أثر التنمّر في البيئة الدامجة: كيف نحمي طلّابنا؟
أثر التنمّر في البيئة الدامجة: كيف نحمي طلّابنا؟
جالا رزق | محاضرة وباحثة في علم النفس الإكلينيكي في جامعة غلاسكو- فلسطين/ المملكة المتّحدة

البيئة المدرسيّة مهمّة للتطوّر العقليّ والمفاهيميّ والعاطفيّ والاجتماعيّ عند الأطفال والشباب. لذلك، علينا أن نؤمِّن بيئة مدرسيّة آمنة وداعمة لطلّابنا تقيهم المشكلات المؤثّرة، ولا سيّما التنمّر. فالتنمّر يهدّد شعور الطلّاب بالأمان والاستقرار ويؤدّي إلى عواقب نفسيّة وأكاديميّة سلبيّة. في هذه المقالة، ألخّص عناصر التنمّر الرئيسة، والعواقب السلبيّة المتعلّقة بالتعرّض للتنمّر، مركِّزة على فئة من الطلّاب المعرّضين للتنمّر، وأنهي بنصائح للوقاية من التنمّر في المدارس.   

 

عناصر التنمّر  

يعرِّف تحالف مكافحة التنمّر التنمّر "بالأذى المتكرّر والمتعمّد لشخص أو مجموعة، من شخص أو مجموعة أخرى، حيث تُعرّف العلاقة باختلال توازن القوى. وقد يكون التنمّر جسديًّا أو لفظيًّا أو نفسيًّا. ويمكن أن يحدث وجهًا لوجه أو عبر الإنترنت".

فالعناصر الأساسيّة الثلاثة التي تشكِّل التنمّر تعتمد على وجود التكرار، والنيّة المتعمّدة، واختلال توازن القوى في العلاقة. والسلوكات التي قد تشكِّل التنمّر متعدّدة، ومنها الدفع والركل وعزل الآخر والسخرية والاستهزاء والاقصاء الاجتماعيّ... (تمكن مراجعة أمثلة أخرى في صفحة تحالف مكافحة التنمّر).  

وتفيد إحصاءات عالميّة بأنّ ظاهرة التنّمر منتشرة في المدارس (UNESCO). وهذا أمر مقلق، فعواقب التنمّر كثيرة، وتشمل آثارًا قصيرة المدى وطويلة المدى. وفي مراجعة شاملة لأبحاث علميّة عن التنمّر، نُشرِت سنة 2018، تلخّص الباحثة لويز آرسينولت عواقب التنمّر، والتي تتضمّن تدهور راحة الطلّاب النفسيّة وتفاقم بعض الحالات النفسيّة مثل القلق والاكتئاب، ما قد يؤدّي إلى مشكلات سلوكيّة وصعوبات أكاديميّة وتهميش اجتماعيّ وشعور بالوحدة عند الطلّاب. ولا تتوقّف هذه العواقب السلبيّة عند الأطفال والشباب فحسب، بل قد تستمرّ في مرحلة البلوغ. لذلك، يُعتبر التشديد على أهمّيّة التعريف والتدخّل المبكر في المدارس أمرًا حاسمًا لحماية الطلّاب.  

 

تنمّر؟ ليس تنمّرًا؟

من المهمّ التفرقة بين التنمّر وسلوكات أخرى، ذلك أنّ التدخّل المناسب يعتمد على طبيعة السلوك، فمن غير الصحيح أن نعَرِّف كلّ سلوك غير مرغوب فيه أو مؤذٍ، بأنّه تنمّر. وفي الوقت نفسه، علينا أن نكون يقظين وحذرين عند وجود التنمّر، وألّا نتجاهله. وعند محاولة تحديد السلوك بالتنمّر، يجب أخذ العناصر الأساسيّة الثلاثة (وجود التكرار، والنيّة المتعمّدة، واختلال توازن القوى في العلاقة) بعين الاعتبار. هنا، أقدّم امثلة لسلوكات مختلفة قد تصنّف تنمّرًا، وقد تمثّل أخرى سلوكات غير مقبولة:

1. نشب خلاف بين نادين وسارة في الممرّ. ركلت نادين حقيبة سارة.  هذا سلوك غير مقبول، لكن لا يوجد سبب لنظنّ بأنّ سلوك نادين متكرِّر؛ فالسلوك كان ردّ فعل غير مقبول على خلاف معيّن. كذلك، لا يوجد دليل على حصول اختلال في توازن القوى في علاقة نادين مع سارة.  

2. طارق يعاني عجزًا في النطق، ويُتأتئ غالبًا في الحديث. وهناك مجموعة من الطلّاب في صفّه يقلّدونه ويسخرون من طريقة حديثه كلّما شارك في نقاش صفّيّ. هذه الحالة تنمّر، حيث تظهر العناصر الأساسيّة الثلاثة بالكامل.

