المعلّمات والمعلّمون السوريّون اللاجئون في لبنان: بين ضغوط اللجوء وعوامل الرفاه في العمل
تعدّ مهنة التعليم من المهن الإنسانيّة التي تبني الأجيال وتصنع مستقبلهم، ويعدّ المعلّم الركيزة الأساس في هذه العمليّة، وأيّ تأثير في أدائه المهنيّ ينعكس في تربية الأطفال وتطوّرهم الأكاديميّ.
المعلّمات والمعلّمون السوريّون اللاجئون في لبنان: بين ضغوط اللجوء وعوامل الرفاه في العمل
تعدّ مهنة التعليم من المهن الإنسانيّة التي تبني الأجيال وتصنع مستقبلهم، ويعدّ المعلّم الركيزة الأساس في هذه العمليّة، وأيّ تأثير في أدائه المهنيّ ينعكس في تربية الأطفال وتطوّرهم الأكاديميّ.
حمّود امجيدل | متخصّص في الإرشاد المدرسيّ -سوريّا/لبنان

لم يكن محمود معلّم اللغة العربيّة واللاجئ في لبنان منذ سنة 2015، يتصوّر أن تكون مهنته عبئًا عليه، وهو الذي اختارها حبًّا بها، يقول: "خلال عملي في سوريا كان للتعليم ضغوطات كأيّ مهنة، إلّا أنّ عملي في المهنة ذاتها في ظلّ ظروف اللجوء، ازدادت ضغوطاته كثيرًا نتيجة عوامل جعلتني أتخلّى عن مهنتي مدرِّسًا، والعمل بائع ملابس في أحد المتاجر".

 

تعدّ مهنة التعليم من المهن الإنسانيّة التي تبني الأجيال وتصنع مستقبلهم، ويعدّ المعلّم الركيزة الأساس في هذه العمليّة، وأيّ تأثير في أدائه المهنيّ ينعكس في تربية الأطفال وتطوّرهم الأكاديميّ. تبدأ العمليّة التعليميّة من عمليّة التحضير للدروس والتفاعل اليوميّ مع الطلّاب، وتنتهي بمدى تحقيق الأهداف التربويّة والتعليميّة. من هنا، وجود معلّم قادر على تحقيق تلك الأهداف يرتبط بعوامل ذاتيّة واجتماعيّة ومهنيّة محيطة بعمله وقدرته على التكيّف مع ظروف صعبة، ومن أقساها اللجوء.  

 

في سياق الحديث عن المعلّمين اللاجئين في لبنان، هناك تحدّيات إضافيّة تقع على عاتقهم، منها عوامل اللجوء، والأمان الوظيفيّ، والتمثيل النقابيّ، وقدرة الحصول على الدعم اللازم للاستمرار والعطاء، والتي نتعرّف إليها تعرّفًا موجزًا بتجربة معايشة الظروف مع المعلّمين، فضلًا عن عوامل الرفاه التي يتطلّعون إليها؛ علمًا أنّه من الصعب الإحاطة بأسباب الضغوط كافّة، وعوامل الرفاه، وعرضها، لكن سنحاول التركيز على بعضها.  

 

الاستقرار الوظيفيّ والماديّ 

يعدّ الأمن الوظيفيّ من أسس نجاح أيّ منظّمة. فلا توجد منظّمة ذات إنتاجيّة عاليـة إلّا ويتحقّق الأمن الوظيفيّ فيها، ويتمتّع به جميع الموظّفين، إذ ينعكس انعدام تحقيق الأمـن الـوظيفيّ وتدنّي درجاته على مدى إنتاجيّة المنظّمة ونجاحها، حتّى وإن كانـت تـضمّ كفـاءات مرتفعـة ومتخصّصة (معروف وآخرون، 2018). يشكِّل الاستقرار الوظيفيّ عاملًا مهمًّا وجزءًا رئيسًا في حياة المعلّمين اللاجئين وحقوقهم، فالاستقرار الوظيفيّ يشبِع الحاجات المادّيّة. ويعدّ الأجر أهمّ العوامل التي تؤثِّر في حياة الشخص الذي يؤدّي عملًا، مهما كان نوعه، إذ هو المورد الوحيد للرزق، أو على الأقلّ المورد الرئيس الذي يعتمد عليه جميع الأشخاص في قضاء ضرورات الحياة.  

