تتوزّعُ المسؤوليّات في المدرسة على عددٍ من العناصر البشريّة، التي تبدأُ من المدير انتهاءً بالمعلّمين، والذين لا يقتصرُ دورهم على ذلك، بل تترتّبُ عليهم المشاركة في العمل الإرشاديّ المدرسيّ، وتوجيه الطلّاب، بما يُحقّق المعايير والأسس التعليميّة والتربويّة، إلّا أن العنصر الأهمّ في عمليّة الإرشاد، هو المرشد المدرسيّ، إذ دون وجوده ومتابعته، لا يمكن تنفيذ أي برنامج إرشاديّ في المدرسة؛ كونه الأكثر تأهيلًا وقدرةً على أداء هذه المهام، ولديه الخبرة والمهارات اللّازمة لتوجيه الطلّاب، ومدّ يد العون والمساعدة لهم.
من هو المرشد المدرسيّ؟
كثيرة هي المؤلّفات المتخصّصة بالإرشاد المدرسيّ والتربويّ، التي اهتمّت بوضع تعريفات ومفاهيم تصفُ بالتحديد من هو المرشد المدرسي، اعتمدت هذه المؤلّفات على مرجع معيّن أو مصادر أكاديميّة. برأيي إنّ أفضل مفهوم يمكن استخلاصه للمرشد المدرسيّ هو المرتبط بطبيعة عمله في المدرسة؛ أي المستنتج من واقع العمل المدرسيّ، والميدان التعليميّ، الذي يعدّ المصدر الأوّل والأساسيّ لأي مفهوم متصل به، سواء بشكلٍ مباشر أو غير مباشر. ومن هُنا، يمكن توضيح أهمّيّة وجود المُرشد كعنصر فعّال في مجتمع المدرسة؛ إنّ سماع الطالب لجُملة "اذهب إلى المرشد"، من قِبل المعلّم بصيغتها هذه أو بطريقة أخرى تُشير إلى مضمونها، سيتركُ لديه عددًا من التساؤلات، حتّى لو قالها المعلم من أجل مصلحة الطالب، وتقديم المساعدة له.
إنّ المهام المتنوّعة، والمترتّبة على المرشد المدرسيّ، أدّت إلى تعدّد المفاهيم والتعريفات المتصلة به، ومن واقع عملي في التعليم، أرى أنهُ الشخص الذي يُساعد الطلّاب، ويُقدّمُ لهم المساندة في حلّ المشكلات التي تواجههم، كما يسعى، من خلال الحصص الإرشاديّة خلال العام الدراسيّ، إلى إيجاد بيئة تعلّم مدرسيّة آمنة، سواء بين الطلّاب أو مع المعلّمين، وأيضًا يُمثّل المرشد المدرسيّ الصديق، والأخ، والموجّه، الذي يُرشدُ الطالب نحو الصواب، ويساهمُ في تطبيق معايير تعديل السلوك، التي تعالجُ الكثير من القضايا الطلّابيّة، والمشكلات المؤثّرة في واقع البيئة التعليميّة. ومن هُنا، يُعدُّ المرشد في المدرسة أداة إصلاح للأخطاء، ومشاركًا في التغيير نحو الأفضل، بالتعاون مع المعلّمين والإدارة المدرسيّة والطلّاب، الذين يُشكّلون جميعًا شركاء أساسيّين في العمل الإرشاديّ.
صفات المرشد المدرسيّ
يتبادرُ لذهني سؤالٌ مهم، وهو: هل الصورة السابقة، التي وضّحتُ فيها من يكون المرشد المدرسيّ، تنعكسُ على جميع المرشدين في الميدان التربويّ؟ الإجابة للأسف لا؛ لأن المرشد المدرسيّ الناجح هو الذي يمتلك مجموعة من الصفات، التي، برأيي، تُشكّل جزءًا أساسيًّا من شخصيّته الوظيفيّة، حتّى لو لم يمتلكها في الحقيقة، ولكن من الضروري أن يجعلها صفاته العامّة، انطلاقًا من كونها تُحدّدُ مستوى نجاحه في أداء مهامه، وتظهرُ في مبادرته الدائمة لتقديم المساعدة للطلّاب، والاطلاع على أحوالهم وظروفهم، ومتابعتهم داخل المدرسة وخارجها، كما يجبُ أن يتميّزَ بالصبر، وحُسن الاستماع والإنصات، فمن الضروري أن يسمع أكثر من أن يتكلّم، تحديدًا عندما يتابع إحدى قضايا الطلّاب، وأيضًا من المهم أن يمتاز بالرحمة والعطف والتسامح، مع التحلّي بالموضوعيّة في حلّ المشكلات، فلا يُغلّبُ طالبًا على الآخر، بل يجب أن يتعامل مع جميع الطلّاب بمساواة. وأرى أنّ المرشد المدرسيّ، الذي يمتاز بهذه الصفات، وغيرها، هو مرشدٌ ناجحٌ، ويُحقّق أهمّ صفة يُؤدّي إليها جميع ما ذُكر: هي الإخلاص في العمل.
