لو كنت طالبًا اليوم، كيف سيكون شكل التعليم الأحبّ بالنسبةِ إليك؟
فعلًا، أتمنّى لو أنّني طالب مرّة أخرى وأخرى، وأحاول ألّا أفوّت أيّ فرصة تشعرني بذلك حقًّا. التعليم الذي يجذبني تعليم مرن حيويّ، يستدعي قدراتي ومهاراتي، ويحثّني على البحث والإبداع، ويتيح لي مساحة المساءلة والنقد والتقييم وبناء الموقف، ويشعرني بالمسؤوليّة، ليس تجاه الاختبار والموادّ فقط، بل تجاه المعرفة، المعرفة بما هي، رسالة ومشروعًا وغاية.
إلى أي مدى يمكن التوفيق بين تعليم المهارات الاجتماعيّة وتعليم المعارف العلميّة وفق البرامج التعليميّة الحديثة؟
لعلّ المهارات الاجتماعيّة باتت اليوم مطلبًا محوريًّا مهمًّا في التعلّم الحديث. التوفيق بين تعلّمها وتعلّم المعارف العلميّة ينطلق من إدراك هذه الأهمّيّة بدءًا، وما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه. حريّ بالمنظّمات التعليميّة أن تمكّن الطلبة من الحدّ الأدنى من هذه المهارات الاستراتيجيّة، وتحفّزهم على تطويرها في الفصل وخارجه. بموازاة ذلك، يفضي تحكّم الطلبة بها إلى إضفاء ديناميّة فعّالة ونشيطة على أنشطتهم الحياتيّة عامّة، والتعلّميّة على وجه خاصّ.
كيف تحدّد أهمّيّة دورك، معلّمًا، أمام ما يشهده عصرنا من ثورة الذكاء الاصطناعيّ؟
صدقًا، لم تعد للمعلّم أهمّيّة كبيرة في السياق الحاليّ، وأنا متصالح مع هذا المعطى جدًّا، بل أعزّز في نفوس تلامذتي إمكانيّة تجاوزي متى اقتضى الحال ذلك. أقولها لهم فيفترضون أنّني أمزح، وتعلوا وشوشاتهم... فأقرع السبّورة فيصمتون، أقول لهم: قريبًا لن تبقى هذه السبّورة، وفي نفسي أضمر أنّ المعلّم الذكيّ هو من يستحضر التغيّرات الكثيفة المتلاحقة حوله، ويسعى إلى تجاوز النمطيّة والإيقاع البطيء المتكرّر، ويأتي طوعًا بالجديد الجديد.
متى يكون الإشراف التربويّ مفيدًا للممارسة التعليميّة؟
حين يكون مُوجَّهًا بمحدّدات دقيقة وواضحة، ويروم التحفيز والتطوير، ويثمّن ويصوّب ويقوّم بمهنيّة. تلك المصاحبة الماهرة التي تعضد المسار، وتترك أثرها النفّاذ في تجربة المدرّس وذاكرته.
ما الأساليب الناجعة، في نظرك، لحلّ النزاعات بين الطلّاب داخل غرفة الصفّ؟ وما الأطراف التي ينبغي أن تشارك في هذه العمليّة؟
هيئات أولياء الأمور، خلايا الإنصات والمواكبة، معنيّة كلّها بالاضطلاع بأدوارها المركزيّة في هذا السياق، وفق خلفيّات تربويّة ناجعة. التخطيط التربويّ عادة ينبني على الشموليّة، ويستحضر كلّ الأوضاع التي تتشكّل داخل المجال التربويّ، بما فيها كلّ ما يمكن أن يحدث بين المتعلّمين من نزاعات وخلافات، والوقاية خير من العلاج دومًا. كيف ذلك؟ تلك النزاعات تغذّيها معطيات نفسيّة واجتماعيّة مضمرة في الغالب. على هذا الأساس، يمكن أن تكون جلسات الإنصات، والورش التفاعليّة، والمصاحبة النفسيّة والاجتماعيّة، تحصينات تربويّة قويّة للصفّ من تداعيات تلك النزاعات الطبيعيّة بين الطلّاب، خصوصًا في المرحلتين الإعداديّة والثانويّة.
هل استخدام الأدوات التكنولوجيّة في التدريس إيجابيّ دائمًا؟ وما حدود استخدامها؟
إيجابيّ جدًّا، بل وملحّ. حدود استخدامها يبقى مختلفًا من محيط تربويّ لآخر. استثمار المنظّمات التربويّة لتلك الموارد ما يزال بحاجة إلى جدّيّة والتزام. وعلى الرغم من بعض المحاولات الحثيثة في ذلك، فإنّ تفعيل الأدوات التكنولوجيّة لم يرقَ بعد للتطلّعات في أغلب الأحيان. لماذا؟ بسبب قلّة برامج التكوين، وعدم وفرة المعدّات بالشكل الكافي.
هل يشكّل تدخّل الأهل مصدر دعم دائمًا في تعلّم ابنهم؟ وكيف؟ وهل هناك توقيت مناسب لهذا التدخّل؟
لا أرى أنّ إجابتي ذات مصداقيّة في هذا السياق. العلاقة بين المدرّس والأهل شائكة قليلًا، ثمّة واجبات للطرفين. أخلاقيًّا لا أملك مشروعيّة تحديدها وتقييمها بالنسبة إلى الطرف الآخر.
هل تجد أنّه قد آن الأوان للتخلّي عن الكتاب المدرسيّ بشكل كامل؟ لماذا؟
يتعيّن ألّا يحلّ هذا الأوان، وأن يبقى للكتاب المدرسيّ موقعه الاعتباريّ في سياق التعلّم، وأن تعضده التقنيّة وتذكّي حضوره المرجعيّ والرمزيّ في نفوسهم. ليس المقصود طبعًا المقرّر في حدّ ذاته، ولكن الكتاب الورقيّ بشكل أخصّ.
كم يجب أن تكون مدّة الدوام المدرسيّ اليوميّ برأيك؟
لا أملك تصوّرًا دقيقًا عن مدّة الدوام الأنسب، لكن أدرك أنّ أيّ برمجة زمنيّة يتوجّب أن تستدعي البعد النفسيّ والجسديّ والزمنيّ. في السلك الذي أشتغل فيه لا يتجاوز الدوام أربع ساعات في اليوم، مبدئيًّا، وضع مريح ومناسب جدًّا.
صِف لنا مسار التعليم في مدرستك مُستخدمًا عنوان رواية لذلك، وأخبرنا عن السبب وراء اختيار هذه الرواية.
لتكن "اللصّ والكلاب"، لنجيب محفوظ، كونها الأقرب إلى المقام، وهي مقرّرة في مكوّن المؤلّفات للسنة الثانية من سلك البكالوريا في المملكة المغربيّة. وصدقًا، ليس في الأمر تعريض معيّن، لكن ظلّ بطل الرواية مصرًّا على رهانه في إحداث تغيير يعيد إلى الحياة توازنها في نظره. مع اختلافنا الجذريّ في التوجّهات والوسائل، لكنّني أُجلّ سعيد مهران كثيرًا، كونه ظلّ شريفًا ومبدئيًّا وصادقًا في جلّ اختياراته. هكذا أقرأ هذه الرواية وأعيشها، في تناقض فادح، بين أن أجرّم سعيد مهران داخل الفصل (على اعتبار سلوكاته ومساره)، وبين أن أحتفي به في شارع الدنيا، حيث الحياة والرؤى.