لا للتّلقين في العمليّة التعلّميّة التعليميّة
لا للتّلقين في العمليّة التعلّميّة التعليميّة
2024/06/30
نورا مرعي | مشرفة تربوية ومنسّقة مادة اللّغة العربيّة-لبنان

لعلّ التعليم هو الطريقة الفضلى لاكتساب المهارات الحياتيّة التي تساعد التّلامذة على تنمية الوطن، والإسهام في ازدهار.، وتسعى الدول كافّة إلى العمل على تحسين نظام التعليم فيها، من أجل إعداد متعلّمين ذوي قدرة على حلّ مشكلاتهم، ويمتلكون مهارات التعاون والتواصل والإصغاء، بالإضافة إلى المهارات الاجتماعيّة والفكريّة العاليّة. ويختلف كلّ بلد عن الآخر بنظامه التعليميّ، إذ تتميّز بعض البلدان بأنظمة تعليميّة ذات جودة عالية، ككوريا الجنوبيّة، وفنلندا، وغيرها، بينما تعاني بلدان أخرى مشكلات عديدة، منها ما يعود إلى الالتزام بالطرائق التعليميّة التقليديّة القديمة التي لم تعد تناسب الواقع الحياتيّ المعاصر، بعد سيطرة التكنولوجيا، والعالم الافتراضيّ، والهاتف الذكي، على معظم مجالات حياتنا. فكيف سنعلّم بالطرائق التقليديّة تلامذة يتفوّقون على أساتذتهم باستخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعيّ، والبرامج الإلكترونيّة المتعدّدة؟

يعدّ التعليم الأكثر تأثيرًا في المجتمع، ويحظى باهتمام التربويّين والباحثين الأكاديميّين، لما له من تأثير كبير في الأمّة كاملة، على الأصعدة الأخلاقيّة والأكاديميّة والعمليّة. ولأنّ العالم يشهد تطوّرًا سريعًا في المجالات كافّة، وجب الاهتمام بالتعليم، وتغيير الأنظمة الّتي لم تعد تلائم المتغيّرات الحاصلة في العالم. 

 

لا شكّ في أنّ المناهج التعليميّة تؤدّي دورًا في البناء الفكريّ للإنسان، إذ من خلال ما تعلّمه يمكن للتلميذ تطوير بلده وازدهاره، عبر تأمين المستلزمات التعليميّة الحديثة، كالألواح الذكيّة، وكلّ ما يحتاج إليه المعلّم من أجل إكمال عمليّة التعليم بشكل متميّز. كما على المدرسة إيلاء أهمّيّة كبيرة للورش التدريبيّة التي يخضع لها الأساتذة من أجل تطوير أدائهم الأكاديميّ، وتعريفهم وتدريبهم على الطرائق التي تسهّل عليهم عمليّة التعليم الحداثيّ، ومواكبة تحدّيات القرن الواحد والعشرين، والاهتمام بالبعد النفس- نمائيّ، القائم على مراعاة النضج الإدراكيّ، والنفس- حركيّ، واللغويّ، خصوصًا في مرحلة رياض الأطفال. وتتّضح الحاجة إلى تغيير طرائق التعليم منذ مرحلة رياض الأطفال، لكي يركّز المعلّم على النموّ الجسمانيّ، واللغويّ، ونموّ الذكاء العامّ، والنموّ الوجدانيّ، والتكيّف الاجتماعيّ، مبكّرًا. 

إنّ طرائق التدريس الحداثويّة دفعت بنا إلى إعداد المتعلّم إعدادًا خُلقيًّا، منسجمًا مع القيم الإنسانيّة في مجتمعه ووطنه، وإكسابه روح العمل، وتقدير الجميع في مختلف المجالات. كما إعداده إعدادًا مدنيًّا، يمكّنه من مواكبة التطوّر العالميّ والانسجام مع روح العصر، وتربيته على النقد البنّاء، والنقاش، وتقبّل الآخر، وحلّ المشكلات مع نظرائه بروح المسالمة والعدالة والمساواة، وتنمية الروح الاجتماعيّة لديه.

إذًا، يكمن دور المعلّم في العمل على بناء شخصيّة الفرد، وتكوين المتعلّم المواطن، القادر على تحمّل المسؤوليّة، والالتزام بالمبادئ الأخلاقيّة، والانفتاح على الآخر، وذلك من خلال الكفايات والمهارات التي تخوّله الحصول على المعرفة والمهارة، واكتساب القيم، واتّخاذ المواقف، وحينها يستعدّ لمواجهة تحدّيات العصر، وهذا كلّه يسهم في بناء الشخصيّة، وبناء الذات القادرة على العطاء المتميّز في الحياة.

 

يقوم النظام التربويّ، في أيّ بلدٍ، على محاور ثلاثة: المعلّم والمتعلّم والمنهج التعليميّ. وقد انتبه واضعو المناهج التربويّة الجديدة إلى أنّ الإنسان هو المحور في الحياة، وهو الغاية. وبناءً عليه، لم يعد بمقدور المعلّم اعتماد الوسائل التقليديّة في التعليم، فقد صار لزامًا عليه اعتبار التلميذ محورًا للعمليّة التعلّميّة، والمعلّم هو المرشد فيها والمساعد. وعليه لم تعد المعرفة تلقينيّة، بل صارت تكتسب مهاراتها وكفاياتها، عبر اعتماد منهجيّة تؤهّل التلميذ على التفتيش عن المعرفة، والبحث والتقصّي، واكتسابها بمراحل عديدة، بعيدة عن التلقين والحفظ، وصولًا إلى الإبداع الخاصّ.

من شأن هذه الطريقة أن تدرّب المتعلّمين الصغار على طرائق التفكير النقديّ، واكتساب مهارات عديدة تفيدهم لاحقًا، خصوصًا أنّنا صرنا في سنة 2024، ولم تعد المناهج القديمة تلائم هذا الواقع، إذ يجب إعداد المعلّم المتكامل من النواحي العلميّة والمهاريّة والنفسيّة، إلى جانب اعتماد التدريب المستمرّ، ومراعاة أهمّيّة تعزيز القدرات، والاهتمام بالتطوير النوعيّ، من خلال بناء الإنسان الواعي، والمبدع، والملتزم بالعمل والأخلاق. وسيتحقّق ذلك من خلال مراقبة فعّالة، واهتمام واسع بضرورة بناء إنسان واعٍ، وقادر على نهضة بلده، وتحقيق كفايته الذاتيّة، وتقدّمه الاجتماعيّ.