لا تقتصر العدالة في التعليم على حقّ الطفل في الذهاب إلى المدرسة، ولا تعني فقط "تمتّع الجميع بالتعليم"، علمًا أنّ هذا حقّ بدهيّ أساسيّ، بل وتتعدّى فكرة العدالة إلى حقّ الطفل في التعلّم في أمان، وتوفّر البيئة والظروف المناسبة لتطوير مهاراته اللازمة، وذلك حسب حاجته وقدراته الذاتيّة طيلة مدّة تمدرسه، ومع هذا تبقى عدالةً جزئيّةً، فيُضاف حقّ الطالب في النجاح المدرسيّ والأكاديميّ على قدر طاقاته وقدراته، وحتى هذا ليس كافيًا أيضًا، إذ ثمّة حقّ الطالب في الحصول على فرص العمل مستقبلًا، والمساهمة في الإنتاج حسب إمكاناته استنادًا إلى مبدأ تكافؤ الفرص.
هكذا، تشكّل هذه الحقوق الأربعة الحدّ الأدنى للركيزة التي تقوم عليها العدالة في التعليم، هذه العدالة التي تقع مسؤوليّة تأمينها على الدولة التي عليها تطوير بنًى تحتيّة، وخطط وسياسات تعليميّة طويلة الأمد ترتبط بمشاريعها التنمويّة، وتعتمد على الاستثمار في رأس المال البشريّ. تظهر المؤشّرات أنّ العدالة في التعليم مغيّبة في معظم دول العالم، ومنها الدول العربيّة، إذ إنّ النظام التعليميّ العربيّ لم يسر يومًا ضمن خطّة واضحة، تهدف من ناحية إلى محاربة التمييز والطبقيّة في التعليم، ومن ناحية ثانية إلى ربط التعليم بمشاريع التنمية المجتمعيّة والاقتصاديّة لخلق فرص متساوية للطلّاب جميعهم. كيف إذًا لهذا النظام التعليميّ الهشّ أن يصمد في وجه الأزمات؟ من يضمن على الأقلّ حقّ الطالب في الذهاب إلى المدرسة، وفي التعلّم في مناطق النزاعات والحروب؟ ما مستقبل التعليم في هذه المناطق؟ وما المستقبل الذي ينتظر الطلّاب؟ هذه الإشكاليّة نضعها على طاولة النقاش في ملفّ العدد الرابع الذي أشرفت عليه الدكتورة جمانة الوائليّ بصفة محرّرة زائرة، وجاء تحت عنوان: "التعليم والتعلّم في ظروف النزاعات".
بدءًا من المقال الأول الذي يرسم إطارًا عامًّا للوضع التعليميّ في الدول العربيّة التي تعاني من أزمات، وأهمّيّة تطوير أنظمة تعليميّة مرنة، مرورًا بواقع التعليم في سوريّا، والسؤال حول قدرته على بناء السلْم المجتمعيّ بشهادة تربويّين من المدارس، إلى الأردنّ وتجربة مدرسيّة نجحت في دعم الطلّاب اللّاجئين ودمجهم، وصولًا إلى السياق الفلسطينيّ والتحدّيات التي واجهت القطاع التعليميّ وتواجهه. وفي المقلب الآخر: هل يواجه الطلّاب النازحون إلى العالم الغربيّ التحدّيات ذاتها؟ والمعلّم، ما الذي يحدّد إطار عمله مع طلّاب لا يعرف الكثير عن تاريخهم الشخصيّ، وإلى أيّة درجة باستطاعته أن يعيَ عمق الأزمة التي يعاني منها الطلبة هؤلاء ويفهمها؟ مقالان من كندا وبريطانيا يرسمان مشهدًا مختلفًا: أزمات الهُويّة والانفصال والانتماء والاندماج عند الطلّاب اللاجئين، وصعوبة تعلّم اللغة وإشكاليّة العلاقة مع الآخر، عوامل تؤثّر جميعها على مسار تعلّمهم وصحّتهم النفسيّة.
خارج الملفّ، مقالان حول تجارب صفّيّة في المرحلة الثانويّة: شرح تجربة حول استخدام مختبرات العلوم عن بعد، وأنشطة تفاعليّة تنفّذ حضوريًّا وعن بعد في سبيل دمج أطفال الروضة وتعليمهم وتحفيزهم.
نستكمل العدد بمقالات متنوّعة الموضوعات، فكيف نجهد لتطوير كتابات الطلّاب إن لم نطوّر، نحن المعلّمين، كتاباتنا؟ هنا دعوة إلى تطبيق هذه المعادلة في دروس الكتابة الإبداعيّة، ولأنّ التعليم لا يرتبط بالمنهاج الرسميّ فحسب، فكيف تسهم قيم المدرسة، وقيم المعلّم ذاته في تطوير التعليم؟ مقال حول قيمتَيْ التواضع والتخيّل، وهما قيمتان تؤسّسان لعلاقة تفاعليّة حقيقيّة بين المعلّم وطلّابه، ثمّ مقال آخر عن دور الحياة المدرسيّة في بناء القيم وتطويرها، فهل تلعب المدرسة هذا الدور؟ نعم، بإمكان المدرسة أن تخرج من عباءة الأدلجة، وأن تفسح المجال لنشر قيم تسهم في تنمية المجتمع، ثمّ مقال فكريّ، فيه دعوة للخروج من عباءة المسلّمات، وللتأمّل والتفكير في البدهيّات لإعادة اكتشاف المعنى، هذا المعنى الذي يتشكّل داخل القصص والتجارب، ومن خلال العلاقة الآمنة مع الذات والآخر.