ما الاستراتيجيّة الأكثر فعاليّة التي استخدمتها في الغرفة الصفّيّة، وكيف تجاوب الطلبة معها؟
في الحقيقة، التعليم عمليّة حيويّة وتفاعليّة تتطلّب من الأستاذ أن يكون متمكّنًا من العديد من المداخل والاستراتيجيّات التعليميّة، وأن ينوّع توظيفها خلال المواقف التعليميّة المختلفة. من بين هذه الاستراتيجيّات، نجد "التعليم البنائيّ" الذي يرتكز إلى بناء المهارات الحياتيّة ودمج المعارف مع التجارب الميدانيّة، عبر إسقاطها على واقع الحياة، ما يمكّن المتعلّم من حلّ المشكلات والتفكير بإيجابيّة، فضلًا عن امتلاكه القدرة على التحليل والتركيب والاستنباط.
ومن المقاربات التعليميّة الهادفة، نجد "العصف الذهنيّ" الذي يتيح للمتعلّمين مساحة للتفكير حول محور معيّن أو مشكلة ما، من خلال استثارات ذهنيّة تحفّزهم على استحضار الأفكار والمعارف السابقة. ومن الطرق المفيدة في هذا السياق، العمل في شكل مجموعات، وهو أسلوب إيجابيّ وملهم للعديد من المتعلّمين، مع ضرورة ضبطه تنظيميًّا من قبل الأستاذ.
كيف توازن بين توظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعيّ، والحفاظ على الجوانب الإنسانيّة والتفاعل الشخصيّ في التعليم؟
تعتبر التكنولوجيا رافدًا أساسيًّا في العمليّة التعليميّة، لكنّها لا يمكن أن تحلّ محلّ الدور التعليميّ والتربويّ والنفسيّ للأستاذ. تُسهم التكنولوجيا في توضيح العديد من المفاهيم التجريديّة، خصوصًا في مجالات العلوم الطبيعيّة والتكنولوجيا والكهرباء والهندسة المدنيّة. كما تُساعد في خلق الدافعيّة نحو التعلّم وتجاوز السآمة والروتين القاتلين في العمليّة التعليميّة. ومع ذلك، تظلّ المهارات التعليميّة للأستاذ المحور الرئيس في إدارة العمليّة التعليميّة.
في بداية المسار المهنيّ في التعليم، يكتشف المعلّمون ممارسة خطأ يرتكبونها عن حسن نيّة، فماذا اكتشفت؟ وماذا فعلت في ذلك؟
من بين الأخطاء التي اكتشفتها، كان الإطناب في الشرح واستخدام لغة أدبيّة معقّدة، ما أدّى إلى التوسّع في شرح المفاهيم وعدم التحكّم في الحيّز الزمنيّ للحصّة. هذا الأمر كان يسبّب إرهاقًا للمتعلّم، ويُغرقهُ بكمٍّ معرفيّ كبير. بعد فترة، أدركت أنّ السبيل الأفضل للتعليم هو الدّقة والاختصار، وتبسيط المفاهيم من خلال التحضير الجيّد والمسبق للدرس. يتعيّن أيضًا تنويع الأمثلة القريبة من ذهن المتعلّم، وإشراكه في بناء الدرس، مع انتقاء الأسئلة التي تستهدف الحصول على إجابات دقيقة، مع الإيجاز في الإملاء، تحت شعار: "نكتب قليلًا ونفهم كثيرًا".
افترض أنّك تقوم بإعداد ورشة عمل للمعلّمين، ما الموضوعات التي تشعر بأهمّيّتها لتطوير مهاراتهم التعليميّة، والتفاعل مع الطلّاب؟
من الموضوعات التي أعتبرها في غاية الأهمّيّة والأولويّة، تطوير مهارات المعلّمين في مجال البيداغوجيا بمختلف اختصاصاتها. فلا يمكن أن يصبح الشخص معلّمًا بمجرّد الحصول على التكوين الجامعيّ، مهما بلغت رُقيّ الدرجات العلميّة. إذ إنّ التكوين البيداغوجيّ المتخصّص هو الوحيد القادر على صقل المهارات التعليميّة، وإرساء الكفاءات المطلوبة في الأستاذ. ومن الاختصاصات الضروريّة في هذا المجال: تعليميّة الموادّ؛ علم النفس البيداغوجيّ؛ علم النفس المعرفيّ؛ التقويم والتقييم؛ الاتّصال التعليميّ؛ طرائق التدريس.
