ما الاستراتيجيّة الأكثر فعاليّة التي استخدمتها في الغرفة الصفّيّة، وكيف تجاوب الطلبة معها؟
صادفت في إحدى المرّات طالبة من طالباتي السابقات، وقالت لي: "أتمنّى لو تعلميني مرّة أخرى". فسألتها: "لماذا أنا؟" فقالت: "لأنك كنتِ تعلّمينا بالغناء". أدركت وقتها أنّ هذا التعليم أسهل وأقرب طريقة إلى عقل الطالب لتعلّم الحروف والكلمات الجديدة، خصوصًا في المراحل الابتدائيّة. على سبيل المثال، ربط تعلّم حرف جديد باللغة الإنجليزيّة مع كلمة تبدأ بالحرف وصوته، مثل A for apple (A, A, A)، وربط تعلّم معنى كلمة جديدة بالغناء، مثل Cry, cry, cry يبكي يعني (cry) وهكذا.
كيف توازنين بين توظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعيّ، والحفاظ على الجوانب الإنسانيّة والتفاعل الشخصيّ في التعليم؟
لا شكّ أنّ التكنولوجيا ساعدتني كثيرًا في التعليم، مثل استخدام تسجيلات MP3 ليتمكّن الطالب من سماع الكلمات الجديدة من native speakers، واستخدام الشاشة الذكيّة لعرض الكلمات والدروس، ومجموعات واتساب والصفوف الافتراضية التي ساعدتني كثيرًا في التأكيد على الواجبات المنزليّة، والتواصل مع الأهالي. لكن، مهما علَت يد التكنولوجيا، فإنّها لن تكون بديلًا عني كمعلّم، فهي لن تمنح الطالب التعاطف والتواصل البصريّ والتعلّم بالقدوة، والتعلّم العاطفيّ الاجتماعيّ الذي من خلاله يدرك الطالب ذاته وقيمة الآخرين.
في بداية المسار المهنيّ في التعليم، يكتشف المعلّمون ممارسة خطأ يرتكبونها عن حسن نيّة، فماذا اكتشفت؟ وماذا فعلت في ذلك؟
بفضل متابعة المشرفين التربويّين والتأمّل الذاتيّ والتطوّر المهنيّ، تجاوزت بعض الأخطاء بعد اكتشافها. على سبيل المثال، تعلّمت أن ترجمة الدروس للطالب يجب أن تكون في آخر محاولات الشرح، بعد استخدام طرق تبسيط أخرى، مثل استخدام مرادفات أسهل، أو التضادّ، أو وضع الكلمة في جمل بسيطة لمساعدة الطالب على الفهم من دون استخدام اللغة الأمّ.
افترضي أنّك تقوم بإعداد ورشة عمل للمعلّمين، ما الموضوعات التي تشعرين بأهمّيّتها لتطوير مهاراتهم التعليميّة، والتفاعل مع الطلّاب؟
لقد قمت بالفعل بإعداد ورشة للمعلّمين عن التعلّم العاطفيّ الاجتماعيّ، والذي يعني أنّ نجاح الطالب أكاديميًّا لا يضمن نجاحه في الحياة. على المعلّمين ربط تعلّم الطلبة بمهارات أخرى، مثل مساعدة الطالب على فهم ذاته، والتحكّم بها، وإدراك قيمة العلاقات الاجتماعيّة الإيجابيّة، والقدرة على اتّخاذ القرار. وبعد دراسة جدوى تطبيق المهارات الوجدانيّة الاجتماعيّة، اتّضحَت لنا زيادة تحصيل الطالب علميًّا وتحسّنًا إيجابيًّا في سلوكهم. لو كان لي أمنية اليوم، لتمنّيت لو لم تكن الحرب وبقيت بيوتنا ومدارسنا، لكنت اليوم أجهّزُ لورشة أخرى. فالنجاح الذي شعرت به وقتها لا يقدّر بثمن.
