عبد الله المكحّل- نائب مدير- الأردنّ
عبد الله المكحّل- نائب مدير- الأردنّ
2024/08/22

ما الاستراتيجيّة الأكثر فعاليّة التي استخدمتها في الغرفة الصفّيّة، وكيف تجاوب الطلبة معها؟

بدايةً الاستراتيجيّة وسيلة وليست هدفًا، بمعنى أنّها مجرّد وسيلة ناقلة للمهارة أو المعرفة، وما يحدّد نوع الاستراتيجيّة هو الخصائص العمريّة للطلّاب، وطبيعة المنهج والمعرفة والمهارة. لذا، خلال فتري عملي معلّمًا كان تركيزي على مجموعة من البُنى التعاونيّة التي تعزز ثلاثة أمور مقصودة عندي:

  • - اكتشاف المعرفة.
  • - التعبير عنها بلغة الطالب وأسلوبه.
  • - احتفاظ هذه المعرفة في الذاكرة طويلة المدى.

 ويتطلّب تطبيق أية استراتيجيّة تدريبًا عليها وصبرًا. ومع الوقت، يتقن المتعلّمون هذه الاستراتيجيّات، ويصبح تطبيقها آليًّا والتفاعل معها حماسيًّا.

 

كيف توازن بين توظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعيّ، والحفاظ على الجوانب الإنسانيّة والتفاعل الشخصيّ في التعليم؟

نعاني اليوم بقوّة صلابةً في كسر حواجز العلاقات مع طلّابنا، ويسري كثير من الجمود في الغرفة الصفّيّة. وتحوّلت بعض الغرف الصفّيّة إلى ما يشبه خطّ الإنتاج في المصانع، هذا كلّه من دون وجود تقنية وذكاء اصطناعيّ فما بالك مع وجودها؟ لكنّي أعتقد جازمًا أنّ توظيف التقنية والذكاء الاصطناعيّ سيكون له دور فاعل في بناء علاقات وجوانب إنسانيّة، إذا أحكم التخطيط لها؛ مثل توليد أسئلة تثير دافعيّة الطلّاب، وتوفير بدائل لمعزّزات تثير حماسهم وتفاعلهم، وبناء أنشطة تعطي المتعلّم فرصة ثانية للنجاح وتحقيق الهدف. وهذه جوانب تفاعليّة نسعى لها بقوّة، وهذا ما يسعى له الطلّاب من تحقّق العدالة وتكافؤ الفرص بغضّ النظر عن جنسهم وأصولهم ومستوياتهم، بعيدًا عن تحيّزات بعض المعلّمين في هذا الجانب. لكنّ كلّ هذا يجب أن يتمّ بعد تدريب المعلّمين وتأهيلهم، وليس الاقتصار على مجهودات فرديّة ومحاولات شخصيّة.

 

في بداية المسار المهنيّ في التعليم، يكتشف المعلّمون ممارسة خطأ يرتكبونها عن حسن نيّة، فماذا اكتشفت؟ وماذا فعلت في ذلك؟

  • - كنت أشعر بالفوقيّة تجاه الطلّاب، وأنّ فيهم أسوأ الصفات الجهل وسوء الأدب على الرغم من أنّ سبب قدومهم إلى المدرسة كان من أجل أن نعلّمهم ونربّيهم. ولم أنتبه لمعنى أنّهم هنا لأعلّمهم وأربّيهم.
  • - كنت أشعر بالندّيّة مع الطالب المشاغب، وأن سلوكه يستهدفني شخصيًّا. لذا، كان شعاري (يا أنا، يا هوَ)، وكنت أشعر بالحقد والغضب على من يكسر قوانيني. كنت أظنّ أنّ الطالب يعرف المطلوب منه إذا دخل الغرفة الصفّيّة، وعليه فورًا الالتزام من دون تنبيه أو تدريب أو تذكير.
  • - كنت أركّز على التلقين وسرعة إنجاز الدروس. وكنت أظنّ أن وجود الطالب في الغرفة الصفّيّة يعني أنّه منتبه. وكنت أظنّ أنّ الدرس إذا كان واضحًا لي فهو أيضًا واضح للطالب. وكنت أظنّ أنّ عدم سؤال الطلّاب وعدم استفسارهم دليل على أنّهم يفهمون ما أقول.
  • - كنت عندما أغضب من سلوك الصفّ أتوقّف عن الشرح، وأقول "انتهى شرح الدرس، اللي عنده سؤال يسأل".
  • - كنت أتعرّف إلى مستويات الطلّاب فقط من خلال الاختبارات، وقبل ذلك لا أعرف مستوياتهم من خلال تشخيص تفاعلهم خلال الحصص مثلًا.
  • - كنت في غرفة المعلّمين أتحدّث عن الطلّاب لا معهم، وكانت علاقتي بهم تنتهي مع قرع الجرس.
  • - كنت أعتبر أنّ الاجتماع مع الإدارة مضيعة وقت.
  • - كانت المناوبة في الساحة فرصة للدردشة مع زملاء العمل وليس لمتابعة الطلّاب.

وأخيرًا، لا شك أنّ هناك الكثير من الأخطاء غير ما ذكرت، يقابلها كثير من النجاحات، عبر الاستفادة من برامج التدريب التي تسّرع الخبرة وتنمّيها وتجوّدها وتحسّن الأداء والعلاقات مع المتعلّمين.

