- - دكتوراه وماجستير في الإرشاد والصحّة النفسيّة وبكالوريوس في علم النفس.
- - أمين عامّ الاتحاد العربيّ للعلوم النفسيّة من 2015
- - استشاريّ نفسيّ مستقلّ وعضو هيئة الترخيص لعلم النفس في وزارة الصحّة الأردنيّة.
- - شغل مواقع قياديّة بارزة في الهيئات واللجان الرسميّة والأهليّة العاملة والناظمة لمجال حقوق الإنسان والتنمية والطفولة والشباب والصحّة النفسيّة في الأردنّ وعلى نطاق عربيّ.
- - عمل مرشدًا تربويًّا ونفسيًّا في وزارة التعليم والتعليم العالي في الأردنّ، وشغل منصب رئيس قسم الإرشاد والرفاه المدرسيّ في مدرسة البكالوريا الدوليّة في عمّان.
- - خبير ومدرّب دوليّ في مجال الصحّة النفسيّة والتعليم وبناء المؤسّسات ذات الصلة، وشارك في برامج دوليّة ومؤتمرات وتدريبات حول العالم مع منظّمات دوليّة مثل UNESCO, UNRWA, ILO, UNDP, UNICEF
- - مؤلّف ومؤلّف مشارك في عديد الدراسات في مجال الصحّة النفسيّة والإرشاد النفسيّ وعلم النفس.
-
- بداية، أعوام طويلة قضيتَها في الصحّة النفسيّة وما يتفرّع عنها من مجالات في مؤسّسات تعليميّة، كمدخل لحديثنا، كيف تطوّر اهتمامك المعرفيّ والأكاديميّ في هذا المجال إلى ممارسة تطبيقيّة في مجال التعليم؟
مثل أيّ طالب يبلغ من العمر خمسة عشر عامًا أو ستة عشر عامًا كنت أفكّر بما أحبّ من موضوعات، وما الذي يشدّني من علوم ومعارف، ومن بداية المرحلة الثانويّة كان لديّ انجذاب خاصّ لموضوع الفلسفة، وتطوّر إلى علم النفس، وتمثّل هذا الانجذاب بقراءات عميقة وعديدة ملأت تلك السنوات عليّ. وحين انتهيت من المرحلة الثانويّة ومضيت إلى الجامعة ظلّ موضوع علم النفس المحرّك الرئيس للفكر والذهن لديّ. في البكالوريوس ومن بعده الماجستير والدكتوراه، درست الصحّة النفسيّة، وفي كلّ مرحلة تخصّصت بموضوع أو جانب محدّد بدقّة.
أمّا التغيير الحقيقيّ، أو فلنقل الانتقال من النظريّة إلى الفعل، فكان في منتصف السبعينيّات حين أسهمتُ في تأسيس الإرشاد النفسيّ في الأردن. كنّا مجموعة صغيرة مع الدكتور سامح الخفش والدكتور نزيه حمدي والدكتورة هيفاء أو غزالة، كان هؤلاء المؤسّسين والتحقت بهم مباشرة. كنّا خمسة مرشدين نفسيّين في الأردن كلّه. ورأى المؤسّسون أنّني قادر على التدريب، وبدأت رحلة التدريب وإجراء تغيير حتّى في النظام الشامل نفسه.
وللدلالة على الدور التأسيسيّ في تلك الفترة، تكفي الإشارة إلى أنّه في الجامعة ما كان يُعرف شيء اسمه "إرشاد وصحّة نفسيّة"، وهذا صار معروفًا وتاسّس النظام الذي يشمله في فترتنا.
وعن الربط بين الإرشاد النفسيّ والصحّة النفسيّة، فقد كان جليّا لي موقعي الوسط، ومن خلال الممارسة والعمل أدركت أنّه لا يمكن للمرشد أن يعمل بصورة سليمة وصحيحة إلا إذا كان مثقّفًا تمامًا في مجال الصحّة النفسيّة. وبدأنا نعمل على توسيع المعرفة في هذا المجال.
وجدنا مبكرًا جانبًا سياسيًّا للصحّة النفسيّة، ووصلنا إلى ما يمكن وصفه بالصدام مع الجهات الرسميّة، وواجهنا صعوبات كبيرة. ولعلّ من أهمّ هذه الصعوبات، الوصمة التي لحقت بالحقل كلّه، فكما تعلمون كان هناك ثمّة ربط للأمر بالمجانين والصورة النمطيّة الشعبيّة لهم. وكنّا في حالة معاندة شديدة خاصّة حين نتحدّث عن الحقوق.
