صَدرَ كتاب "إعادة اختراع التعليم" لإسماعيل سراج الدين، في طبعته الأولى، عن مكتبة الإسكندريّة عام 2015، وهو في الأصل مجموعة أفكار ألقاها الكاتب في محاضرة باللغة الإنجليزيّة في الاتّحاد العالميّ للجامعات، نُقلت إلى العربيّة، حسب قوله، سدًّا لفجوة التنظير في قضيّة إصلاح التعليم في مصر والعالم العربيّ.
احتوى الكتاب على مقدّمة وأحد عشر فصلًا في موضوعات متنوّعة وثيقة الصلة بمشكلات التعليم، مقترحًا الحلول لتجاوزها. وانصبّ التركيز من بداية الكتاب إلى نهايته على قضيّة إصلاح نظام التعليم والتّدريب في مصر خاصّةً والعالم العربيّ عمومًا، في ظلّ التغيّر العالميّ السّريع الذي فرضته ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات، التي أفرزت ثورة المعرفة الجديدة، مشدّدًا على كون سياسات الماضي، مهما كانت ناجحةً، ليست بالضرورة الأنسب لمواجهة تحدّيات المستقبل.
يؤكّد الكتاب، في إشارة إلى أعطاب منظومة التّعليم، على أنّ العملية التّعليمية في مصر طغت عليها الرغبة في إخراج أعداد كبيرة من الخرّيجين، ويكون ذلك أحيانا على حساب مضمون العمليّة التّعليميّة نفسها، وهو في نظره ما يُسهم في تخلّف منظومة التّعليم والتدريب عن تلبية متطلّبات العصر.
ويرى الكتاب أنّ الإصلاح الأساسيّ لنظام التعليم والتدريب يتطلّب الخروج عن الرؤية النمطية التي تربط بين الشهادة الدراسيّة والتوظيف، ويدعو إلى الانخراط في السياق العامّ لعالم القرن الحادي والعشرين، المتّجه نحو "الاقتصاد المعرفيّ" الذي يقوم على العِلم والمعرفة، وعلى خدمة شعار التعلّم مدى الحياة.
ويتوقّع الكتاب، فيما لو سعت مصر والعالم العربيّ إلى إصلاح نظام التعليم والتدريب، أن يحدث تغيير في تركيبة مؤسّسات التعليم والتعلّم، وفي المختبرات العامّة والخاصّة ومعاهد البحوث أيضًا، إذ سيصبح التعلّم المستمرّ أكثر من مجرّد شعار؛ إنّه سيصبح ضرورةً اقتصاديةً، وسيتطلّب السوق مهارات جديدةً، وتُجبَر الشركات على التنمية المستمرّة لمهارات قوّة العمل الخاصّة بها. ومن المرجح أن يَمُسّ التحوّل في التّعليم المحتوى، والمشاركين، والطرائق، والتنظيم المؤسّسيّ.
ينتقل الكتاب إلى الكشف عن شروط مواكبة مصر للتحوّلات العالميّة الراهنة، ومن ضمنها توفير مناخ عامّ منفتح يسمح بازدهار الديمقراطيّة وتقدّم العلم، ويُكرّس التّسامح وحبّ الاستطلاع والنقد البنّاء، بوصفها قيمًا يتعيّن تعزيزُها، لأجل تقدّم العِلم وتعميق النظرة العلميّة العقلانيّة ونهجها القائم على الأدلّة والدعوة إلى التعقّل.
ويضيف الكتاب أنّ مواكبة العصر لا تعني أن نكون مجرّد مستهلكين للتكنولوجيا، بل ينبغي أن نُعزّز قدراتنا، بصورة أكبر، في مجال البحث العلميّ وتطوير التكنولوجيا، لنتحوّل فعليًّا إلى مُنتجين للمعرفة، مؤكّدًا أنّ تطوير القدرات الذاتيّة في مجال العلوم والتكنولوجيا لا يُعدّ ترفًا، بل هو ضرورة مطلقة ستؤدّي حتمًا إلى إعادة تصميم البنية التحتيّة للمعرفة بما فيها نظام التّعليم من مرحلة ما قبل المدرسة إلى مرحلة ما بعد الدراسات العليا؛ والمؤسّسات البحثيّة في الجامعات؛ والمختبرات المستقلّة والتابعة للقطاع الخاصّ، والبنيات الداعمة للمعرفة والثقافة، والتي تتمثّل في المكتبات ودور المحفوظات والمتاحف، ما سيفضي إلى تحوّلها، ومساهمتها بصورة فعّالة في خلق وظائف وفضاءات جديدةً لممارسة الثقافة.
ينتهي الكتاب إلى أنّ إصلاح النظام التعليميّ ومؤسّسات البحث العلميّ في تفاعل مع التقدّم التكنولوجيّ المذهل، والاكتشافات العلميّة الحديثة، سيُبوّئ مصر مرتبة الدول المؤثّرة في صياغة الشكل المستقبليّ للعالم. ويُراهن الكتاب في ذلك على أمرين هما: التخلّص من البيروقراطيّة الخانقة التي تقوم على الأقدميّة، ودعم الشباب وإتاحة حريّة الابتكار والتنفيذ لهم.