ألقت جائحة كورونا بظلالها وتأثيراتها السلبيّة المختلفة على مناحي الحياة جميعها في كلّ دول العالم، الأمر الذي استدعى اتّخاذ التدابير اللازمة على مختلف المستويات من قبل الدول على مختلف الصُعد، وأيًّا كانت الميادين المتأثّرة بتلك الجائحة، فقد كان الميدان المدرسيّ الأشدّ تأثّرًا، حيث أشار البنك الدوليّ إلى أنّ "حوالي (5.1) مليار طالب في أكثر من (170) بلدًا تمّ إغلاق مدارسهم ضمن الإجراءات الوقائيّة للحدّ من خطورة هذا الفيروس" (مدوّنة البنك الدوليّ).
شهدت المحافظات الجنوبيّة لفلسطين، قطاع غزّة، تماشيًا مع ظروف الجائحة، إغلاقًا للمؤسّسات التعليميّة بمختلف مستوياتها، إذ أقفلت (751) مدرسة أبوابها في قطاع غزّة، موزعّةً بين المدارس الحكوميّة، ووكالة الغوث الدوليّة، والمدارس الخاصّة. وقد طُلب من الطلبة وأولياء أمورهم التسجيل للالتحاق بهذه المنصّات الإلكترونيّة لمتابعة دروسهم، وحلّ واجباتهم، وتقديم الاختبارات، والمهمّات البيتيّة الواقعة ضمن أنشطة الأعمال الطلابيّة في التقويم الواقعيّ، وإرسال الأبحاث والتقارير، والتواصل مع معلّميهم لمتابعة العمليّة التعليميّة بثوبها الجديد.
ما نُريد تسليط الضوء عليه بشيء من التفصيل والتشخيص هو المدارس الحكوميّة في قطاع غزّة البالغ عددها (414) مدرسةً، تضمّ ما يقارب (277153) طالبًا وطالبةً (الكتاب الإحصائيّ للتعليم في فلسطين 2019/2020).
بالولوج إلى عالم التعليم الإلكترونيّ الافتراضيّ في مدارسنا الفلسطينيّة وجدنا أنفسنا حاضرين عبر تلك المنصّات التعليميّة افتراضيًّا مع غياب الحضور الجسديّ، وقد سرّعت هذه الأمور بفرض ضرورات جديدة، أهمّها ضرورة امتلاك المعلّم جهاز اتّصال حديث يدعم تواصله الدائم مع طلّابه لرفع محتواه التعليميّ وتقديمه للطلبة، وكذلك ضرورة تعلّم أبجديّات التعليم الإلكترونيّ، وصولًا لامتلاك الكفايات اللازمة لإنجاز مهمّاته المطلوبة، مثل التعامل مع: تصميم الامتحانات والمهمّات الإلكترونيّة، ورفع الملفّات بمختلف أنواعها، وتوظيف الرحلات الافتراضيّة، وتصميم الفيديوهات التعليميّة وإرسالها، وتصميم الألعاب التربويّة الإلكترونيّة.
كشفت هذه الجائحة عن عجز وخلل في البنيّة المهنيّة لدى العاملين في الميدان المدرسيّ، وبالتحديد لدى فئة ليست بالقليلة من المعلّمين المقاومين للتغيير لعدم إيمانهم بوسائل جديدة للتعليم غير التعليم الحضوريّ، وعدم جاهزيّتهم للتعليم الجديد والتفاعل مع منهجيّاته المطروحة، ولكن تحت ضغط الأزمة وطول أمدها وعدم وضوح معالم الخطّ الزمنيّ لها اضطرّت تلك الفئات إلى التعاطي مع المتغيّرات الجديدة بعد تلقّيها تدريبًا في هذا الجانب لرفع كفاياتهم للتعامل مع التعليم الإلكترونيّ بصورة أكثر كفاءةً وأعلى جدارةً للتكيّف مع سياقاته.
ننتقل إلى عنصر آخر من عناصر العمليّة التعليميّة، ألا وهو الطالب بوصفه محور هذه العمليّة كما يُجمع التربويّين، ومن واقع العمل الميدانيّ لاحظنا زيادة في الفاقد التعليميّ من المنهاج لدى فئة وصلت إلى ما يقارب (50%) من مجموع الطلبة في كلّ مدرسة، وهنا مكمن الخطورة الكبير في أنّ هذه الفئة حُرمت من التواصل مع المعلّمين عبر تلك الأدوات الإلكترونيّة التي اعتمدتها المنظومة التعليميّة في قطاع غزّة، وعدم أداء التكاليف المنوطة بهم أسوةً بأقرانهم من المتفاعلين على منصّات التعليم الإلكترونيّ.
على الرغم من قتامة المشهد فإنّ للجائحة جانبًا مشرقًا يدعونا للتفاؤل في الميدان التعليميّ والمدرسيّ، يتمثّل في استجابة مدارسنا، ومعلّمينا، وطلّابنا للتعليم الرقميّ، والتعاطي معه بإيجابيّة، الأمر الذي علينا البناء عليه وتطويره من أجل إعداد جيل قادر على التكيّف مع العالم الرقميّ، ومتطلّباته.
وفي هذا السياق فإنّ وصولنا لعدالة رقميّة حقيقيّة، وسدّ للفجوة الرقميّة يوجب على المنظومة التعليميّة الفلسطينيّة تزويد المعلمين بالأدوات اللازمة للوصول الرقميّ وتأهيلهم تأهيلًا احترافيًّا، وتطوير البنيّة التحتيّة الرقميّة داخل المدرسة الفلسطينيّة، بما يتلاءم مع متطلّبات التعليم الإلكترونيّ، والتوجّه الحقيقيّ نحو التعليم الإلكترونيّ، ورقمنة التعليم في المدرسة الفلسطينيّة، وتعزيز الممارسات التعليميّة من قبل أركان المنظومة التعليميّة كافّةً، وحشد الجهود المجتمعيّة عبر تذكير المؤسّسات المجتمعيّة بمسؤوليتها الاجتماعيّة مثل قيام وزارة الاتّصالات بالتعاون مع شركات الاتّصالات، ومزوّدي خدمات الإنترنت بتقديم حزمة تسهيلات لدعم التعليم للفئات الأكثر ضعفًا لتسهيل الوصول للإنترنت، ومجانيّة ساعات الوصول للمنصّات التعليميّة المعتمدة.
وبتحليل الواقع، نرى أنّ مختلف القطاعات الحياتيّة في فلسطين تدهورت بفعل الفيروس، شأنها شأن دول العالم الأخرى، وتأثّر القطاع التعليميّ أشدّ التأثّر جرّاء تبعات إغلاق المدارس، ما أدّى للتحوّل إلى التعليم الإلكترونيّ الذي كشف عن عدم جاهزيّة المنظومة التعليميّة نتيجةً لتواضع الإمكانيّات، وهذا وسّع من الفجوة الرقميّة بين الطلّاب.