نشط في الآونة الأخيرة خطاب نقديّ تناول المؤسّسات التعليميّة وفعاليّة دورها المجتمعيّ، ويأتي هذا الخطاب نتيجةً لاختزال دور المدرسة في ممارسات تقنيّة آليّة تعزلها عن محيطها الخارجيّ، وردًّا على تأطير الممارس التربويّ ضمن أطر مهنيّة ميكانيكيّة بحتة.
قد تقوم المدرسة إذًا، من خلال مناهجها وبرامجها، بإعادة إنتاج نظام اجتماعيّ واقتصاديّ يعزّز سياسات الإقصاء والهيمنة، فتتحوّل والحال هذه إلى منتَج استهلاكيّ يؤدّي غرضًا وظيفيًّا وكذلك إلى منتِج لهذا النظام. عمليًّا، هذا يعني انقلابًا ضمنيًّا على الدور المفترض أن تلعبه كمؤسّسة لها تأثيرها في التحوّلات الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة. ينعكس هذا حتمًا وبشكل ممنهج على كلّ من المعلّمين والطلّاب الذين تُختزل أدوارهم بمهامّ تقنيّة، فيقتنع المعلّم أنّ دوره محصورٌ في الغرفة الصفّيّة ويقتنع الطالب أنّ دوره منوطٌ بتلقّي العلم والمعرفة كخدمة تقدّمها المدرسة له. ولكن، كيف يُنظر إلى دورالمعلّم بمعزل عن ظروف عمله وعن العوامل السياسيّة والجغرافيّة والاجتماعيّة التي تحكم بيئته وتؤثّر في أدائه؟ وكيف نقيّم أداء الطالب ومعارفه دون النظر في قدراته وثقافته ورغباته وموروثه وتطلّعاته؟ نظام موجّه بدءًا من سياسات الدولة العامّة، مرورًا بالسياسات التربويّة ثمّ المدرسيّة ونتاجها من البرامج والمناهج، وصولًا إلى دور القيادة التعليميّة وتأثيرها في مسار العمل. وغالبًا ما تكون النتيجة إبعاد المعلّمين والطلّاب وتحييدهم (رمزيًّا) عن صناعة القرارات وعن تطوير وعيهم النقديّ تجاه الواقع والتأثيرعليه لتحويله.
يتناول العدد السابع من منهجيّات هذه الإشكاليّة من زواياها المختلفة. يبحث ملفّ العدد في "الأثر الاجتماعيّ للقيادة التعليميّة" من خلال ستّ مقالات تتناول أوجهًا مختلفة للقيادة. مقال افتتاحيّ حول إشكاليّة القيادة التعليميّة ودورها في بناء المجتمع، فاتحًا بابًا للنقاش حول أسباب وإشكاليّات أسهمت بشكل أو بآخر في تأطير هذا المفهوم. وأيّ دور تلعبه القيادة التعليميّة في سياق الأزمات وما التغيير الذي يجدر أن تؤسّس له؟ هنا مقال عن هذا الموضوع في ظلّ الأزمة اللبنانيّة. والمعلّم، أليس مطالبًا بالتحرّر من حدود الغرفة الصفّيّة؟ مقال عن ممارسات المعلّمين القياديّة. والقيادة التعليميّة لها أنماط يختلف تطبيقها باختلاف الظروف والسياقات، مقال عن تجربة عمليّة حول القيادة التحويليّة ودورها في بناء ثقافة عمل مشتركة. والتفاعل مع البيئة المحيطة والتأثير بها؟ تجربة في الاندماج المجتمعيّ والدمج المدرسيّ. والسياسة أيضًا لها تأثيرها في المشهد التربويّ، مقال أخير عن أثر الديكتاتوريّة في قيادة المدرسة وحياة مديري المدارس، نموذج يأتينا من تشيلي، سياق بعيد قريب.
خارج الملف، مقال تأمّليّ عن التفاعل المجتمعيّ في التعليم والتعلّم، فحريّ بنا أن نربط هذين المفهومين بالسياق والجغرافيا والمكان والمجتمع المحلّيّ، لنعي الدور الحقيقيّ للعمليّة التربويّة. هذا الوعي ينعكس في تأمّل المعلّم بهدف التطوير، قراءة في تجربة تطبيقيّة حول التعليم عن بعد في المغرب. والوعي انعكاس لمرونة المعلّم التي تكمن في التفاصيل اليوميّة التي توجّه عمله، فما المشكلة في وضعيّة جلوس الطالب، "فليجلس كلّ طالب كما يشاء"، أليس المهمّ أن يتعلّم؟ أشرنا إلى أنّ المناهج والسياسات جزء من النظام/الأزمة: نموذج من لبنان عن الهوّة بين الثورة المعلوماتيّة والمناهج، والضحية هم الطلّاب، واللغة هي أيضًا الضحيّة. قد يكون تطوير التفكير النقديّ واحدًا من الحلول: مقال عن هذا الموضوع كاستراتيجيّة في بناء التعلّمات. وللغة الضحيّة مكانتها في تجربة برنامج دوليّ يناقش فكرة تعميق علاقة المتعلّمين بلغتهم. وردًّا على سياسات التهميش المقصودة لبعض الموادّ الدراسيّة: مقال عن عودة التاريخ. وفي الختام، أليس التعليم فعل تحرّر؟ مقال عن دور التربية السياسيّة في ثقافة المقاومة.. حالة الفلسطينيّين في الداخل.