وفي ضوء ما سبق بدأنا نميّز بين الشروط الموجبة لتحقيق صحّة نفسيّة إيجابيّة، والشروط المهدِّدة لمقوّمات الصحّة النفسيّة عند الناس.
-
- كنقطة انطلاق نظريّة، هل من تعريف محدّد تعتمده لمفهوم الصحّة النفسيّة؟ وكيف وصلت إليه؟
في البداية كان الأمر في غاية الصعوبة، لأنّه في العالم كلّه لم يكن هناك تحديد دقيق للمقصود بـ"الصحّة النفسيّة". كانت ثمّة تعريفات عديدة ومتنوّعة. وحينها لا إجماع على تعريف محدّد ولا اتفاق على محدّدات إساسيّة، يقرأ كلّ شخص أو طرف من مصدر مختلف، حتّى بين المختصّين.
ولعلّي أقدّم هنا بعجالة اختصارًا لهذا الجدل، فمعظم التعريفات تأرجحت بين الصحّة النفسيّة كخلوّ من الأمراض أو التكيّف مع ظروف الحياة.
أمّا الفهم الجامع أو العامّ الذي استقرّ عليه المختصّون، وكان للأردنّ والمختصّين فيه بأوراقهم البحثيّة المنشورة وعملهم على الأرض، دور في بلورته، فيمكن مقاربته بالقول: إنّ الصحّة النفسيّة ليست الخلوّ من الأمراض، بل أن يتمتّع الفرد بالسمات والخصائص التي تمكّنه من تحمّل الضغوط وأن يعمل بإنتاجيّة ملائمة لإمكاناته، ويتمكّن من بناء علاقات إيجابيّة مع الآخرين ويتصالح مع الذات.
أمّا الاختلاف بين الرفاه النفسيّ والصحّة النفسيّة، فهو يتعلّق بما يتجاوز الفرد إلى الآخرين والعلاقات بينهم. وهذا ما يجعل الرفاه النفسيّ ذا علاقة مباشرة بالرفاه الاجتماعيّ، وما ينتج عنهما من بيئة آمنة.
-
- ما العوامل أو المؤثّرات التي يجب توفّرها في المجتمع المدرسيّ حتّى يتمتّع بالرفاه؟
الرفاه النفسيّ المدرسيّ يتطلّب بيئة مدرسيّة مرحّبة وغير طاردة، يشيع فيها جوّ من الاحترام والمحبّة. فيها تقدير للاحتياجات عند مختلف الفئات في المدرسة، ما يمنح الشعور بالأمان. والمجتمع المدرسيّ المتمتّع بالرفاه فيه تعاون بين مختلف الأطراف، أولياء أمور وطلّاب وإدارة ومعلّمين ومجتمع محلّيّ.
وممّا أركّز عليه كشرط أساس لتحقيق الرفاه هو التصالح مع الذات. وما أقصده هو الإطار المؤسّسيّ وليس الإطار الفرديّ، أي أنّ المؤسّسة ككلّ تحتاج تصالحًا مع الذات، أي المدرسة نفسها.
والرفاه هو شرط من شروط الصحّة النفسيّة ومن نواتج التمتّع بها. ويجب النظر بشموليّة لموضوع الصحّة النفسيّة، فلا يوجد مؤشّر واحد أو جانب واحد للصحّة النفسيّة وتحقّقها لدى الفرد، فقد يكون أحدنا يتمتّع في جانب معيّن بشروط صحّة نفسيّة كاملة، ولكنّه يفتقر لأيّ شرط في جانب آخر.
-
- في مجتمع مدرسيّ يعتمد كثيرًا على التنافسيّة ويعزّز مفهوم الإنجاز، إلى أيّ درجة يؤثّر هذا سلبًا على رفاه المتعلّم؟
لا شكّ أن التنافس هو الغالب في مؤسّساتنا ومدارسنا، ومن خلال خبرتي يمكنني القول إنّني أراه بشكله الموجود مهدّدًا للرفاه المدرسيّ. ويمكن اقتراح أكثر من مصدر لتهديد الرفاه المدرسيّ منها، المعلّم المتجبّر، ومنهاج لا يُعدّ الطالب للمستقبل، وبيئة مدرسيّة منفّرة بكلّ مكوّناتها، بما فيها المكوّنات الفيزيائيّة.