 

افترض أنّك تقوم بإعداد ورشة عمل للمعلّمين، ما الموضوعات التي تشعر بأهمّيّتها لتطوير مهاراتهم التعليميّة، والتفاعل مع الطلّاب؟

محور أي تدريب تربويّ لا يخرج عن مواضيع إدارة الصفّ واستراتيجيّات التدريس، لأنّ هذا جوهر عملنا نحن المعلّمين، وما يحدّد موضوع التدريب طبيعة التخصّصات ومستويات الخبرات. ولكن إذا ترك الأمر لي لأختار، فسوف اختار تدريب المعلّمين على الصلابة النفسيّة ومقاومة الضغوطات والتوتّرات، بما يعزّز لديهم القدرة على الحفاظ على الصحّة البدنيّة والنفسيّة، فهذا موضوع تمسّ الحاجة إليه كثيرًا.

 

هل ترى أنّ التشبيك والحوار بين المعلّمات والمعلّمين في العالم العربيّ مهمّ في خضمّ ما يمرّ بهِ التعليم من أزمات؟ وهل تقترح مبادرةً لتحقيق التشبيك بينهم؟

شكرا على هذا السؤال القيّم، أكثر ما نحتاج إليه اليوم هو التواصل من خلال تطبيقات داعمة للتشبيك الخبراتيّ، ويعتبر التشبيك الحيّ أفضل من المسّجل، ولا سيّما عبر تطبيقات البثّ المباشر، ما يعزّز التفاعل وطرح أسئلة واستقبال إجابات.

 

كيف تتعامل مع أولياء الأمور وتشجّعهم على المشاركة في تعليم أطفالهم؟

تختلف مشاركة أولياء الأمور في تعليم أطفالهم باختلاف مراحل الأطفال العمريّة، لكنّي مع فكرة إنجاز الطالب لجميع متطلّبات العمل في المدرسة، وعد أخذ معه شيئًا للبيت، لأنّ أعباء أولياء الأمور تكاثرت وهناك تغيّر اجتماعيّ ضيّقَ من الخُلق والوقت عند أولياء الأمور، فنشأت مشاجرات بين الأمّهات والآباء وأولادهم بسبب متطلّبات الدراسة، علمًا أنّ الحلّ كان بيدنا معلّمين وإدارة مدرسة.

 

كيف تُحافظ على عافيتك وصحّتك النفسيّة في ظلّ التحدّيات المستمرّة؟

هذا سؤال المليون، كانت أعباء العمل في التعليم شيء لا يكاد يذكر، أيّام الكُتّاب وحلقات التعليم، لكن عندما أصبح التعليم مهنة ذات راتب، دخل عليها بعض من ليس أهلًا لها، وأصبح التعليم إلزاميًّا للأطفال، فدخل التعليم من لا يريد التعليم ولا يسعى له. ومع منع رسوب الطلّاب مهما كان مستواهم، ومع ظهور المدارس الخاصّة التي تفوّقت على المدارس الحكوميّة من حيث التجهيزات، ظهرت الأعباء التي تقلّص من جودة حياة المعلّمين. لكنّي سوف أختصر الجواب في جملتين: دومًا التخطيط المسبق يوفّر وقتنا خلال العام الدراسيّ، ويعطينا مساحة لإنجاز بعض التكليفات ذات الأولويّة. ودومًا الإجراءات الوقائيّة لإدارة سلوك الطلّاب أفضل من الإجراءات العلاجيّة، وهذا كلّه يعزّز جودة حياة المعلّمين خلال وقت العمل وخارجه.

 

ما استراتيجيّاتك الشخصيّة لتنظيم الوقت عند تغطية الأعباء المتزايدة؟

جرّبتُ أمورًا كثيرةً لإنجاز الأعباء، كان أفضلها تدريس الصفوف ذاتها للأعوام التالية. هذا يعطيني فرصة لاستثمار التخطيط وأوراق العمل وخطط الأنشطة في السنوات السابقة، مع التعديل عليها من باب تطويرها والبناء عليها، بما يعزّز كوني في كلّ عام أفضل من سابقه.

 

اذكر أثرًا إيجابيًّا لمهنة التعليم في حياتك الشخصيّة، وآخر سلبيًّا.

انعكس عملي في التعليم على سلوكي خارج التعليم، ما عزّز عندي ممارسة التربية في سائر شؤون حياتي، سواء في بيتي أو حتّى في الشارع، فلا أسمع كلمة غير مناسبة إلّا وأستوقف الطفل، وأدير معه حوارًا عمّا قاله لغرض إنكار ما سمعته منه. وكذلك عندما أشاهد مشاجرات وتنمّر الأطفال، أسعى فورًا للتدخل، وأعتبر هذا أثرًا إيجابيًّا، لأنّ هذا غرضنا في مهنة التعليم: التغيير في الناس تغييرًا إيجابيًّا، وإحداث فرق في سلوكهم، فلا يكفي أن يكون الإنسان صالحًا، بل يجب أن يكون مُصلحًا.

 

ما أطرف حادثة حصلت معك في مسيرتك التعليميّة؟

في حكم خبرة ممتدّة عبر 33 سنة، مرّت بي مواقف كثيرة بعضها لا ينسى، وبعضها غاب مع مرور الأيّام. لكن، لا أنسى أني راقبت في اختبار للصفّ السادس عندما كنت معلّمًا مغتربًا، ووجدت مع طالب ورقة للغشّ، وتبين لي أنّها ليست بخّطه، بل بخطّ شخص كبير. وعندما سألته عنها، قال لي "أمّي كتبتها لي وقالت استخدمها عندما تحتاج إليها".