برأيكِ، ما هو دور سياسات المدرسة وإدارتها في خلق الجوّ الملائم لتكامل العمليّة التعليميّة؟
كما قال جورج برنارد شو: "يمكن أن يعمل الناس 8 ساعات يوميًّا من أجل الراتب، و10 ساعات من أجل المدير الجيّد، و24 ساعة من أجل فكرة يؤمنون بها". من هُنا، يمثّل دور الإدارة التربويّة، القائم على العلاقات الإيجابيّة بين جميع عناصر عمليّة التربويّة، حجر أساس في العمل. ليس هذا فحسب، بل الإدارة التي تشجّع الإبداع والابتكار ومدّ يد العون للمعلّمين والاحتفاء حتّى بانتصاراتهم الصغيرة، هي الوقود الذي يشعل العمليّة التربويّة. أقول دومًا إنّ كلّ إنسان منّا باستطاعته أن يصنع الكثير لو وجد شخصًا يؤمن به وبقدراته. وهذا هو الحال بالنسبة إلى الإدارة المدرسيّة التي كلّما آمنت بالمعلّمين وساندتهم، كلّما زاد الترابط بينها وبين المعلّمين من جهة، وبين المعلّمين والطلّاب من جهة أخرى، وبين المدرسة والمجتمع المحلّيّ الذي نطمح إلى تغييره للأفضل، من خلال خلق جيل قادر على تغيير تفكيره وسلوكه إيجابيًّا ونقل ذلك إلى المجتمع.
بالعودة إلى التعليم الوجاهيّ، ما الممارسات والتقنيّات التي استعملتها في التعليم من بُعد وأبقيتِ عليها الآن؟
في مدينتي لم يكن لدمج التكنولوجيا في التعليم أهمّيّة، بسبب الظروف الاقتصاديّة والانقطاع الطويل للكهرباء. لكن خلال فترة الحجر، اعتمدنا كلّيًّا على التعلّم الإلكترونيّ من خلال مجموعات واتساب، والصفوف الافتراضيّة، والفيديوهات الشارحة. ولا أنكر أنّ البداية كانت صعبة على الطالبات والأهالي، ولكن مع مرور الوقت، كانت النتائج أفضل من توقّعاتنا؛ تغيّرت ثقافة الاعتماد الكلّيّ على التعليم الوجاهيّ، وتم دمج التكنولوجيا في التعليم، من خلال تصميم موادّ ذاتيّة التعلّم يستطيع الطالب قراءتها، وأيضًا تم توظيف مسح رمز الاستجابة السريع للوصول إلى الفيديوهات الشارحة، التي ما زلت أستعملها حتى الآن لتحضير طالباتي للدرس في اليوم السابق ما يساعدني كثيرًا خلال الحصّة.
تعلّمت أيضًا دمج الألعاب التعليميّة الإلكترونيّة التي تعلّمتها أثناء فترة الحجر، مثل ألعاب (Wordwall) وألعاب (Kahoot)، وما زلت أستعملها حتّى الآن. وكذلك، ساعدنا كثيرًا تكوين مجموعات لجميع الطلّاب في تحضيرهم للدروس، وإعطاء التعليمات خارج المدرسة، والوصول إلى الطالبات في أي وقت، والأهم دمج التعليم في ما يفضّله الطالب ويستمتع به وهو التكنولوجيا.
كيف تخاطِبين الاهتمامات المتعدّدة للمتعلّمين، لا سيّما الشغوفون منهم بالفنّ والموسيقى والرياضة؟
أرسلت إلى الطالبات، في بداية العام، اختبارًا إلكترونيًّا يحدّد النمط التعليميّ الذي يفضلنه، سواء كان سمعيًّا أم بصريًّا أم حركيًّا. وخلال هذا الشهر قمت بتنفيذ نشاط ليعرف الطلبة نوع ذكائهم ضمن مبادرة ازرع بسمة، وبفضله تعرّفت الطالبات إلى نوع، أو أنواع، الذكاء الخاصّة بهن.