هذه عدّة عوامل تحدّد ما سيكون عليه الطالب، منتجٌ أم لا؟ في حالة نفسيّة مريحة أم عكسها؟ ويُفترض أن ينطبق هذا على الطلّاب جميعهم، بما فيهم ذوو الإعاقة والاحتياجات الخاصّة أو من لديهم صعوبات تعلّم. وهؤلاء معرّضون أكثر من غيرهم للافتقار إلى شروط الرفاه.
-
- يتركّز الاهتمام في المجال التعليميّ بالصحّة النفسيّة للمتعلّمين، ولكن إن نظرنا إلى المعلّمين، ومن واقع تجربتك معهم، كيف يمكن المحافظة على الصحّة النفسيّة أو الرفاه النفسيّ للمعلّمين؟
عند التمعّن في أحوال المعلّم، نجد أنّه حتّى الآن يعتبر موظّفًا وليس مهنيًّا. كأنّنا نقول إنّ التعليم ليس مهنة. من وجهة نظري فتمهين المعلّم مهمّ ويتطلّب أن يتوفّر ترسيم لأنماط الأداء وشروط التميّز وغيرها من مقوّمات.
حين نقول إنّ الرفاه النفسيّ الاجتماعيّ للطالب من شروطه الأساسيّة، المعلّم. في هذه الحالة إن كان المعلّم مهنيًّا سيضع أزماته جانبًا ويتعامل بصورة مهنيّة، مثل الطبيب، وهذا يتأتّى من تدريب جيّد وتأهيل.
وهنا يجب أن يدرك المعلّم أنّه عامل مساعد مهنيّ وليس عاملًا مسيطرًا. فالمعلّم لدينا وفي مدارسنا، هو صاحب القرار والمتحكّم في كلّ شيء، وأحيانًا يعتقد أنّه مسؤول عن التحكّم بالمشاعر، وهذا كلّه يحتاج معالجة وتأهيلًا وإعادة تشكيل.
من زاوية نظري، لديّ ثقة مطلقة بالتدريب وقدرته على صقل الشخصيّة. ولا بدّ من الإعداد النفسيّ والمهنيّ للمعلّم، والنظر في كونه مؤهّلًا نفسيًّا للتعليم، فبعض المعلّمين غير قادرين على ذلك. وهذا التأهيل والتدريب والتقييم غير متوفّر لدينا للأسف.
وهذا يأخذنا إلى السؤال عن المسؤول عن الرفاه النفسيّ الاجتماعيّ للمعلّم، حتّى يوفّر شروط الصحّة النفسيّة للطلّاب؟
يقود التفكير هنا مباشرة إلى الإدارة، ولكن هذا غير كاف، لذلك أركّز على فكرة تمهين التعليم. فإن ارتفعت نظرة المجتمع للمعلّم ستتعزّز قيمته الذاتيّة ويُقبل على تطوير نفسه وتأهيلها. وهناك حتمًا مشكلة في تقدير المعلّم وقيمته مجتمعيًّا.
أمّا إن لم يتحقّق هذا، ولم يؤدّ المجتمع دوره، فالبديل هو العمل مع الإدارات لخلق تقدير ذات أعلى لدى المعلّم. وهنا واجهنا مشاكل من نظرة الإدارات للمعلّمين كتابع أو موضوع للتحكّم. وهذا النمط من الإداريّين يجب أن ينتهي.
أنا طالما استخدمت تدريبًا اسمه "التدريب بالتعارض"، حين أضع نماذج لأسوأ أنماط الإدارة التي اطّلعت عليها. وبعد عرض التجارب، أطلب من كلّ متدرّب تقديم بدائل بشكل فرديّ، ثمّ يقدّم كلّ شخص رأيه.
كان التدريب ينتهي بالسؤال عن الأمثلة ومدى انطباقها على ممارسات الشخص نفسه، وكانت النتائج مهمّة جدًا. كأنّنا نقابلهم نواجههم مع مشاعرهم السلبيّة، كأنّنا نضع الأفراد في مواجهة مع ممارساتهم. وهذا النوع من التدريبات مهمّ جدًّا وكاشف.