3. عمر يصرّ على أنّ راشدًا أخفى دفتره، فيذهب عمر وراشد إلى الممرّ ويتقاتلان. هذا سلوك غير مقبول. لكن، كما رأينا في المثال الأوّل، عنصرا التكرار واختلال توازن القوى في العلاقة غير موجودين في هذا المثال. 

4. تعاني نور التوحّد، ومن حساسيّة الأصوات العالية. ترتدي نور سمّاعات عازلة للصوت خلال الفرصة الصباحيّة وداخل قاعة الرياضة. تلاحقها مجموعة من الطالبات وتصدر أصواتًا عالية خلال الفرص الصباحيّة. هذا تنمّر، حيث تظهر العناصر الأساسيّة الثلاثة بالكامل.

5. لين طالبة جديدة في المدرسة. يسخر زملاؤها في الصف من تصرّفاتها وشكلها، ويقصونها من جميع الفعّاليّات المدرسيّة والاجتماعيّة. هذا تنمّر، حيث تظهر العناصر الأساسيّة الثلاثة بالكامل.

 

التعرّض إلى التنمّر

هناك فئات من الطلّاب والطالبات هم الأكثر عرضة إلى التنمّر من غيرهم، وللأسف غالبًا ما يكونون طلّابًا ذوي احتياجات خاصّة، والذين يعانون اضطرابات النموّ العصبيّ كالتوحّد، واضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (Hellström, 2019: Martínez-Cao, 2021). وهناك أبحاث طويلة المدى تابعت تطوّر الأطفال والشباب لسنوات، أكّدت أنّ شدّة الاضطرابات تزيد عرضة الأطفال والشباب للتنمّر، وللصعوبات الاجتماعيّة (Rizeq et al., 2022; Thompson et al., 2023). تناقش هذه الأبحاث أسباب عرضة الأطفال والشباب إلى التنمّر، ومنها نقص الثقة بالنفس، وصعوبة التحكّم بالعواطف والسلوك، وصعوبات في المهارات الاجتماعيّة. حيث تشكّل هذه الصعوبات عاملًا أساسيًّا في خلق اختلال توازن القوى في العلاقات الاجتماعيّة بين الطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصّة وذوي اضطرابات النموّ العصبيّ، وغيرهم من الطلّاب، فتزيد من عرضتهم إلى التنمّر. يُضاف إلى ذلك أنّ تعرّض الطلّاب إلى العنف في منازلهم أو إلى التهميش الاجتماعيّ يزيد من عرضتهم إلى التنمّر أيضًا. وللأسف، في بعض الأحيان، تكون هذه العوامل مرتبطة ومركّبة، وتزيد من حدّة العواقب السلبيّة التي يعيشها الأطفال والشباب. 

تحديد العوامل التي تعرّض الطلّاب إلى التنمّر يساعد المعلّمين والمعلّمات والمدرسة عامّةً، على توفير دعم للطلّاب المعنيّين. ولكن، يجب التأكيد على أنّ التعرّض إلى التنمرّ عند هذه الفئات لا يعني أنّ التنمّر مشكلتهم، بل هو ظاهرة مؤذية للبيئة التعليميّة والتعلّميّة عامّةً، وتحتاج تدخّلًا مدرسيًّا. أمّا السبب الرئيس في التركيز على التعرّض إلى التنمّر فهو تمكين الكادر التعليميّ من حماية الطلّاب وتوفير بيئة مناسبة وآمنة لجميع الطلّاب؛ فظاهرة التنمّر تهدِّد أسس البيئة الدامجة التي تبنّتها العديد من المدارس والمناهج التعلّميّة العصريّة. فتبنّي سياسة مدرسيّة دامجة لا يكفي للحفاظ على بيئة دامجة، إذ يتطلّب ذلك فكرًا وفعلًا أخلاقيًّا وتعاونيًّا لحماية الطلّاب من العنف بأشكاله، والتنمّر بحدّ ذاته.   

 

نصائح للحماية من التنمّر 

الترابط الاجتماعيّ والمسؤوليّة الاجتماعيّة عنصران رئيسان لتنمية بيئة دامجة وشاملة. فالأبحاث والتجارب العلميّة والعمليّة تفيد بأنّ الحدّ من التنمّر ليس بالأمر السهل، ويتطلّب تعاونًا وإقبالًا من جميع المهتمّين بشؤون الطلبة، من الإدارة إلى الطلّاب. لذلك، فالأطر المدرسيّة الشاملة هي التي يُنصَح بها، وهي تتضمّن: تطوير سياسة مدرسيّة داعمة وآمنة لجميع الطلّاب؛ مشاركة الأهل والطلّاب في تطوير السياسة وتطبيقها؛ توفير تدريب للمعلّمين والمعلّمات؛ وتوفير خدمات للرفاه النفسيّ وبرنامج حماية الطلّاب. وللمهتمّين في الاستزادة في الموضوع، يمكن التعرّف إلى الإطارالكامل، ومراجعة تقرير التدخّل، هُنا، National Association of School Psychologists، ومراجعة تقرير عن التدخّلات المبكرة في المدارس للحدّ من مشكلات الطلّاب النفسيّة، فجزء منها يركِّز على التنّمر.  

