برأيكِ، ما هو دور سياسات المدرسة وإدارتها في خلق الجوّ الملائم لتكامل العمليّة التعليميّة؟
إنّ تقدير جهد المعلّم بكافّة الأشكال هو أعظم ما يمكن أن تقدّمه المدرسة وإدارتها للمعلّم، لخلق الجوّ الملائم لتكامل العمليّة التّربويّة. وليس معاملة المعلّم على أنّه جزء من تجارتها واستغلاله نفسيًّا ومادّيًّا.
وأقلّ ما يقدّر به جهد المعلّم هو كلمة شكر... فإذا قُدّر المعلّم قدّم كلّ ما لديه من أجل إنجاح المُتعلّم، وبالتّالي إنجاح المدرسة ورفع مستواها.
بالعودة إلى التعليم الوجاهيّ، ما الممارسات والتقنيّات التي استعملتها في التعليم من بُعد وأبقيتِ عليها الآن؟
حافظت طبعًا على تقنيّات التّعليم الحديثة من Video, PowerPoint وغيرها من التكنولوجيا الّتي لم نعد نستطيع تجاهلها خلال العمليّة التّعليميّة. بالإضافة إلى أساليب التّعليم الحديثة من العصف الذّهنيّ إلى لعب الأدوار، في درس القراءة مثلًا، وغيرها من الأساليب الّتي تجعل التّلميذ يشارك في شرح الدّرس، وبذلك أعمل على تعزيز الثّقة لديه بشكل غير مباشر.
كيف تخاطِبين الاهتمامات المتعدّدة للمتعلّمين، لا سيّما الشغوفون منهم بالفنّ والموسيقى والرياضة؟
من المهمّ أن يشجّعَ المعلّمُ التّلميذَ الموهوب والشغوف بالفنّ أو الموسيقى أو الكتابة أو الرّياضة. فبرأيي إن الشّغف هو نصف الموهبة، والّذي يكمّل هذه الموهبة هو التّشجيع من قبل المعلّم والأهل والرفاق.
على سبيل المثال، في صفّي تلميذة شغوفة بالرّسم، في وسط الشّرح تضع أقلام التّلوين على الطّاولة وتبدأ بالرّسم والتّلوين... فأعطي الصّفّ وقتًا محدّدًا للرّاحة، وأحاكيها بلغة الحبّ والتّشجيع عن رسوماتها، وأعطيها رأيي أحيانًا في أيّ الألوان تستعمل، فتفرّغ في هذا الوقت ما لديها، بل وعندما نتابع الدّرس تعود أنشط وأكثر تركيزًا.
هل متابعة مستجدات علوم التربية شرط وحيد للمعلّم الناجح؟ لماذا؟
إنّ متابعة مستجدّات علوم التّربية ليست الشّرط الوحيد للمعلّم النّاجح. ففي ظلّ ضيق سوق العمل وكثرة المُعلّمين، ما يجعل هذا المعلّم ناجحًا دون سواه هو درجة إبداعه. فالإبداع هو ما يميّز معلّمًا عن آخر. والإبداع أخو الابتكار والتفنّن في إيصال المعلومة إلى التّلميذ.
ما التغيّرات التي لحظتها عند الطلبة بعد تجربة التعليم عن بعد؟ وكيف تستثمرين هذا التغيّر في تجديد مقاربتك التعليميّة؟
أعتقد أنّه بعد تجربة التّعليم عن بعد أصبح الطّلبة أكثر تقديرًا للمدرسة كوجود مادّيّ. فقد عرفوا قيمة أن ينتظروا معلّمتهم المفضّلة عند باب المدرسة، ليقولوا لها "صباح الخير"، وبعضهم ليخبرها أخباره، والآخر مغامراته... كما أنّهم أدركوا قيمة أن يجتمعوا مع الرّفاق ويلعبوا معًا. أي إنّهم بشكل عامّ، عرفوا قيمة المشاركة.
وهذه القيمة بدوري قاربتها في الصّفّ والملعب، من خلال توزيع الأدوار وتكامل الفرد بالآخر.
