شتّان ما بين الحاضر والماضي عندما نتحدّث عن التعليم في اليمن، فإذا ما تحدّثنا عنه قبل أن تضرم الحرب نيرانها فإنّنا سنراه في حالة لا بأس بها ضمن الظروف الخاصّة حينها، حيث كانت الاستمراريّة فيه أفضل من تطويره.
أمّا الآن تحت وطأة الحرب، فإنّ التعليم يكابد الكثير من الأسى والإرهاق، مرورًا بإيقاف رواتب المعلّمين، وليس انتهاءً بعمالة الأطفال والفقر، بالإضافة إلى كوفيد-19 في الآونة الأخيرة، وفقر التكنولوجيا. إنّ ما تعانيه اليمن حقًّا هو وضع صعب؛ إذ إنّ جودة التعليم الحاليّ لا تساهم في نهوض المجتمع، وعند هذه النّقطة نستطيع القول: إنّ الحرب وكوفيد-19 يضربان التعليم في مقتل.
تسبّبت الحرب في انقطاع الأجور الشهريّة للمعلّمين، ما أدّى إلى هجران المدارس من قبل بعض المدرّسين، والطّلّاب الّذين لم يجدوا من يعلّمهم، وبسبب ارتباط التعليم بالقرارات السياسيّة. التأثير السياسيّ البحت والانقسام في اليمن أدّيا إلى فوضى عارمة في المنظومة التعليميّة؛ فبين أحزاب سياسيّة وطائفيّة يكمن الكثير من التفاصيل الغامضة المتعلّقة ببثّ الأفكار الفرديّة والطائفيّة بين طيّات الكتاب المدرسيّ.
عدم استشعار المسؤوليّة، أو اللّامبالاة من قبل الأطراف المتنازعة أدّت إلى تفشّي الغشّ في الوسط التعليميّ، والتسرّب المدرسيّ، وعمالة الأطفال، وظهور كلّ ذلك على مواقع التواصل الاجتماعيّ، والمتاجرة به لجذب المساعدات والمعونات الدوليّة، ودخول بعض القضايا المتعلّقة بالتعليم ضمن المناكفات السياسيّة.
ومن خلال استبيان أجرته منصّة "منصّتي 30" الإلكترونيّة في اليمن، تبيّن أنّ جودة التعليم في اليمن لا تساهم في نهوض المجتمع، إذ أيّد الفرضيّة 92% من المشاركين، بنسب متقاربة بين الفئات جميعها المختلفة من حيث النّوع، العمر، والجغرافيا، بالمقابل وفي فرضيّة ثانية مفسّرة عن "هل إذا تحسّن مستوى التعليم سيتحسّن الوضع الاقتصاديّ؟" أيّد الفرضيّة 96%، ورفضها 4% من المشاركين.
يبدو أنّ للاقتصاد وسوق العمل شروطهما، لهذا يُؤمن 80% من المشاركين في استبيان "منصّتي 30" الإلكترونيّة، أنّ مخرجات التعليم في اليمن لا تتوافق مع متطلّبات سوق العمل، ويبدو أنّ الأكثر إدراكًا لهذه الجزئيّة هم الّذين تفوق أعمارهم 35 سنةً (83% منهم) والأقلّ إدراكًا لها هم الّذين تقلّ أعمارهم عن العشرين سنةً (67% منهم).
في اليمن يكابد أولياء الأمور معاناةً كبيرةً في محاولة توفير احتياجات أبنائهم للمستلزمات المدرسيّة من أدوات قرطاسيّة، وملابس بالإضافة إلى الهمّ المتجدّد الدائم لهم وهو الكتاب المدرسيّ الذي وضمن القانون اليمنيّ للتّعليم لا بدّ من أن توفّره وزارة التعليم بشكل مجّانيّ، وعادةً ما تبوء هذه المحاولات بالفشل، يجد الطّالب نفسه تحت وطأة الظروف الاقتصاديّة التي ولّدتها الحرب مقودًا دون سابق إنذار للعمل، ومحاولة كسب المال لتوفير لقمة العيش في الوقت الذي كان يفترض به أن يتواجد بين معلّم وكتاب.
هُنا فاصلة، وبعدها يقال: إنّ مستقبلًا أكثر ظلمةً ينتظر أجيالًا بأكملها من أبناء اليمن...
ماذا عن شبح كوفيد-19 في اليمن، حيث سوء البنية التحتيّة الصحّيّة والتقنيّة وضعف الإمكانيّات من إنترنت ومعدّات، سواءً على الصعيد الطبّيّ أو التكنولوجيّ، كلّها تعصف بالتعليم وخاصّةً عن بعد.
ولكنّ وقع الوباء في اليمن لم يكن كوقعه على بقيّة دول العالم فأحداثه غريبة نوعًا ما؛ ففي وقت اكتساح الوباء للعالم لم يكن قد أثبت وجوده في اليمن حالات مؤكّدةً إلّا أنّ السلطات اليمنيّة قامت بإغلاق المنشآت والصروح التعليميّة تحت عذر إجراءات وقائيّة.
المشكلة تكمن بإغلاق المدارس والجامعات في ظلّ عدم توفير بدائل تعليميّة، بسبب ضعف الإنترنت وعدم توفّر الأجهزة الإلكترونيّة خاصّةً في الأرياف، وفي الوقت الّذي أثبت وجود حالات مؤكّدة بالوباء قامت السلطات برفع الحجر وأتمّت الاختبارات النّهائيّة لجميع المراحل التعليميّة تحت ضغوطات شديدة ووسائل احترازيّة ضعيفة ودون إتمام المناهج الدراسيّة.
القصّة المحكيّة هنا تعبّر عن جميع الأطراف المتنازعة في اليمن، لم نجد ولن نجد أيّ تطوّر تعليميّ لدى هذه الأطراف حتّى على مستوى النّطاق الجغرافيّ الخاضع لسيطرتها.
يبقى السؤال إلى متى يستمرّ الوضع في هذه الحال؟ فرص حصول الآلاف من الأطفال على التعليم متفاوتةً ونسبيّةً حتّى لدى المدارس الخاصّة لم يعد التعليم ذا ربحيّة مجزية، وفائدة تعليميّة ملفتة، عند قرار وزارة التعليم خصخصة التعليم، وفتح المدارس الخاصّة في العام 2002. هُنا رشوة ووساطات ومحسوبيّة وتزايد أعداد الأمّيّة، وانعدام نظام تعليم، وقوانين وأنظمة ولوائح تخضع لأفكار فرديّة.