 

إلّا أنّ المعلّم اللاجئ يعاني تحدّيًا مرتبطًا بعدم توفّر الاستقرار لأسباب مختلفة، منها أنّ معظم المعلّمين لا يحقّ لهم، قانونيًّا، العمل في المدارس الرسميّة في لبنان، أو لا تتوفّر لديهم الأوراق التي فُقدت بسبب الحرب، أو يواجهون صعوبة في الحصول عليها من سوريا لتحقيق شروط العمل في المدارس الخاصّة. لذلك، ينحصر عملهم في بعض المنظّمات العاملة مع اللاجئين في بعض الضواحي والمخيّمات، وقليل من المدارس الخاصّة. وبالتالي، ليس هناك فرص لاستمرار الاستقرار الوظيفيّ والماديّ، فالمعلّم مهدّد دائمًا بخسارة مصدر رزقه. ويعمل المعلّمون اللاجئون في بعض منظّمات مراكز دعم الأطفال اللاجئين، وتكون تلك المراكز تابعة لمنظّمات تعمل لفترات قصيرة من السنة، لا تتجاوز ستّة أشهر، برواتب لا تكفي احتياجاتهم المادّيّة، ويبقى المعلّم بدون فرص عمل أو بدون مدخول ماديّ في فترة الانقطاع عن التعليم؛ ممّا يشكِّل عبئًا ماديًّا يهدّد استقرارهم الوظيفيّ. 

 

أثر اللجوء والتنقّل في الاستقرار الاجتماعيّ  

إن كان المجتمع المدرسيّ صورة مصغّرة من المجتمع الإنسانيّ، وإن كان المعلّمون يعانون المشكلات النفسيّة والاجتماعيّة التي يعانيها الأفراد عامّةً، فلديهم مشكلاتهم الخاصّة بطبيعة مهنتهم؛ حيث وصِفت مهنة التدريس بأنّها من أكثر المهن التي يواجه أصحابها الضغوط، حيث تقع على عاتق المعلّمين مسؤوليّة تحقيق الأهداف التربويّة التي يسعى أيّ مجتمع لتحقيقها (عميري، 2018). ويعدّ الاستقرار الاجتماعيّ عاملًا مهمًّا في التأثير في حياة الإنسان، ويتمثّل في وجود الشخص ضمن الإطار العائليّ والاجتماعيّ الذي نشأ فيه، مع استقرار في الظواهر الاجتماعيّة والثقافيّة التي يعيش ضمنها. كما يكون تهديد الاستقرار الاجتماعيّ لدى المعلّمين اللاجئين بالتنقّلات المتكرِّرة بحثًا عن الأمان، ولا سيّما في الفترة الأخيرة التي ترافق الحديث عن الترحيل وتشديد الإجراءات الأمنيّة. يضاف إلى ذلك صعوبة وصول بعض المعلّمين إلى أماكن عملهم، حيث يضطر معظم المعلّمين إلى التنقّل والنزوح إلى مناطق مختلفة، والبحث عن فرص في أكثر من منطقة، وعدم الثبات في أماكن العمل. تذكُر معلّمة لاجئة في إحدى المدارس أنّها خلال فترة اللجوء في لبنان انتقلت إلى أكثر من منطقة، وتركت منزلها للبحث عن فرص عمل، وشكّلت تلك التنقّلات ضغطًا كبيرًا عليها وعلى عائلتها. تعبِّر عن ذلك بقولها: "حالة عدم الاستقرار تفقدني التركيز في مهمّاتي التعليميّة مهما حاولت التكيّف مع الظروف". 

