معلّمتي الصَّغيرة وخبز الجنّة
معلّمتي الصَّغيرة وخبز الجنّة
2024/08/12
أسماء رمضان مصطفى | مُعلّمة لُغة إنجليزيّة- فلسطين

أتسوّق في محيط مخيّمنا، بعض الباعة البسطاء يتجولّون ببعض ما حصلوا عليه من خضار وأطعمة متوفّرة في القطاع. وقبل أن أنهيَ جولتي، أفاجأ بتلميذتي إيمان تمشي نحوي على خجلٍ، تبتسم من بعيد، وتحملُ كرتونةً مهترئةً، تضع فيها قطعة قماش كبيرة تطويها مرّات عديدة كي تتحمّل كمّيّة الخبز الذي تتجوّل فيه، لتبيعه لأهل المخيّم.

عندما اقتربت احتضنتها بقوّة؛ عرفت أنّها تعمل من بعد ظهيرة كلّ يوم، لتعود إلى خيمتها عندما تنتهي من بيع آخر رغيف تحمله. دعتني إيمان إلى تناول رغيف معها، وأقسمت عليّ كي أتذوّقه. أخذتُ منه جزءًا وشكرتها، قلت: "يا إيمان، هذا أزكى خبز آكله في حياتي".

طارت فرحًا طفلتي التي لم تتجاوز العشر سنوات.

تحدّثنا كثيرًا عن "العلم والعمل"، ولن أنسى حديثها أبدًا ما حييت؛ تقول لي بكلّ ثقة: "أنا تعلّمتُ منكِ يا مِس، أشتغل عشان أعيش، وتعلّمت أن أعتمدَ على نفسي، وأساعد أسرتي، وتعلّمتُ منكِ حُبّ الحياة".

لم تعلم صغيرتي أنّها كانت هي المعلّمة، وأنا تلميذة في أحد صفوفها، أحبّ الحياة كما تحبّها معلّمتي الصغيرة.

راحت تترنّح بضفائرها وهي تقطع الشارع إلى جانبه الآخر، وقفتُ أراقبُ خطواتها وهي تقفزُ فرحًا حتّى أوشكت أن تغيب عن ناظري.

وفي كسرة من ثانية قامت الدنيا ولم تقعد، وتناثر كلّ شيء ملطّخًا بالدم في المكان... أشلاء الشهداء في كلّ مكان ودماؤهم تملأ الشارع الذي كانت قد سلكته إيمان ترقص طربًا وحبًّا في الحياة.

هرعتُ نحو المكان المقصوف، وجدتُ خبزَ إيمان ولم أجدها.

كانت قد قضمت كسرة خبز قبل أن تفارقني، إيمان ستكمل الآن طعامها في الجنّة.