يحتلّ مفهوم البيداغوجيا موقعًا مُهمًّا ضمن المُعجم التربويّ المُعاصر، وقد تعرّضت دلالتُه لتحوّلات عميقة حمّلتهُ دلالات فلسفيّة ونفسيّة واجتماعيّة وسياسيّة. لكنّ مفهوم البيداغوجيا ظلّ مُلازما للمجال التربويّ، يُفرز، عبر تفاعُلاته مع المستجدّات المعرفيّة العلميّة، بيداغوجيات مختلفة تستهدف الارتقاء بالتعليم.
تُعرّف البيداغوجيا لغةً بتربية الأطفال أو فنّ تربية الأطفال، وهو التعريف الذي يُعطى لها في المعاجم العامّة. أمّا معناها اصطلاحًا، فهي نظريّةٌ عمليّةٌ موضوعها التفكير في نُظُم التربية وطرائقها من أجل تحسين نتائجها وتوجيه نشاط المربّين وتقييمه (أوگان، 2002). والبيداغوجيا بهذا المعنى تدرُس قوانين عمليّة التربية وبنيتها وآليّتها، وتضع نظريّةً ومنهجيّةً لتنظيم العمليّة التربويّة التعليميّة ومضمونها ومبادئها وأشكالها التنظيميّة وطرائقها وأساليبها (داود، 2014). وقد ينصبّ اهتمامها، إضافة إلى التعلّم والمناهج الدراسية والتقييم، على الكفاءة والتميّز والفشل في طرُق التدريس (Alexander, 2008).
عُدّت البيداغوجيا فنّ التدريس أو علمَ التدريس، وأحيانًا مهنة التدريس. وهناك من يدمِجُ في تعريفها الفنّ والعلم في آن واحد، مُستخدمًا عبارة علمَ فنّ التدريس "The science of the art of teaching"، مشيرًا إلى علم يُطوّره، باستمرار، المعلّمون المُبتكرون والباحثُون الأكاديميّون الذين يُحلّلون المُمارسات التعليميّة (.(Pritchard, 2007 وتُشير البيداغوجيا، بشكل عامّ، إلى أيّ نشاط واعٍ مُصمَّم من قبل شخصٍ لتعزيز التعلّم لدى شخصٍ آخر (Mortimore, 1999). وبالتالي فهي تُحيل إلى المهارات والمُقاربات التي يستخدمُها المُعلّمون لتحقيق الأهداف من دروسهم، أو المناهج التي يُوظّفونها في التدريس، والتي تختلفُ من مُعلّم إلى آخر، ومن وقت إلى آخر، تبعًا لطبيعة مادّة التدريس، أو الاستجابات المُحتملة للأطفال المُستهدَفين في عمليّة التدريس (Pritchard, 2007).
تتميّز البيداغوجيا عن التدريس كفعلٍ، بكونها فعلًا وخطابًا في الوقت نفسه؛ فهي تشمل أفكار المُعلّمين، ومعتقداتهم، ومواقفهم، ومعرفتهم، وفهمهم للمنهاج الدراسيّ، وعمليّة التدريس، والتعلّم، والطلّاب. أي كلّ ما يُفكّر فيه المعلّمون بالفعل، ويفعلُونه ويقولُونه في الفصلِ الدراسيّ، وكُلّها تؤثّر في ممارساتهم التعليميّة. وتستندُ مُعتقدات المُعلّم إلى المتغيّرات السياقيّة، فضلًا عن الجوانب الاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة (Alexander, 2008).
يُطبّق المعلّمون المبادئ البيداغوجيّة مع مجموعة واسعة من الجماعات والأفراد يُمثّلون تحدّيات متنوّعة، وفي بيئات متعدّدة. ويعتمدُ تنفيذُ مُقاربة بيداغوجيّة إلى حدّ كبير، على الأحكام التي يُصدرها المُعلّم المُحترف، والمهارات العمليّة التي اكتسبها ومارسها ((Pritchard, 2007.
تكون البيداغوجيا المستخدمة في التدريس فعّالةً إذا كانت واضحة الأهداف، حاملةً لتوقّعات عالية وقادرة على توفير الحافز، ومؤهلّة فنيًّا ومتناسبة مع غرضها، ومُتطوّرة نظريًّا (Mortimore, 1999). أضف إلى ذلك أن تكون النظريّة التعليميّة المُعتمَدة مُتكاملة مع المعرفة الحِرفيّة للمُعلّم، أيْ معرفة ما يصلُح في المُمارسة ((Pritchard, 2007. والبيداغوجيّ الفاعلُ هو الذي يمتلك المهارة في اختيار تقنيّات التدريس المناسبةِ من أجل تيسير عمليّة التعلّم (Mortimore, 1999).
المراجع
- داود، أحمد عيسى. (2014). أصول التدريس النظرى والعملي. دار يافا العلمية للنشر والتوزيع.
- روبول، أوليفيي. (2002). لغة التربية: تحليل الخطاب البيداغوجي. (ترجمة: أوگان، عمر). إفريقيا الشرق.
- Alexander, R. (2008). Essays on Pedagogy. Routledge.
- Mortimore, P. (Ed.). (1999). Understanding Pedagogy and Its Impact on Learning. Paul Chapman Publishing.
- Pritchard, A. (2007) .Effective Teaching with Internet Technologies Pedagogy: and Practice. Paul Chapman Publishing.