صدر كتاب "توجّهات معاصرة في التربية والتعليم"، للدكتور سعادة عبد الرحيم خليل، في طبعته الأولى، عام 2013. ولعلّنا نتساءل، إذ نُلقي نظرة على فهرسه الموضوعيّ، عن الخيط الناظم لعناوين مقالات نُشرت متفرّقة، وجُمعت بين دفّتيْ هذا الكتاب. ولعلّ قُرَّاءَ الكِتَابِ، خصوصًا من يتوجّه إليهم المؤلّف، وهم المعنيّون بالشأن التربويّ، سيدركون ترابط فصوله السبعة حين يثير مسألة التعليم في عالم متغيّر، ويربطها بمشكلتين رئيستين أصابتا جسد التعليم في الوطن العربيّ، وهما: جمود مناهج التدريس، وعدم قدرة التعليم على التكيّف مع المستجدّات، واستيعاب اتجاهات التعليم الحديثة، والاستفادة من وسائل التكنولوجيا الحديثة وتوطينها. وهذا ما يفسّر من منظور المؤلّف كون أنظمة التعليم في جميع أنحاء الوطن العربيّ متخلفةً في أهدافها، وأساليبها، واستراتيجيّاتها، وارتباطها بالحياة.
يُشدّد الكتاب على ضرورة تعليم استشرافيّ، ينطلق من استيعاب جميع المتدخّلين في العمليّة التعليميّة لأهمّ النظريّات التي تُكرّس التعلّم والتعليم مدى الحياة بتوجيه ذاتيّ في بيئة صحيّة
سينفتح قرّاء الكتاب على موادّ بحثيّة، تمكّنهم من فهم ما يرمي إليه المؤلّف حين يربط الهدف من التعليم بكيفيّة حصول التعلّم في بيئة متغيّرة باستمرار؛ ففي ظلّ الظروف الحاليّة، ينبغي أن نكرّس حيّزًا كبيرًا من وقتنا للتفكير في مستقبل التعليم في عالم تكنولوجيا المعلومات، وثورة الاتصالات والعولمة، وكيف ستؤثّر طرق استخدام التكنولوجيا من قبل المدرّسين والطلّاب في الإعداد لتعلّم يبني الطّالب بناءً شاملًا؛ اجتماعيًّا ونفسيًّا وأخلاقيًّا وأكاديميًّا.
يُشدّد الكتاب على ضرورة تعليم استشرافيّ، ينطلق من استيعاب جميع المتدخّلين في العمليّة التعليميّة لأهمّ النظريّات التي تُكرّس التعلّم والتعليم مدى الحياة بتوجيه ذاتيّ في بيئة صحيّة. فنظرية الذكاء المتعدّد تُعين على استخلاص أساليب تدريس تناسب كلّ طالب حسب أنواع الذكاء التي يتمتّع بها (الذكاء المجرّد، والذكاء الحسّيّ، والذكاء الاجتماعيّ، والذكاء العاطفيّ، وغيرها). وليس أقلّ ما يُفاد من هذه النظرية أنّها تبعث الحياة في جسد المنهاج الدراسيّ، وطرق التقييم، وصياغة المقرّرات الدراسيّة، ما يؤهّل البيئة التعليميّة لتكون منفتحةً على التغيّرات العالميّة.
لا غنًى لنا أيضًا، حسب مؤلّف الكتاب، من أجل تحسين حياة المتعلّمين الذين يعانون اضطرابات في التعلّم، من الاستعانة بالمعارف حول كيفيّة عمل الدماغ وأطوار نموّه، ومراحل التطوّر العقليّ.
يراهن الكتاب، في سبيل تطوير أنظمة التعليم في الدول العربيّة، على مقارعة العلوم التي تنصبّ على فهم الدماغ، مثل علم الإبداع، الذي عُرف بمسمّيات متعدّدة (التعلّم المتسارع، والبرمجة اللّغوية العصبيّة، والتعلّم الكميّ، والتخطيط العقليّ، وغيرها)، داعيًا إلى تدريس هذا العلم بفروعه المختلفة، وجعله جزءًا من مناهج التعليم. ولا غنًى لنا أيضًا، حسب مؤلّف الكتاب، من أجل تحسين حياة المتعلّمين الذين يعانون اضطرابات في التعلّم، من الاستعانة بالمعارف حول كيفيّة عمل الدماغ وأطوار نموّه، ومراحل التطوّر العقليّ.
يُحلّل الكتاب في صفحاته الأخيرة، مشاهد العنف التي تبثها وسائل الإعلام عبر برامجها، وأثرها في توليد الخوف والرعب في نفوس الأطفال، ويقدم حُزمة استراتيجيّات التربية الصحيحة، التي تساعد الآباء على مجابهتها، مستعينًا بأبحاث في مجال التطوّر المعرفيّ. فضلًا عن ذلك، يعرض التأثيرات الإيجابيّة والسلبيّة لوسائل الإعلام الإلكترونيّة على تطوير معرفة الأطفال وسلوكهم. وينتقل الكتاب إلى البحث في السؤال حول قدرة الوسائل التكنولوجيّة على حلّ مشكلات التعليم المعاصرة، رافضًا المراهنة على التكنولوجيا وحدها، مؤكّدًا أنّ التعليم ليس عملًا تجاريًّا، ولن تُحقق فيه الحواسيب مكاسب إنتاجيّةً على غرار ما حقّقته في عالم الأعمال التجاريّة. مع ذلك، حقّقت التكنولوجيا مكسبين مهمّين، توسّع فيهما الكتاب، هما التأثير على التدريس وأساليبه، وتيسير الاتصالات وطرقها. ويؤكّد الكتاب أنّ إدراج التكنولوجيا الحديثة في البرامج التعليميّة في المدارس لهو عملٌ معقّد، ويحتاج إلى استراتيجيّة ذات أهداف واضحة. وأختتم بمقولة سعادة عبد الرحيم خليل: "إنّ المعلّم الموهوب والماهر والخبير في مجاله والمتحمّس لعمله يبقى ويظلّ هو المؤتمن الوحيد والقادر على تحديد النتائج التعليميّة. وهذا لا ولن يتغيّر أبدًا. وتبقى التكنولوجيا مجرّد معزّز ومحفّز لقدرة الطّالب والمعلّم كليهما" (ص 151).