ثقافة المطالعة
ثقافة المطالعة
2022/06/11
علي عز الدين | مستشار ومدرب تربوي-لبنان

حين سألني التلاميذ: من أين تأتي بالأفكار لكتابة قصصك؟ أجبتهم: "من السفر"، الأمر الذي منحني فكرة جديدة لمشاركتها مع متابعي مدوّنة منهجيات.

في إحدى الرّحلات، جلست، كالعادة، أتأمّل المسافرين من حولي:

العائلة الأولى: أمّ مع طفلتها تبلغ من العمر سنتين ترافقهما الجدّة. قامت الأمّ بتوضيب بعض الحقائب التي تحتوي على حاجات الطفلة، ومن ثم قامت بوضع عدد كبير من الكتب أمام الطفلة، التي بدأت بالاطلاع عليها. قرأت لها الجدّة ومن ثم الأمّ، وبالطبع قمت أنا أيضًا بدعوة تلك الطفلة وقرأت لها، وانضمّت لنا طفلة تبلغ من العمر ثلاثة سنوات مع والدها للاستمتاع بالقصّة.

العائلة الثانية: الأب والأمّ مع طفل يبلغ من العمر حوالي سنة ونصف. قامت الأمّ بتوضيب بعض الحقائب التي تحتوي على حاجات الطفل، ومن ثم قامت بإعطائه iPad. ساد الهدوء خلال الرحلة، وانغمس الطفل داخل لوحته الإلكترونيّة، ولكن تخلّل السفرة بعض نوبات البكاء والصراخ من قبله، لم تعرف الأمّ، ولا حتى الأب، كيفيّة التعامل معها.

 

وبدأت أسئلتي عن تلك المشاهد التي أراها في المطار، في الباص، في المترو، في قاعات الانتظار؛ ما هو سرّ الاختلاف بين العائلتين؟ لماذا تنتشر ثقافة المطالعة، بشكلٍ طبيعيّ، دون مسابقات ودون جوائز عند البعض؟

هل هي أنظمة سياسيّة؟ هل هي جينات؟ هل هي ديانات؟ أسئلة لا أريد تناولها في هذا المقال، إذ أرغب بتسليط الضوء على دورنا كمعلّمين وتربويّين.

ومن هُنا، سأطرح الأسئلة التالية:

  • - متى قمت بشراء آخر كتاب؟
  • - هل هو رواية أم كتاب تربويّ؟
  • - هل شاركته مع زملائك؟ مع تلاميذك؟
  • - هل قمت بتلخيص أفكاره الرئيسيّة؟ أو تطبيق بعض استراتيجيّاتهِ في حالة كان الكتاب ضمن مجال التربية؟
  • - متى زرت مكتبة للأطفال واطّلعت على الكتب التي صدرت حديثًا؟

 

وضمن هذا السياق، سأشارك بعض التجارب الشخصيّة: لقد اتخذت قرارًا بأن أشتري لطفلتي كتبًا فقط. لا شيء سوى الكتب، أختار بعضها وتختار هي بعضها الآخر، وتتنوّع الكتب بين اللغة العربيّة والفرنسيّة والإنجليزية. وأصبح يوم الذهاب إلى المكتبة جزءًا لا يتجزّأ من حياتنا، وباتت القراءة قبل النوم عادة لا تحتاج إلى أيّ تحفيز خارجيّ. لقد تذمّرت ابنتي، منذ فترة، فرفوف المكتبة لديها امتلأت بالكتب، وقرّرنا أن نشتري مكتبة أكبر.

في كتابه "كالنهر الذي يجري" وهو عبارة عن بعض الخواطر والنصوص، يقول باولو كويلو إن الكتب لا يجب أن تظلّ على رفوف المكتبات، بل يجب أن تكون بمتناول الجميع. وفي حال قمت بقراءة كتاب، أعطهِ لزميلك ليقرأه بدوره، وهكذا إلى ما لا نهاية. الكتب تموت على رفوف المكتبات، وتعيش بين أيدي البشر، كم هي جميلة هذه الفكرة.  

هُنا، وددت مشاركتكم بعض الكتب الموجودة في مكتبتي وفي مكتبة ابنتي. وأحببت، أيضًا، تسليط الضوء على أن عدد كبير من المواقع تحتوي على كمّ هائل من كتب الأطفال مجّانًا؛ منصّات إلكترونيّة تشجع على قراءة أدب الأطفال والناشئة.

 

من خلال هذه التأمّلات والتجارب التي مررت بها، والمصادر التي سلطت الضوء عليها، أرغب من جميع المدرّسين أن يجعلوا المطالعة ثقافة تبدأ يوميًّا، ولو لخمس دقائق من الحصّة لا أكثر. دعونا نبتعد عن المسابقات ونعود للمُساهمة في تشكيل جيل يقرأ ليستمتع لا لينافس. ابدأ الحصّة كل يوم بقراءة قصيدة، مقطع من رواية، قصّة قصيرة... اختر ما تريد، واجعل من تلك المُشاركة فرصة للتلاميذ ليشاركوا قراءاتهم، اذهب معهم إلى مكتبة الحيّ، إلى معرض كتاب، قُم باستضافة كاتب ومؤلّف، واجعل تلك الأنشطة في صلب المنهج.

وبصفتي كاتبًا للأطفال، أودّ أن أشارككم بعض الأفكار التي تستطيعون تطبيقها مع التلاميذ قبل زيارة الكاتب:

1. حضّر لتلك الزيارة جيّدًا، واطلب من التلاميذ تحضير الأسئلة.
2. اطلب منهم تخيُّل الكاتب ورسمه.
3. اقرأ نصًّا للكاتب، وحلّله مع التلاميذ.
4. إعرض تأمّلات التلاميذ بعد قراءة القصّة.
5. اطلب منهم تخيُّل نهاية مختلفة للقصّة.

لقد كنت أحضّر مع التلاميذ لتلك الزيارات والمقابلات، مع كتاب فرنسيّين، بصفتي مدرّس لغة فرنسيّة لحوالي الشهر. نكتب، نرسم، نؤلّف، نحوّل القصص لمسرحيّات وأفلام وغيرها من المشاريع المرتبطة بالواقع، والتي تنمّي التفكير النّاقد والإبداعيّ.

أتمنّى أن تنال هذه الأفكار إعجابكم وفي انتظار تعليقاتكم.