حظيَ مفهوم التعلّم التحويليّ بإقبال قلّ نظيره في التعليم المعاصر نظريّةً وتطبيقًا، لما له من تأثير تحويليّ على المتعلّمين يظهر في حياتهم العمليّة؛ ذلك أنّه يغير ما نحن عليه بتغيير قدرتنا على المشاركة والانتماء والتفاوض بشأن المعنى (Sterling, 2001)، إذ ينطوي على عمليّة تأمّليّة تروم تحويل معتقدات المتعلّمين، وتوجّهاتهم وآرائهم وردود فعلهم العاطفية، في إطار العلاقة التفاعليّة بين المعلّم والمتعلّم.
ظهر مفهوم التعلّم التحويليّ أوّل مرّة ضمن نظريّة التعليم المعاصر، بفضل أعمال عالم الاجتماع الأمريكيّ Mezirow في سبعينيّات القرن العشرين. ولم يكن طرح هذا المفهوم بعيدًا عن التأثّر بأعمال فلاسفة التغيير أمثال Habermas، وFreire، ولا بالتطوّرات التي شهدتها مكوّنات الشخصيّة في علم النفس مع Jung.
تمتاز عمليّة التعلّم التحويليّ بكونها عمليّة واعية مقصودة، تبدأ بمعضلة، وتتقدّم إلى الأمام، إذ تتحوّل الافتراضات المشوّهة في البنى، من خلال التفكير الناقد، باتجاه الانتقال نحو منظورات معنى ذات خبرة أكثر شموليّةً ونفاذيّةً وتكامليّةً.
حسب أحد التعريفات، فالتعلّم التحويليّ "هو عمليّة تشكيك في جميع افتراضاتنا الموروثة عن العالم وذواتنا، لتطهير الأساس، إن صحّ التعبير، من أجل بناء مجموعة بديلة من الافتراضات (أو النظرة إلى العالم) الأكثر ملاءمة لعصرنا. ليس ما يتغيّر هو محتوى فكرنا (الافتراضات الأساسيّة) فحسب، بل أيضًا طريقة تفكيرنا"(Jackson, 2008, p. X). وتبعًا لهذا التعريف، فإنّ ممارسة التعلّم التحويليّ في الصفّ الدراسيّ تبدأ بتعرّف المعلّم مع المتعلّمين على النموذج الثقافيّ السائد الذي يرونه غير ملائم، ثمّ يُفتح نقاش لمساءلة الافتراضات الأوليّة التي يقوم عليها، فيصيغ المعلّم مع المتعلّمين افتراضات أوليّة بديلة، يكوّنون على أساسها نظرة إلى العالم، ويبنون نموذجًا ثقافيًّا، ويبتكرون استراتيجيّات وسياسات ونظريّات بديلةً يختبرونها عمليًّا، كما يشار في المرجع نفسه.
ويضيف أنّ التحوّل ببساطة، في التعلّم التحويليّ، يحدث لدى المتعلّمين حين يغيّرون أسلوب تفكيرهم وحياتهم. وذلك على مستويين: مستوى المعرفة أو المعتقدات أو المشاعر أو القيم التي يفسّرون بها تجاربهم، وتندرج ضمن مخطّطات المعنى، ومستوى أنظمة القواعد التي تحكم عمليّتي الإدراك والمعرفة، وتندرج ضمن منظورات المعنى. فحين يواجه الشخص تجربةً تستدعي مساءلة منظورات المعنى، فإنّه يفكّر نقديًّا ويسائلها باتجاه تحويلها. لكن ثمّة العديد من الظروف يمكنها أن تمنع حدوث التحوّل في المنظور. لذلك، شدّد المنادون بهذا النوع من التعلّم على توفير بيئة تعليميّة قائمة على الحريّة، والديمقراطيّة، والمساواة، والعدالة، والتعاون الاجتماعيّ، وهي من شروط المشاركة المثلى في الخطاب النقديّ.
تمتاز عمليّة التعلّم التحويليّ بكونها عمليّة واعية مقصودة، تبدأ بمعضلة، وتتقدّم إلى الأمام، إذ تتحوّل الافتراضات المشوّهة في البنى، من خلال التفكير الناقد، باتجاه الانتقال نحو منظورات معنى ذات خبرة أكثر شموليّةً ونفاذيّةً وتكامليّةً.
كان للتعلّم التحويليّ، على غرار المفاهيم الرائجة في التعليم، مقاربات اعتنت بكيفيّة إحداث التحوّل لدى المتعلّمين، فسادت في البداية الرؤية النفسيّة النقديّة، ثمّ اقتُرحت رؤًى أخرى، منها: الرؤية التحليليّة النفسيّة، والرؤية البيولوجيّة العصبيّة، والرؤية الثقافيّة الروحيّة، والرؤية المتمركزة حول العرق، والرؤية الكوكبيّة (Taylor, 2017).
المراجع:
Jackson, M. G. (2008). Transformative Learning for a New Worldview Learning to Think Differently. Palgrave Macmillan.
Sterling, S. (2001) Sustainable Education: Re-visioning Learning and Change. Green Books.
Taylor, E. W. (2017). Transformative Learning Theory. In A. Laros, T. Fuhr, & E. W. Taylor (Eds.), Transformative learning meets Bildung: International issues in adult education. Sense Publishers, pp. 17-29.