ليان ولينا تلميذتان مجتهدتان، صديقتاي في مخيم لجوء جديد نزحت إليه هاربةً من موت يلاحق الجميع. جميلتان، بل فائقتا الجمال، كأنّهما بدران ينيران صفحات مخيّم نزوحنا. شديدتا الأدب والحياء مع صغر سنّهما. ترتديان الملابس نفسها عمدًا، وبالألوان نفسها. لم أكن أتعجّب كثيرًا من ذلك، فنحن في النزوح نحبّ بعضنا بصدق، ونتشارك كل شيء معًا.
كانت ليان تكبر لينا بضعة أشهر، ودائمًا ما تستمع صديقتها لينا إليها بشغف شديد عندما تتحدّث. منسجمتان في كلّ شيء، متناغمتان في الطباع والميول والاهتمامات. لمستُ ذلك من خلال جلساتنا التعليميّة اليوميّة، إذ لم تكن لينا تجلس إلّا بجوار ليان، وتمسك بيدها وتبقى يداهما معًا طيلة الوقت حتّى تغادران الجلسة. كنتُ عندما أسأل سؤالًا، تجيبان بطريقةٍ متشابهة، وكان تفكيرهما شبه متطابق. كنتُ أمازحهما بقولي: "أنتو متأكدين إنكو مش توأم يا بنات؟" تطلقان الضحكة نفسها وكأن لهما صوتًا واحدًا. الجميع في الجلسة التعليميّة يمازح التوأمين ويحبّهما.
ذات يوم طلبتُ من إحداهن أن تجلس بعيدًا عن صديقتها في الجلسة، فكان ردّها: "ما بيفرّقنا إلّا الموت يا مِس".
تشتّتنا وتفرّقنا جميعًا بعد ذلك في نزوح لعين آخر...
وذات يوم، كنتُ في زيارة للطبيب في مخيّمنا الجديد، أقف في طابور طويل أنتظر دوري. اقتربت مني لينا، جفَّ عودها، وهزل جسدها، وغابت ضحكتها. كانت متعبة حدّ الموت، تبكي صديقتها المفقودة، وتقول كما يقول الكبار: "عندي أمل يا مسّ إنّها تكون عايشة". سألتها متى حدث ذلك، فقالت: "في حادثة قصف الخيام التي نزلت تحت الأرض يا مس".
رحم الله ليان، لقد كانت طفلة بحجم وطن، وكانت وطنًا لكلّ من حولها.