مسؤوليّة المرشد المدرسيّ في التعامل مع الطلاب
تقعُ على عاتق المرشد المدرسيّ مسؤوليّة مباشرة في التعامل مع الطلّاب، ومعرفة أحوالهم وقضاياهم، فهو المتخصّص بمتابعة المشكلات التربويّة والاجتماعيّة لدى كلّ طالب، ويعدُّ رابطًا مشتركًا بين المدرسة من جهة، وأولياء الأمور من جهة أخرى، تبدأُ مسؤوليّته من تحلّيه بجميع الصفات التي تجعلهُ قادرًا على أن يُنفّذ عملهُ بأمانة، وبعيدًا عن أي تقصير. كم جميل أن يُدرك المرشدون المدرسيّون ذلك، تحديدًا الجُدد، الذين تنحصرُ معلوماتهم ومهاراتهم الإرشاديّة بدراستهم الجامعيّة، بالتالي ضحالة الخبرة العملية المُستخلصة من التجارب الواقعيّة، والتعامل المباشر مع الطلاب، ثم تُبنى هذه المسؤوليّة على بُعدين: الأوّل إداريّ ومهنيّ، والثاني تربويّ واجتماعيّ. فإداريًّا ومهنيًّا، المرشدُ هو الذي يُخطّط لاجتماعات أولياء الأمور بالتنسيق مع إدارة المدرسة، بهدف مناقشة بعض الملاحظات والتوجيهات حول أحد الطلاب أو بشكلٍ عام، ويُشاركُ في وضع خطّة إرشاديّة تتناسب مع الحاجات الطلّابيّة، وتعالجُ المعضلات المفاجئة وغير المتوقّعة، مثل متابعة حالات الغياب المتكرّرة، أو التسرب والانقطاع عن الدراسة.
ويأتي البُعدُ التربويّ الاجتماعيّ مرتبطًا بالدور الإنسانيّ لدى المرشد المدرسيّ، الذي يظهرُ في تبنّيه الحالات الخاصّة لعدد من طلاب المدرسة، وسعيه إلى المشاركة في تخفيف وطأتها عليهم، مثل تقديم استشارات للطالب، الذي يواجهُ مشكلات أسريّة، كانفصال الوالدين أو فقدان أحدهما، وما يترتب على ذلك من تأثير في مستوى أدائهِ التعليميّ، كما يُساهم في علاج كثير من الظواهر الاجتماعيّة، مثل رهاب المدرسة، والتنمّر، فيُوجّهُ الطلّاب إلى تجنّبها، ويساعدهم، من خلال حصص التوجيه الجمعيّة، على التخلّص منها، بمناقشتها وتحديد أسبابها، ووضع حلول لها، كذلك يُقدّمُ استشارات لأولياء الأمور حول القضايا التي تهمّ الطلّاب، وتُعنى بهم مباشرة، مثل صعوبات التعلّم، وأيضًا يُشاركُ في اكتشاف مواهب الطلاب، وهواياتهم، بما يُشجعهم على أن يكونوا مبدعين ومتميّزين.
يتضحُ ممّا سبق أن دور المرشد المدرسيّ مهمٌ ومؤثّرٌ جدًّا في المدرسة، لما لهُ من أثر إيجابيّ في مساعدة الطلاب على حلّ المشكلات التي تواجههم، وتوجيه كل طالب نحو اختيار المسار الذي يُحقّقُ أهدافه وطموحه، وتشجيعه على زيادة ثقته بنفسه، وهكذا لا يُمكنُ أن ينجحَ عمل المدرسة دون وجود مرشد مدرسيّ يمتلكُ الخبرة الإرشاديّة، والمؤهّلات اللّازمة، والمهارات المطلوبة، مثل الاتصال، والإصغاء، والحوار ، والدعم النفسيّ، وغيرها، ما يُساهم في إيجاد بيئة تعلّم وتعليم نموذجيّة، ويُشاركُ في إرساء أساسات المجتمع المدرسيّ، وجعله قليل المشكلات، كثير الإنجازات.