 

عوامل رفاه المعلّمين وبيئة العمل 

تقع على عاتق المعلّمين السوريّين اللاجئين في لبنان تجربة تعليميّة مُجهِدة كثيرًا، ولا سيّما أنّهم يتعاملون مع أطفال لاجئين، لهم خصوصيّة التعامل لنزع آثار الحرب واللجوء عنهم، ودعمهم قدر الإمكان. في الوقت ذاته، يعانون تجربة اللجوء وآثارها النفسيّة، مثل عوامل الفقدان، والانتماء، والهويّة، والتمييز، وغموض المستقبل. فضلًا عن مجموعة عقبات تواجه بيئة العمل وخارجها في بلد اللجوء، ومن أهمّها التعامل معهم كلاجئين لا تحقّ لهم ممارسة العمل. ومع الأسف، غالبًا ما يكون هناك تركيز على رفاهية الأطفال وتجاهل رفاهية المعلّمين واحتياجاتهم؛ حيث لاحظ المعلّمون بتجاربهم أنّ ضغوط بيئة العمل تؤثِّر في أهداف العمليّة التعليميّة تأثيرًا غير مباشر، وذلك بتأثّر الطلّاب أحيانًا بحالة المعلّم وشعوره واستعداده وتفاعلاته الصفّيّة، أو الطاقة التي يتمتّع بها أثناء إعطاء الدرس. فيؤثِّر المناخ السلبيّ في الصفّ في الطلّاب وطريقة اكتسابهم المعلومات.  

 

يذكر لاجئ سوريّ يعمل في إدارة مركز تعليميّ، أنّ المدارس في السنوات الأخيرة لم تعد توفِّر المستوى ذاته من التمويل لتعزيز وسائل رفاه المعلّمين، من أنشطة الدعم النفسيّ وأنشطة تفاعليّة في المراكز أو خارجها، وذلك مع خفض التمويل في المنظّمات التي تدعم التعليم، والتي كانت تخصِّص تمويلًا للأنشطة وتدريب المعلّمين، واقتصرت التمويلات على الحصص التعليميّة الأساسيّة فحسب. كما أنّ غالبيّة الإدارات المدرسيّة لا تمتلك ثقافة تدعم وسائل الرفاه في البيئة التعليميّة، ولو بالحدّ الأدنى. 

 

* * * 

مع كلّ ما تحمله الضغوط التي تحيط بالمعلّمين اللاجئين، لا بدّ من التركيز على رفاه المعلّم أساسًا لتحسين البيئة التعليميّة، وإن كان الجانب المادّيّ ذا أهمّيّة، فالتركيز على الجانب المعنويّ من تقدير الذات، وحسن التواصل مع المعلّمين، واحترام رسالتهم والتخفيف من الضغوط والمهمّات الموكلة إليهم من دون ضرر بالعمليّة التعليميّة، مهمّ أيضًا. كما تؤدّي الإدارة المدرسيّة دورًا مهمًّا في خلق بيئة آمنة ومستقرّة، حين لا تستغلّ جهود المعلّمين وظروفهم لخفض أجورهم. ومن المهمّ أن يكون الإداريّ التعليميّ مؤهّلًا لقيادة الفرق التعليميّة من الناحية الإنسانيّة والمهنيّة. تذكر منال، اختصاصيّة نفسيّة ومدرّبة، أنّه عندما يتمكّن المعلّمون من إدارة الضغوط وكيفيّة التعامل معها، ويشعرون بالاحترام والتقدير، ينجزون مهمّاتهم التعليميّة والحياتيّة بطريقة أفضل، ما ينعكس إيجابًا على الطلّاب أيضًا. 

 

المراجع 

- عميري، خديجة. (2018). الضغوط النفسيّة وتأثيرها في أداء المعلّم. جامعة أحمد دراية أدرار.  

- معروف، أنس معن، ومحمود، يزن نافع، والأطرقجي، أسامة محمد (2018). الأمان الوظيفيّ ودوره في خفض دوران العمل في المنظّمات التعليميّة: دراسة حالة في الجامعات الأهليّة. مجلّة جامعة جيهان.