أمّا إذا أرادت المدرسة تطوير نهج شامل للحماية من التنّمر، فقد تساعد الخطوات الآتية في التخطيط والتطبيق: 

  • - من المفضّل أن تشكِّل المدرسة لجنة مهتمّة بشؤون التنمّر والحماية منه. وهذه اللجنة قد تتضمّن مختلف الموظّفين من الكادر التعليميّ، وممثّلين عن الأهل والطلّاب. يشمل الدور الرئيس للجنة تحديد أولويّات المدرسة للحماية من التنمّر والحدّ من عواقبه، وتطوير سياسة مدرسيّة للحماية منه، وتطبيق هذه السياسة بنهج وبرنامج مدرسيّ، فضلًا عن تقييم فعّاليّة النهج والبرنامج.  
  • - توفير تدريب معرفيّ للكادر التعليميّ عن التنمّر وعوارضه وعواقبه، وتدريب عمليّ يساعدهم على تطوير سياسات صفّيّة للحماية من التنمّر، ومهارات لتيسير نقاش صفّيّ مع الطلّاب يسهِم في توفير بيئة دامجة وعلاقات اجتماعيّة إيجابيّة، ويحمي من العنف والتنمّر بمختلف أشكاله.  
  • - توفير خدمات استشاريّة نفسيّة للطلّاب عند الحاجة. 
  • - تطوير برامج وفعّاليّات دامجة بين الطلّاب، لتحفيز الصداقات والعلاقات الاجتماعيّة الإيجابيّة.  
  • - توفير برامج تدريبيّة للطلّاب لتنمية مهاراتهم الاجتماعيّة والعاطفيّة والسلوكيّة، إذ قد يساعد ذلك في تحسين راحتهم النفسيّة وثقتهم بالنفس وحمايتهم من التنمّر. وهنا، أؤكِّد مرّة أخرى على أنّ التركيز على تحديد الطلّاب الأكثر عرضة، ودعمهم بتدريب قدراتهم الاجتماعيّة، ليس بالحلّ الرئيس، ولا يغني عن السياسة المدرسيّة والنماذج الدامجة، لحماية جميع الطلّاب ومشاركتهم، بل بنموذج داعم للطلّاب قد يساعد على تنمية قدراتهم وأفقهم المستقبليّة.  

 

* * *

التنمّر ظاهرة منتشرة، وتحتاج إلى نهج تشاركيّ يشمل المدرسة والمعلّم والأهل والطالب، للوصول إلى تفاهم حول طبيعة التنمّر وعواقبه والحدّ منه. ركّزت على الضحيّة أو المتنمَّر عليه في هذه المقالة، ولم أتطرّق إلى الحديث عن حالة المتنمِّر وعوارضها، والتي تتطلّب نقاشًا أطول. يجب ألّا نقلّل من عواقب التنمّر، بل العمل على الحدّ منها بالتعاون على تمييز التنمّر عند حصوله وتوفير الدعم اللازم.  

 

المراجع  

- Thompson, K. N., Agnew-Blais, J. C., Allegrini, A. G., Bryan, B. T., Danese, A., Odgers, C. L., Matthews, T., and Arseneault, L. (2023). Do Children with Attention-Deficit/ Hyperactivity Disorder Symptoms Become Socially Isolated? Longitudinal Within-Person Associations in a Nationally Representative Cohort. JAACAP Open. 1(1). 12-23. https://doi.org/10.1016/j.jaacop.2023.02.001   

- Rizeq, J., Kennedy, M., Kreppner, J., Maughan, B., and Sonuga-Barke, E. (2022). Understanding the prospective associations between neuro-developmental problems, bullying victimization, and mental health: Lessons from a longitudinal study of institutional deprivation. Development and Psychopathology. 36(1). 40-49. https://doi.org/10.1017/s095457942200089x   

- Hellström, L. (2019). A systematic review of politicization among children with Attention Deficit Hyperactivity or Autism Spectrum Disorder. International Journal of Environmental Research and Public Health. 16(13). 2280. https://doi.org/10.3390/ijerph16132280 

- Martínez-Cao, C., Gómez, L. E., Alcedo, M. Á., and Monsalve, A. (2021). Systematic review of bullying and cyberbullying in young people with intellectual disability.Education and Training in Autism and Developmental Disabilities. 56(1). 3-17.