد تكون الألعاب والتطبيقات ممتعةً، لكنّها قد لا تقدّم فرصًا تعليميّةً ذات قيمة. لذلك تأكّد من أنّ المصدر التعليميّ مصمّمٌ تبعًا لأهدافٍ أو مواضيع تعليميّةٍ محدّدةٍ، مثل الرياضيّات، أو العلوم، أو التفكير النقديّ.
5. تقييم التفاعل والمشاركة
يتعلّم الأطفال بشكلٍ أفضل عندما يتفاعلون ويكونون جزءًا من العمليّة التعليميّة، بدلًا من أن يتلقّوا المعلومات بشكلٍ سلبيّ. تنجح المصادر التعليميّة التي تسمح للأطفال بالتفاعل مع المحتوى - سواء من خلال الألعاب أو الاختبارات أو المشاريع العمليّة - في جذب انتباههم لفترةٍ أطول، وتعميق فهمهم.
عند اختيارك أداةً تعليميّةً، ابحث عن الميزات التي تعزّز التفاعل، فالتعلّم التفاعليّ يسهم في بناء مهارات التفكير النقديّ واتّخاذ القرار، واسأل: هل يشجّع التطبيق أو اللعبة حلّ المشكلات والإبداع؟ هل تساعد الأداة طفلك في استكشاف المفاهيم بشكلٍ مستقلّ؟
***
شهد التعليم تحوّلًا جذريًّا مع ظهور مصادر التعلّم الحديثة، التي تقدّم للأطفال أدواتٍ متنوّعةً تلبّي احتياجاتهم واهتماماتهم المختلفة، وتناسب أنماط التعلّم المتنوّعة، والقدرات المتفاوتة للطلّاب.
توفّر التطبيقات التعليميّة والمنصّات الرقميّة وتجارب الواقع الافتراضيّ، فرصًا تعليميّةً أكثر ديناميكيّةً وشخصيّةً، قادرةً على إلهام العقول الشابّة وإشراكها، ما يعِد بمستقبلٍ واعدٍ للجيل القادم من المتعلّمين.
المراجع
أنواع الوسائل التعليميّة الحديثة وأهمّ النصائح لتطبيقها. (2023). موقع واكب.
مجيد، أسماء. (2020). 8 من أهمّ أنواع مصادر التعلّم.. تعرّف أكثر على أهمّ ملامح منظومة التعليم. موقع إدأرابيا.
الحشّاش، مصطفى. (2019). 6 من أهمّ أنواع القتنيّات الحديثة في التعليم. موقع PraxiLabs.
Team Varthana. (2022). How teachers can use the best tools and resources available to create a modern classroom? Varthana.