-
- قد يكون موضوع تعبير الطلّاب عن أحاسيسهم داخل الغرفة الصفّيّة حسّاسًا ومربكًا بالنسبة للمعلّم، أحساسيس مثل الخوف والقلق والحزن...كيف يمكن بناء بيئة صفّيّة مؤاتية تتيح للمعلّم إدارة التعامل مع هذه الأحاسيس؟
حين أنظر إلى الغرفة الصفّيّة أرى عددًا كبيرًا من المجتمعات لا مجتمعًا واحدًا، بين هذه المجتمعات تنافس وعدم تجانس. وحين أفكّر كمعلّم بالتعليم فقط فأنا أتجاهل الكثير من تفاصيل حياتهم. ثمّة جوانب أخرى في حياتهم يجب أن تكون ضمن تصوري، يجب أن تكون نظرة المعلّم شموليّة. فالمعلّم مسؤول عن كلّ شيء يتعلّق بالطالب وليس بتعليم المادة الدراسيّة وحسب. لا بدّ من الانتباه لحالات الفرح والاستياء، للتعبير وأشكاله المختلفة.
أمّا بخصوص المشاعر، فواحدة من أبسط الأمور الأساسيّة هي أن يرى الطلّاب في المعلّم انعكاسًا لإنسانيّتهم. فكيف يتعامل المعلّم مع مشاعره هو نموذج مهمّ في فهمهم للتعامل مع مشاعرهم هم، وبالتالي تعامل المعلّم مع مشاعرهم.
حين ينمذج المعلّم التعبير عن المشاعر بشخصه، سيتمكّن الطلّاب من المحاكاة والتعامل معها. مثلًا أقول للصفّ إنّني أعاني من صداع لأنّني سمعت خبرًا سيئًا وأنا قادم للمدرسة، هذا سيجعلهم أقدر في التعبير عن مشاعرهم حين يمرّون بظرف خاصّ.
أمّا تجاهل المشاعر فيجعل الطالب يشعر أنّه وما يعيشه ليس ذا قيمة. حين لا يهتمّ المعلّم بحالة الطالب النفسيّة والجسديّة سيشعر أنّه غير مرئيّ، وهذا يترتّب عليه أحد أسوأ المشاعر تجاه الذات.
إنّ دور المعلّم إن أراد غرفة صفّيّة صحّيّة، أن يهتم بمشاعر الطلّاب وخبراتهم. وهذا أهمّ من تأهيله وخبرته التعليميّة أو خبرته في الموضوع الذي يدرّسه، وأقصد تمتّعه بلمسة إنسانيّة.
لدينا اليوم جيل من المعلّمين أكثر انفتاحًا من السابق، والسؤال إن كانت شخصيّاتهم مبنيّة ليكونوا متفاعلين ومستجيبين للطلّاب نفسيًّا؟ هذا هو المحكّ برأيي.
-
- كيف يتوجّب على المعلّم التعامل مع مواضيع الحروب والفقد والموت التي يعاني منها الأطفال/الطلّاب؟ كيف نؤهّل المعلّم للتعامل والتفاعل مع هذه المواضيع في الغرفة الصفّيّة؟
لا يُفترَض بالمعلّم إدارة المشاعر بالمعنى المهنيّ أو التقنيّ، المطلوب منه هو أن يشعر، يطوّر حساسيّته إزاء أنّ هناك شيئًا يتطلّب الاهتمام والرعاية والعناية. إذا توفر جوّ آمن في الغرفة الصفّيّة فيمكن لسؤال بسيط أن يفرّج عن هذه المشاعر ويطلقها. مجرّد السؤال: كيف حالك اليوم؟
من اللازم لكلّ إنسان يعمل مع الآخرين أن يتقن مهارات الدعم النفسيّ والاجتماعيّ، مهارات أساسيّة مثل الإصغاء الواعي والتعاطف.
أمّا بخصوص حالات الفقد والموت والخوف والكوابيس، فحين يواجه المعلّم حالات من هذا النوع ويتأكّد من وجودها لدى الطالب، فالمطلوب هو تحويل الطالب لمختصّين. وهذا يتطلّب وجود مرشد في كلّ مدرسة ليقابلهم ويتعامل معهم. ومن المعروف أنّه كلما تقدّم الطلاب في المراحل الدراسيّة، يصير الموضوع أصعب.