هل ترى أنّ التشبيك والحوار بين المعلّمات والمعلّمين في العالم العربيّ مهمّ في خضمّ ما يمرّ بهِ التعليم من أزمات؟ وهل تقترح مبادرةً لتحقيق التشبيك بينهم؟
نعم، لا بدّ من ذلك لتوسيع الاستشارات، وتكوين قاعدة بيانات واسعة ومتنوّعة من الخبرات والمهارات والتجارب من بيئات ثقافيّة واجتماعيّة متباينة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تنظيم ملتقيات حضوريّة وعبر الإنترنت، وتنظيم زيارات ميدانيّة، وإيجاد فضاءات للتلاقي والحوار والاستفادة البينيّة. مثال على ذلك هو التجربة الرائدة لمجلّة "منهجيات"، التي توفّر فضاء خصبًا للكتابة واستعراض التجارب الشخصيّة، وطرح مقاربات متنوّعة حول مناهج التعليم وتحدّياته المعاصرة. كما يجب تنظيم لقاءات دوريّة بين أساتذة ومعلّمين من مختلف أنحاء البلدان العربيّة، لمعالجة إشكالات ومحاور تصبّ في صميم القضايا التربويّة، والتباحث حول الآفاق المنظورة.
كيف تتعامل مع أولياء الأمور وتشجّعهم على المشاركة في تعليم أطفالهم؟
من خلال التواصل الدائم مع المؤسّسة التعليميّة، متابعة أبنائهم في علاقاتهم مع أساتذتهم وزملائهم ومع الإدارة. مع ضرورة التشارك والتعاون والتجاوب البنّاء والإيجابيّ مع المؤسّسة، في ما يخصّ متابعة تعلّم أبنائهم وسلوكهم داخل المؤسّسة، والتعاطي بشكل جدّيّ وإيجابيّ مع توجيهات الأساتذة والإدارة وملاحظاتهم، حتّى ولو كانت سلبيّة.
كيف تُحافظ على عافيتك وصحّتك النفسيّة في ظلّ التحدّيات المستمرّة؟
من خلال تنويع النشاطات عبر ممارسة الرياضة والسفر والمداومة على القراءة والكتابة وتطوير المهارات.
ما استراتيجيّاتك الشخصيّة لتنظيم الوقت عند تغطية الأعباء المتزايدة؟
إتمام كل عمل في أجله وتجنب مراكمة الأعمال، لأنّ هذا يؤدّي إلى الارتجال والإخلال بجودة العمل، مع ضرورة التخطيط الجيّد للوقت وللمهام وتحديد الأولويات بدقّة، مع الحرص الدائم على تطوير المهارات الذاتيّة وتعلّم أساليب جديدة في إنجاز الأعمال، واستغلال التكنولوجيا الحديثة في تنمية الأداء الوظيفيّ والتعليميّ.
اذكر أثرًا إيجابيًّا لمهنة التعليم في حياتك الشخصيّة، وآخر سلبيًّا.
الأثر الإيجابيّ: حبّ مساعدة الآخرين، والصبر على التربية والتعليم، والقدرة على فهم السلوك البشريّ، لا سيّما في شقّه التعليميّ والتربويّ. أما الأثر السلبي: فهو الإرهاق الذهنيّ، والأتعاب الصحّيّة الناجمة مع إدامة التفكير والتحضير والتركيز، وتحمّل الاختلافات البشريّة في السلوك والأخلاق والاستعدادات الذهنيّة والفوارق الفرديّة.
ما أطرف حادثة حصلت معك في مسيرتك التعليميّة؟
كثيرة هي الحوادث الطريفة، ولعلّ أبرزها ما أجده في نهاية ورقة الامتحان من عبارات الاستجداء من طرف بعض التلاميذ الذين لم يتمكّنوا من الحصول على المعدل الكافي للانتقال، أو بعض الإجابات المستغربة خلال تصحيح امتحان شهادة البكالوريا، خصوصًا في مادّتَي التاريخ والجغرافيا.