وفي كلّ حصّة تقريبًا، أسالهنّ عن نوع ذكاءهنّ، وأشرح قليلًا عن أنواع الذكاء المُختلفة، وهي فرصة لتعرف الطالبات أنّه لا يوجد شخص في هذه الحياة إلّا ويملك على الأقلّ نوعًا واحدًا من الذكاء. ونظرًا للأعداد الكبيرة داخل الصفوف في مدارسنا، تنويع أساليب التدريس واستخدام المجموعات الثنائيّة والجمعيّة غير المتجانسة مهمّان جدًّا لأصحاب الذكاء الاجتماعيّ، وأمّا سباق الكلمات والإملاء فأفضّلها مع أصحاب النمط الحركيّ، ولديّ طريقة خاصّة في حفظ الكلمات الجديدة من خلال الغناء، وهي تناسب أصحاب الذكاء الموسيقيّ.
يُمكن للمعلّم اختراع الكثير من الأنشطة التي تناسب جميع الفروق الفرديّة، على سبيل المثال أثناء مونديال قطر قمت بإحضار كرة وكتبت عليها أسئلة الدرس، وشغلت أغاني المونديال، وقامت جميع الطالبات بالغناء واللعب بالكرة، ورميها من واحدة لأخرى، والإجابة عن الأسئلة والاستمتاع؛ هذا النشاط واكب حدثًا عالميًّا وناسب أصحاب الذكاء الموسيقيّ والحركيّ.
هل متابعة مستجدات علوم التربية شرط وحيد للمعلّم الناجح؟ لماذا؟
برأيي لا يوجد شرط واحد ولا سبب واحد للنجاح، هي عوامل كثيرة تصنع المعلّم الناجح، وأغلبها يأتي مع التجربة والممارسة والتعلّم. بعضها يولد مع المعلّم، كنبرة صوته وتعابير وجهه. وفي اعتقادي، المعلّم الرائع والناجح تصنعه التجارب والتعلّم المستمرّ، من خلال الاطلاع على المستجدات التربويّة وتطبيق ما يناسب طلّابه، فليس كلّ جديد يناسبنا، إنّما تحكمنا ظروف وثقافة المجتمع.
التدريس مهنة صعبة تتطلّب معرفة بالموادّ التدريسيّة، والمناهج، وطرق التدريس وأساليبها، والدافعيّة إلى التعلّم المستمرّ، والمرونة عند الظروف المختلفة، والقدرة على إدارة الصفّ، والقدرة على صنع فارق في حياة الطلّاب. فلا عجب أنّنا نجد قلّة من المعلّمين الذين يوصفون بالعظماء.
ما التغيّرات التي لحظتها عند الطلبة بعد تجربة التعليم عن بعد؟ وكيف تستثمرين هذا التغيّر في تجديد مقاربتك التعليميّة؟
أعتقد أنّ أفضل ما حدث هو أنّ ثقافة الاعتماد الكلّيّ على التعليم الوجاهيّ قد تغيّرت، وانتشرت ثقافة استخدام التكنولوجيا والتواصل بين الطلّاب والمعلّمين إلكترونيًّا. فبعد أن كان الطلّاب لا يتقنون استخدام الواتساب والصفوف الافتراضيّة، وصلنا إلى مرحلة يصنع فيها الطلّاب ألعابًا تعليميّة بأنفسهم، ويصمّمونَ فيديوهات شارحة وفيديوهات كرتونيّة، ويستفيدون من تطبيقات مُختلفة، مثل توين كرافت، لتطبيق مهارة المحادثة.
من هو الطالب الشغوف بالتعلّم؟ وكيف توظّفين هذا الشغف في مادّتك أو الحصّة الدراسيّة؟
الطالب الشغوف بالتعلّم بالنسبة إلي هو من يستمرّ بالمحاولة بغضّ النظر عن قدراته، فلا شكّ أنّ الذكاء هبة من الله، وأنواعهُ تختلف من شخص إلى آخر. وأراقب طالباتي وهنّ يحاولن كثيرًا ويجتهدنَ من أجل تحقيق الانتصارات التي لا تأتي بسهولة.
وحين أجد طالبة متفوّقة شغوفة بالمادّة، أجعلها معلّمة صغيرة، وأطلب منها تدريس طالبة تمتلك الشغف بالمادّة، وتخطو أولى خطواتها نحو النجاح. بالنسبة إليّ الإرادة تصنع المستحيل، ولقد كان لهذا النشاط نتائج جميلة، فالأيادي التي لم أكن أراها إلّا على استحياء خلال الفصل الدراسيّ، أصبحت ترتفع وبقوّة، لأنّ بجوارها معلّم صغير يؤمن بها ويربط نجاحه بنجاحها.