وأحبّ لفت الانتباه إلى واحدة من الاستراتيجيّات التي نحاول تطويرها، وهي تحويل الأقران إلى شبكة اجتماعيّة داعمة، وهذا أمر مهمّ جدًّا. أن يحاط الطفل أو الطالب بشبكة دعم اجتماعيّ من الأقران وعلى رأسها أو يقودها المعلّم. بذلك يتحوّل الصفّ إلى بيئة مغذّية للعلاقات الاجتماعيّة.
ليس مطلوبًا من المعلّم أن يلمّ بكلّ هذا تقنيًّا، إلّا إن التحق بتدريب خاصّ لهذا الأمر. والأهمّ والأساس هو أن يلتقط ما يحتاج تدخّل جهة مهنيّة مختصّة. أحيانًا الكثير من المشاعر لا تخصّ الطفل وحده، وقد تكون تراكمت بشكل يتجاوز ما يظهر للمعلّم، ولذلك يحتاج الأمر لمختصّين.
وفي سياق إدارة المشاعر، يمكن اقتراح خطوات أساسيّة، منها: حماية الطالب من السخرية أو الانتقاد، ثمّ محاولة معرفة السبب، وهذا غير ممكن إلا حين يحسّ الطالب أنّ المعلّم متفهّم ومنفتح. ولكن أحيانًا يكون الصفّ مكانًا غير مناسب، إمّا لعدم رغبة الطالب أو لأيّ سبب كان، وهنا يمكن التحرّك إلى مساحة آمنة والاستماع للطالب عن كثب، في غرفة أخرى مثلًا.
الاحتمالات كبيرة لما يمكن أن يكون السبب، وبمجرّد معرفة المعلّم بالسبب فلا بدّ من التحركّ إلى مختصّين آخرين ومؤهّلين مثل المرشد أو المختصّ النفسيّ، وأحيانًا في حالات العنف يتمّ التوجّه لجهات خارجيّة.
ما أقترحه هو جعل الطالب يقدّم خريطة لكيفيّة التعامل معه، والمهمّ هو إشعاره بالأمان وأنّ الجميع متوفّرون لمساعدته ومسخّرون لخدمته.
-
- يقودنا هذا للسؤال عن دور المرشد، كيف يمكنك وصفه؟
هو حارس البوابة، هو ضامن توفّر الشروط الصحّة النفسيّة في المدرسة، لدى الطلّاب والمعلّمين والبيئة الماديّة والإدارة. المرشد يراقب ويلاحظ ويدوّن كلّ ما يراه من مظاهر إيجابيّة وسلبيّة في المدرسة. المرشد له دور كبير في البيئة المدرسيّة، فهو مراقب دقيق لكلّ الجوانب السلبيّة، بما فيها العناصر الماديّة، ويقدّم ملاحظات في اجتماعاته مع الهيئة التدريسيّة والإدارة. وله دور تدريبيّ يتعلّق بتزويد المعلّمين بالأدوات والتدريبات اللازمة.
دوره أن يحارب التنمّر مثلًا ولكن دون تدخّل مباشر مع الحالات، فهو يخلق ثقافة ويطوّر سياقًا عامًّا. ويعمل عليه حتّى لو لم يلجأ إليه أيّ طرف أو يُحال إليه أيّ طالب.
ودوره مهمّ جدًّا في تكوين علاقات مهنيّة مع المؤسّسات الخارجيّة، مع المركز الصحّيّ الذي تتبع له المدرسة من ناحية العلاج النفسيّ والسلوكيّ. وكذلك مع الجامعات، فهو يعطي إرشادات للطلّاب قبل توجّههم للجامعات.
وبسبب كثرة هذه الأدوات والأدوار، نرى إحجامًا عن هذا الدور أو المهمّة. وهذا لمستُه باستمرار في مدارسنا.
-
- بما أنّنا نتحدّث عن أطراف عديدة، ألا يجب الحديث هنا عن السياسات ووضع سياسات للتصرّف في هذه الحالات مع بيان الأدوار؟
للمرشدين هناك بروتوكولات عمل وميثاق أخلاقيّ واضح وملزم ومقرّ، وهناك ترخيص مهنيّ من وزارة الصحّة يضع معايير محدّدة. وبالنسبة للمعلّمين، فقد أصدرت الوزارة في الأردنّ مثلًا، ما يشبه بروتوكول أو سياسات واضحة كدليل، ولكن لا يتمّ الالتزام بها دومًا.
