تعتمد التربية السليمة على مجموعة من القواعد المهمّة، منها ما هو مرتبط بالطفل نفسه، من حيث فيزيولوجيّته ونفسيّته، ومنها ما هو مرتبط بكلّ العناصر المحيطة التي تؤثّر فيه، كالأسرة والمدرسة والمجتمع، والمناخ، والأعراف، والأوضاع الاقتصاديّة والأمنيّة وغيرها. غير أنّنا نركّز غالبًا على العناصر المادّيّة الواضحة فقط، ونهمل بشكل مروّع ما يهمّ الجانب السيكولوجيّ، لكونه صعب الملاحظة أوّلًا، وعسير التطويع ثانيًا، مع أنّ هذه المحطّة؛ فهم سيكولوجيّة الطفل، هي الأساس الحقيقيّ لتمتّع الطفل بتربية صحيحة وصحّيّة.
نريد، عبر لفظ سيكولوجيّة الطفل، مجموع الغرائز والدوافع والخبرات والتصوّرات المكتسبة التي ترسم الطفل في سلوكيّاته، والتي تحكم أفعاله وردود أفعاله تجاه نفسه وغيره، وما يوَجّه إليه من تربية وعناية وتعليم. كما تضمّ كذلك العلاقات التي تربط العناصر التي ذكرت آنفًا.
ونعرض بعضها:
الذات
بعيدًا عن اللغط الذي سبّبه تقسيم فرويد نفسيّةَ الإنسان، والعلاقات التي أقامها بين هذه العناصر، لا يمكننا إنكار أهمّيّة تصوّر الطفل عن ذاته، في حمايته من الكثير من المزالق، كالانتحار والإدمان والإجرام والتطرّف؛ فمقت الطفل نفسَه أو احتقارها يخلّف لديه مشاعر عدوانيّة تجاه نفسه والآخرين. وغالبًا ما تستثمر الأيديولوجيّات في هذه الانفعالات السلبيّة، لتستخدمها وقودًا مجّانيًّا لصالحها.
ويمكن عزو توجيه الطفل هذا العنف تجاه الآخرين، إلى كون الآخر يصوغ - صراحة أو ضمنًا - نظرة الطفل إلى نفسه إيجابًا أو سلبًا، عبر التعزيز والمدح والدعم والتشجيع والمكافأة، أو عبر الإقصاء والتحقير والذمّ والعنف اللفظيّ أو الجسديّ أو الجنسيّ أو الرمزيّ.
لذلك لا بدّ من الانتباه لنوع الخطاب الذي نوجّهه إلى الطفل، داخل البيت أو المدرسة أو في الإعلام؛ لأنّنا أوّل من يكتوي بناره.
الجماعة
الإنسان كائن اجتماعيّ بالدرجة الأولى، لا يختلف في ذلك عن بقيّة الكائنات التي تنمو وتزدهر داخل القطيع، وتخبو وتندحر بمعزل عنه. والطفل يدرك نفسه عبر أسرته، ويدرك أنّه خيط في نسيج مترابط محكوم بذكر وبعدّة قواعد ينبغي عليه الانضباط فيها، وأسرته طرف في عائلة أكبر، تنتمي إلى قبيلة أو حيّ، يدين بالولاء لقوميّة أو مجتمع.
لذلك، يجب تكييف العلائق بشكل يطبّعه التعاون والخير والمحبّة، باعتبارها المقصد الأكبر بتعبير الفيلسوف برتراند راسل، وإشاعة تصوّرات صحيحة داخل هذه الجماعات صعودًا. لا نقصد عموميّات الحياة اليوميّة من ضوابط الأكل والشرب والمعاملات فقط، بل نتجاوز ذلك إلى ترويج تصوّرات مناسبة عقديًّا وجنسيًّا واجتماعيًّا، بل ووجوديًّا، مستثمرين في ذلك أفضل ما توصّلت إليه البشريّة في علم النفس والفلسفة والأخلاق واللاهوت.
عموميّات
- - إنّ التهديد أو التخويف من أفظع وسائل التربية التي تنمّ عن عجز المربّي. ويمكن اقتراح حرمان الطفل من امتيازات معيّنة عند كلّ حالة تستدعي ذلك، ونشرح له أنّ الأمر لا يتعلق بشخصه أبدًا، وإنّما بسلوكه المرفوض.
- - يعتبر المزاح أو التنكيت بإحدى الأمور التي تتعلّق بالطفل، كتلعثمه أو التبوّل في الفراش أو الخوف من الظلام أو من بعض الحيوانات مثلًا، سلوكًا هدّامًا، حتّى لو كان الغرض ممازحته؛ فإنّ وقع هذا السلوك مدمّر، لأنّه يكرّس الشعور بالضعف والعجز، ويقوّض الثقّة بالنفس، ويلقي باللوم والضغط على الطفل في أمور خارجيّة لا علاقة له بها.
- - العناد، العنف، الخوف المرضيّ، الخجل، الانطواء، أشياء يعانيها الكثير من الأطفال، ومردّ معظمها إلى القدوة. وترجع في حالات قليلة، بعض هذه الأمور إلى عوامل عضويّة أو وراثيّة؛ فالطفل العنيد قد يكتسب هذا السلوك من أحد أفراد الأسرة عبر التقليد، والعنيف كذلك، أو عبر التلفاز، أو المدرسة. لذلك، فإنّ ما يجعل مهمّة المربّين معقّدة ومتعبة هو ضرورة التتبّع والمراقبة لكلّ ما يحتكّ به الطفل طوال الوقت، للحيلولة دون نفاذ قيم أو سلوكات سيّئة قد تعجّل في انحرافه. كما أنّ بعض حالات العنف والعدوانيّة، قد تكون تعبيرًا ضمنيًّا عن احتياج الطفل إلى الاهتمام المنذور لأحد إخوته الصغار، أو إلى أشخاص آخرين، وهذا يفسّر لجوء الأطفال غالبًا إلى الضجيج، أو التسبًب بتهشيم الأواني، أو التلفّظ بكلمات نابية وغيرها من الأشياء التي مفادها أنا هنا، ويجب أن تدركوا وجودي بينكم.