ما رأيك في ارتداء الطلّاب الزيّ الموحّد؟
الزيّ الموحّد يقوّي الانضباط الداخليّ لدى الطلّاب، ففي كلّ مرّة يرى الطالب زملاءه يرتدون الملابس نفسها، ويلتزمون بها، فإنّه يتعلّم بشكلٍ لا إراديّ، احترام الآخرين والمؤسّسات التي تتطلّب النظام. ولا يتوقف ذلك على الزيّ، بل التوقيت وغيره، حتّى لوحة القوانين المعلّقة داخل الصفّ، والتي يشير إليها المعلّم من حين إلى آخر، تخلق لدى الطالب شعورًا بأنّ للحياة نظامًا وقوانين ربما لا يلتزم بها حاليًّا بشكل كامل، لكنّه سيدرك أهمّيّتها لاحقًا. كما أنّ الزيّ الموحّد للطلّاب فيه نوع من المساواة، وتختفي فيه الفروقات الطبقيّة. وتوفّر على العائلات غير المقتدرة معاناة شراء ملابس جديدة من فترة لأخرى.
ما مُمارساتك اليوميّة التي توظّفينها لتحقيق الرفاه المدرسيّ؟
دمج التعلّم العاطفيّ الاجتماعيّ في التعليم ساعدني كثيرًا، كمعلمة، في تغيير نظرتي إلى التعليم والتي كانت تركّز على الجانب الأكاديميّ. والآن توسّعت لتشمل جوانب الطالب المختلفة. أحدّثكم عن آخر نشاط قمت به مع طالباتي، وهو نشاط سفراء الإيجابيّة، ضمن مبادرة ازرع بسمة، والذي من خلاله تقيّم الطالبة أنفسهنّ يوميًّا من خلال معايير وضعتها لهنّ لقياس مدى الإيجابيّة خلال اليوم، وستستمرّ طوال الشهر الحاليّ. وبعدها سأبدأ بنشاط آخر يربط الطالبات إيجابيًّا مع الآخرين، مثل إلقاء التحيّة على شخص خارج الفصل في المدرسة، أو دعوة زميلة في المدرسة إلى الغداء، وهكذا.
ما مجالات التطوير المهنيّ التي تطمحين إلى أن تشاركي بها؟ لماذا؟
بما أنّ أمنيتي أن أترك أثرًا، أطمح لتطوير نفسي ذاتيًّا في مجال التعلّم والتعليم والتكنولوجيا، وعلم النفس، في وسيلة للتقرّب من الطلّاب نفسيًّا وعاطفيًّا، فأقرب طريقة للوصول إلى الطالب هي أن يحبّك، وقتها سوف يصنع أكثر ممّا تتوقّع ليطوّر نفسه ويسعدك.
بماذا تنصحين شخصًا يريد أن يصبح معلّمًا؟
أنصحه بأن يعرف ذاته جيّدًا قبل الخوض في غمار التخصّص؛ هل هو قادر على تحمّل مشاق المهنة؟ هل يمتلك الانضباط النفسيّ الذي يؤهّله للتعامل مع المواقف المختلفة، أم أنّه سريع الغضب؟ هل يمتلك القدرة على أن يكون قدوة في سلوكه الإيجابيّ؟ وما مستوى قدرته على انتقاء كلماته مع الأطفال؟
الكثير من المعلّمين دخلوا التخصّص فقط لكونهم يحبّون تلك المادّة، من دون مراعاة الجوانب الأخرى التي تصنع المعلّم الناجح، وربما يقضون سنوات طويلة للتدرّب على إدارة الصفّ، وعلى التحكّم في انفعالاتهم، لذلك أنصح كلّ معلّم أن يعرف مكنونات نفسه جيّدًا، وأنّ التدريس ليس فقط كمّ من المعلومات يتلقّاها الطالب بأيّ طريقة كانت.
التدريس هو قدرتك على خلق أشخاص أفضل في المجتمع علميًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا وعقليًّا، لذا على كلّ من يرغب في الالتحاق في هذه المهنة، أن يكون إيجابيًّا قادرًا على خلق التغيير في نفسه قبل الآخرين.