وتوفّر الأدلّة هذه مهمّ جدًّا ويجب أن تكون متاحة لجميع الأطراف بما فيهم المعلّمين. ومنها ما أنتجناه أوّل التسعينيّات في الأردنّ من دليل للتعامل مع الأزمات والحالات الطارئة، وتشمل كلّ الحالات الخاصّة والعامّة التي يمكن وصفها بالظروف الطارئة أو الأزمة. وفي الدليل توضيح لكلّ المظاهر التي بمجرّد رصدها يجب على المعلّم والإدارات العمل وبخطوات واضحة.
ولكن للأسف كثيرًا ما يتمّ تحويل الطالب للمرشد دون أيّ دور للمعلّم، وبدل أن يكون جسرًا أو رابطًا بينهما، يركن إلى التحويل دون أيّ فاعليّة.
-
- كيف يمكن للمدرسة التعامل مع حالات التحرّش أو العنف المنزليّ في ظلّ القيود الاجتماعيّة في مجتمعاتنا العربيّة؟
هذا أمر بالغ الصعوبة، لدينا في مجتمعاتنا مشكلات متعلّقة بالبعد العشائريّ والعائليّ، وكذلك القانونيّ. وهذا يشمل التحرّش والعنف المنزليّ والإساءة المنتظمة للأطفال وتحديدًا الجسديّة التي ترتقي لتكون جنايات وليس مجرّد عنف منزليّ.
مشكلتنا أنّ كثيرًا من الأسر تداري أو تمنع ظهور أيّ إجراء يقضي على هذه الحالات أو ينهي هذه القضايا. فالتحرّش مرتبط بمفاهيم الشرف والعرض، وهنا تتمّ التغطية على الموضوع وتخبئته، بل ويصل الأمر بالأهل إلى تدريب الطفل على إخفاء ما يجري من انتهاكات داخل الأسرة.
التحدّي كبير في هذه المسألة، ومن المهمّ العمل على ترسيخ احترام القانون وإنفاذه. وأهمّ خطوة هي إبعاد الضحيّة عن المعتدي. ولكنّ تدخّل الكثير من الأطراف يحول دون ذلك للأسف.
هناك دور للإعلام ومن المهمّ إشاعة قصص النجاح لرفع الوعي بهذه القضايا وكيفيّة التعامل معها.
-
- أخيرًا، هل من أطر نظريّة أو قراءات أو تجارب تعتقد أنّ من المهمّ للمشتغلين في مجال الصحّة النفسيّة في المدارس أو إدارات المدارس وكذلك المعلّمين، أن يطّلعوا عليها لتعزيز فهمهم وممارساتهم التعليميّة؟
المصادر كثيرة ومتوفّرة، اليوم هناك قرابة أربعين نظريّة، وكلّها لها نجاحات وإخفاقات في جوانب مختلفة. من المهمّ التجديد في المصادر والاطّلاع على كلّ جديد. قد يكون من الصعوبة اقتراح شيء محدّد، والأصل أنّ المهنيّين في القطاع التعليميّ، يبدأون من الحاجات والثغرات التي تواجههم.
المعلّم يتعرّض لضغوط نفسيّة كبيرة جدًّا، وغالبًا آتية من المهمّات المطلوبة منه. ما نتمنّاه من المسؤولين عن تنظيم اليوم الدراسيّ، هو تقليص العمل البدنيّ على المعلّم. هذه الأعمال بمثابة سموم على المعلّم. لذلك من المهمّ إعادة النظر في الضغوط التي يتعرّض لها المعلّم وتحديدًا في التعليم التقليديّ.
من المهمّ أيضًا تكافؤ الفرص للمتعلّمين، وأن تكون مدارسنا مرحّبة بكلّ المتعلّمين من كلّ الفئات، ذوي إعاقة، مهجّرين، ذوي صعوبات تعلّميّة، متعلّمين فاقدين للأسرة، مجهولي النسب... إلخ، كلّ فئة من هذه الفئات جزء أساس أصيل من مجتمع المتعلّمين. ومن الضغوطات التي يواجهها المعلّم هو كيفيّة التعامل مع هذه الفئات. لا بدّ من تحضير المعلّم بمهارات عديدة للتعامل مع هذه الفئات، لتكون الفرص متاحة للجميع. فتكافؤ الفرص مبدأ وحقّ إنسانيّ، وهذا جزء أصيل للرفاه النفسيّ في المدرسة، أي أن يشعر الطالب أنّ فرصه متكافئة مع زملائه كلّهم.