ما وراء سطور عبد السلام خدّاش
ما وراء سطور عبد السلام خدّاش
2024/12/11
محمّد تيسير الزعبي | خبير مناهج اللغة العربيّة وأساليب تدريسها، ومصمم برامج تدريبيّة - الأردن

كان لافتًا الوصف الذي أُرفق في التعريف عن ضيف "محاورة منهجيّات" لعدد منهجيّات الثامن عشر، التربويّ عبد السلام خدّاش، بأنّه "متعلّم من الحياة والناس". هذا الوصف ينطوي على فكرة هامّة تروّج لها النُّظم التعليميّة المختلفة، وهي جعل التعلّم منسجمًا مع السياق الاجتماعيّ الحقيقيّ للطالب. بمعنى أنّ ما يتعلّمه الطلبة في المدارس يجب أن يكون مكمّلًا ومتوائمًا مع ما يواجهونه في حياتهم اليوميّة خارج أسوار المدرسة. ولا أستطيع أن أنسى ذلك النقاش الذي دار حول التجارب الغربيّة في المناهج التعليميّة، حين قال إنّنا استبدلنا الزيتون والصنوبر بأشجار من غابات الأمازون، في محاولة لتعليم الطلبة عن الأشجار دائمة الخضرة.

انقطاع الطالب عن سياقه الواقعيّ يجعل التعلّم يواجه حالة من الإرباك والضياع

عندما أنهيت قراءة الحوار مع عبد السلام خدّاش، ثارت في ذهني أفكار عديدة حول تجربة التعلّم التي نريدها أو نطمح إليها. ولذلك، اخترت أن أتوقّف عند فكرتين، أعتقد أنّه من الضروري التركيز عليهما، لإضفاء تجربة تعلّم نوعية وفعّالة في أداء المعلّمين والطلبة على حدٍّ سواء.

 

بين المؤسّسة والناس

يشير خدّاش إلى العلاقة بين المؤسّسة التعليميّة والناس، وهي إشارة مهمة يجب التقاطها. تفرض طبيعة عصرنا وتحوّلاته علاقات جديدة بين المدرسة والناس، علاقة صحّيّة إيجابيّة تخلّصنا من الالتباس الذي نقع فيه عندما نبحث عن طرف نحمّله مسؤولية قصور عمليّة التعلّم وعدم تحقيق أهدافها، أو نحمّله وزر سلوكات مجتمعيّة نراها بيننا، مع أنّنا نُجمع على رفضها، مثل الهتافات المسيئة في الملاعب، أو الكتابات غير اللائقة على الجدران العامّة.

 

ربّما يسأل أحدنا ما علاقة هذا الأمر بالأدوار المرغوبة بين الناس والمدرسة؟

لم يعد المعلّم مصدر المعرفة الوحيد في حياة الطالب المهنيّة، ولم يعد من المقبول انعزال المدرسة عن المحيط الموجودة فيه، واقتصار أدوارها على نقل مضامين الكتب إلى الطلبة. لذلك، فإنّ التنسيق بين الطرفين لا مفرّ منه لإضفاء تكامليّة على تجربة تعلّم الطلبة. فما يبدأ في اليوم المدرسيّ يكتمل في البيت، وما يريده البيت يعززه المجتمع والمدرسة. وما يدعم هذا التوجّه، التجارب التي مررنا بها عندما انتقل التعليم إلى البيت، وصار للأهل دور محوريّ فيه، بل واعتماد كلّيّ على الناس في ظلّ غياب المؤسّسة التعليميّة لأسباب كثيرة.

ولا نحصر فكرنا هنا بمناطق الحروب والنزاعات، ونعتقد أنّ الاعتماد الكلّيّ على الناس لن يصل مرحلة غزّة أو لبنان في ظلّ العدوان الصهيونيّ، بل قد يحدث الأمر في حالات الكوارث الطبيعيّة، أو الأمراض المعدية. الحاجة اليوم تدعو إلى غرس ثقافة التطوّع، ولا يتبادر إلى الذهن حصر دعوة التطوّع بأولياء الأمور، بل توسيع نشر هذه الثقافة لتشمل المعلّمين كذلك، ذلك أنّ ما يتعلّمه الطلبة سيظهر في تعاملاتهم مع الناس المحيطين بهم، وكم سيكون تأثير المعلّم كبيرًا عندما يرى بنفسه تطبيق الطلبة ما تعلّموه.

ومن جانب آخر، فإنّ تطوّع المعلّمين إلى جانب الطلبة وأولياء الأمور، يجعلهم قدوات حقيقيّة ذات تأثير عال في حياة الطلبة، وهذه الفكرة تطرّق إليها خدّاش بنوع من الأمل والتأثير العميق الذي سينتج عنها حال تطبيقها.

 

المعلّم الحُلم

لم تتردّد المعلّمة منال في القول أمام زملائها المعلّمين والمعلّمات في إحدى الورش التدريبيّة، إنّها تبحث لأبنائها عن معلّم قبل بحثها عن مدرسة، كونها لا تكترث لمسألة البعد المكانيّ للمدرسة عن بيتها، فالمهم أن يتعلّم أولادها في غرفة صفّيّة يقودها معلّم مؤثّر ومبدع.

الطلب المستمرّ من المعلّمين، الابتكار وتذليل الصعوبات التي تواجههم في الغرف الصفّيّة، لا يعفي النظام التعليميّ من مسؤوليّاته وواجباته في توفير الأدوات الداعمة والضروريّة، لتحقيق أهداف التعلّم. لكنّ غياب الدعم، أو قلّته، لا يعني في الوقت نفسه استسلام المعلّمين والمعلّمات، بل ننظر إليه على أنّه فرصة لإعادة التدوير على سبيل المثال، أو تفعيل لحصّة التربية المهنيّة والفنّيّة أو لمختبر العلوم.

وعلى صعيد متقدّم، يشكّل غياب الدعم مدخلًا ملائمًا لبناء علاقة داعمة مع المجتمع المحلّيّ، يقوم على أسس متينة من الثقة المتبادلة، والإشراك الفعليّ للأهالي والناس في مجتمع المدرسة. فالحاجات يصبح تحقيقها أسهل عندما تتوزّع بين الناس. هذه الفكرة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالفكرة الأولى، أنّ المجتمع داعم أساس للمدرسة، فلماذا نحرمه من فرصة دعم المدرسة عندما يرغب؟ أو تشترط المدرسة نوع الدعم الذي تتلقّاه؟ وتحيّة لعائلة الدكتور ماجد في جامعتي التي درست فيها، عندما تكفّلَت بصيانة مسرح الكلّيّة، تقديرًا منهم للمكان الذي قضى فيه والدهم أجمل سنوات عمره. وتحيّة مماثلة لأبي خالد، فنّي الألمنيوم، والذي تبرّع بصيانة نوافذ مدرستي استعدادًا لموسم الشتاء القادم.