هل ترين أنّ التشبيك والحوار بين المعلّمات والمعلّمين في العالم العربيّ مهمّ في خضمّ ما يمرّ بهِ التعليم من أزمات؟ وهل تقترحين مبادرةً لتحقيق التشبيك بينهم؟
من تجربتي الشخصيّة، انخراطي في مجموعات المعلّمين والنقاش معهم في المجالات العلميّة والتطوّر المهنيّ، كان له دور كبير في حصولي على الوظيفة الحكوميّة؛ فمن يرافق خمسة ناجحين يصبح سادسهم. التعاون بين المعلّمين سهّل علينا نشر منهج "Jolly Phonics"، والذي يتعلّم، من خلاله، الطالب أصوات الحروف، وأسهم كثيرًا في تقليل صعوبات القراءة عند الطلاب. أقترح عمل دعوات ميدانيّة للمعلّمين العرب لتبادل خبرات التعلّم بينهم.
كيف تتعاملين مع أولياء الأمور وتشجّعينهم على المشاركة في تعليم أطفالهم؟
ساعدتني مجموعات واتساب وأرقام أولياء الأمور كثيرًا في التعاون معهم، من أجل النهوض بمستوى الطالب، من خلال إرسال مواد تأسيسيّة وإثرائيّة، وواجبات منزليّة، وألعاب تعليميّة، ومتابعة مستمرّة للتحسّن الأكاديميّ والسلوكيّ للطالب. فكلّما كانت علاقة المعلّم بأولياء الأمور قويّة، ازداد اهتمام أولياء الأمور بأبنائهم.
كيف تُحافظين على عافيتك وصحّتك النفسيّة في ظلّ التحدّيات المستمرّة؟
يقولون إنّ السعيد لا يمتلك وقتًا للتفكير في التعاسة، وهذا ما كنت أفعله. بعد دوامي في المدرسة، كنت أقوم بتجهيز أسئلة علميّة وتربويّة تساعد الخرّيجين على اجتياز اختبارات التوظيف، وتحافظ على حصيلتي العلميّة، وأقوم بنشرها في مجموعتنا الخاصّة "English Majors In Gaza". لا شكّ أنّ التطوّع ومساعدة الآخرين يهذّب النفس ويطمئنها، وكان ذلك يعود عليّ بالخير؛ فالعطاء يعود إلى صاحبه دائمًا.
ما استراتيجيّاتك الشخصيّة لتنظيم الوقت عند تغطية الأعباء المتزايدة؟
الوقت المنظّم جيّدًا برهان على العقل المنظّم جيّدًا. لذلك، أحرص على عدم تكدّس الأعباء والواجبات، وأحاول تسليمها حتى قبل الموعد المحدّد تحسّبًا للظروف. ويساعدني في ذلك تقويم المهام وتجزئتها، والتواصل مع المعلّمين لتبادل المنفعة.
اذكري أثرًا إيجابيًّا لمهنة التعليم في حياتك الشخصيّة، وآخر سلبيًّا.
الأثر الإيجابيّ كان ترك أثر جميل في قلوب الطالبات. فحين تناديك إحدى الطالبات من بين الجموع، وتسلم عليك بابتسامة لطيفة، وتخبرك أنّك كنت ذكرى جميلة بالنسبة إليها، فإنّ ذلك ينسيك كلّ مشاقّ المهنة. كما إنّ توسيع دائرة العلاقات والمعارف والخبرات، يعدّ من الآثار الإيجابيّة بالنسبة إليّ. أمّا بالنسبة إلى الجانب السلبي، فهو تقليل مساحات الخصوصيّة، مثل اتّصالات الأهالي في بعض الأوقات المتأخّرة، لكنّني أتفهّم ذلك في حال الضرورة.
ما أطرف حادثة حصلت معك في مسيرتك التعليميّة؟
في أحد الأيّام، بينما كنت أستعدّ لمغادرة المدرسة، وكان التعب يغمرني، فوجئت بطالبة تضع (دبدوبًا) في حضني، وتقول لي: "سلّمي على الدبدوب شريهان". سألتها: "ماذا؟" فأجابت: "سمّيته على اسمك". تجاوبت مع عفويتها وسلمت عليه. اليوم، وبعد انتهاء العام الذي لم يبدأ في غزّة بسبب الحرب، وبدء عام دراسيّ جديد لم يبدأ في غزّة، أتمنّى لو أن تلك الطالبة العفويّة تعلم أنّني أفتقدها كثيرًا، وأفتقد الدبدوب، والطلّاب، والمدرسة، والطريق إليها، بل أفتقد حتّى الحائط الذي كنت أتّكئ عليه من التعب. وللحياة بقيّة.