من هو الطالب الشغوف بالتعلّم؟ وكيف توظّفين هذا الشغف في مادّتك أو الحصّة الدراسيّة؟
الطّالب الشّغوف بالتّعلّم هو الطّالب صاحب حلمٍ وطموحٍ يسعى لأن يحقّقه. وأنا أؤمن أنّ الإنسان بلا أحلام إنسان ميّت، أو على الأقلّ روحهُ يابسة. ففي أوّل يومٍ مدرسيّ، وخلال تعريف كلّ طالب باسمه، طلبت منه أن يقول لي حلمه، وماذا يريد أن يصبح عندما يكبر. وأنا بدوري أخبرتهم حلمي. المؤلم في الموضوع هو أنّه يوجد طلّاب بلا أحلام، ويوجد طلّاب مقلّدون لأحلام زملائهم.
لا بدّ من توظيف شغف التّلميذ في العمليّة التّعليميّة، ففي معرض كتابة موضوع وصفيّ بعنوان "جاري الطّموح" مثلا، ذكرتُ في الموضوع أنّ هذا الجار يريد أن يصبح طيّارًا، فتذكّر التّلاميذ حلم رفيقهم في الصّفّ وسمّوه باسمه، وبدأ كلّ منهم بتذكّر حلمه. وحافظت على تذكيرهم بأحلامهم ضمن العمليّة التربويّة، فعندما أشعر أنّ الصّفّ سيخرج من دائرة الانضباط، أذكّرهم: هل الطّبيب فلان يلهو في الصّفّ؟ وهل الشّرطيّ فلان لا ينتبه للشّرح؟
ما رأيك في ارتداء الطلّاب الزيّ الموحّد؟
طبعًا أنا مع ارتداء الطّلّاب الزّيّ الموحّد، ولا سيّما في زمننا هذا، زمن المادّيّات. فالزّيّ الموحّد يجعل الطّلّاب ينظرون إلى بعضهم البعض على أنّهم سواسية. وكوننا أمسينا في عصر جنون الموضة، فإنَّ الزّيّ الموحّد يلزم التّلميذ بلباسٍ منضبط بالحدّ الأدنى.
ما مُمارساتك اليوميّة التي توظّفينها لتحقيق الرفاه المدرسيّ؟
تحقيق الرّفاه المدرسيّ يبدأ عند تحديد الحقوق والواجبات لدى المعلّم ولدى إدارة المدرسة. فالرّفاه المدرسيّ يرتبط برفاه الأستاذ، فكلّما أعطي الأستاذ مساحة للتّعبير والعمل بحرّيّة وقدّرت الإدارة ما يقوم به، تحقّق الرّفاه المدرسيّ. وأبرز الأستاذ المدرسةَ بصورة أفضل.
ما مجالات التطوير المهنيّ التي تطمحين إلى أن تشاركي بها؟ لماذا؟
هناك العديد من مجالات التّطوير المهني الّتي أطمح إلى أن أشارك بها:
- - أهمّها في ظلّ الأزمة الخانقة في لبنان، تحصيل حقوق المُعلّمين والمعلّمات المهدورة في المدارس الخاصّة والرّسمية. ولن أخوض هنا في عالم الرّأسمالية والفساد المستشري...
- - تطوير أساليب معاملة المدرسة للمعلّم والتّلميذ، من حيث محاسبة كلّ منهما، ومن حيث الحرفيّة والموضوعيّة في التّعامل.
- - أمّا من حيث التّعليم، فأنا أؤمن بالتّربية قبل التّعليم، أو بالتّربية مع التّعليم. فما فائدة أن يصبح التّلميذ مهندسًا وهو راسب إنسانيًّا؟
- - هذا بالإضافة إلى كوننا في عصر التكنولوجيا والتّطوّر، فعلى كل إدارة أن تسهّل للأستاذ أساليب الإيضاح في المدرسة، لمساعدته على إيصال المعلومة، وليس الاتّكال عليه كلّيًّا في هذا الموضوع. فيكون الأستاذ مغبونًا في وقته. وأيضًا توفير وسائل التّكنولوجيا الّتي أصبحت في متناول كلّ المؤسّسات التّعليميّة. فليس معقولًا أن تتنقّل وسائل التكنولوجيا الخاصّة بالأستاذ معه بين البيت والمدرسة.
بماذا تنصحين شخصًا يريد أن يصبح معلّمًا؟
كلّ شخصٍ يودّ أن يصبح معلّمًا أنصحه بمقولة سمعتها وأحبّها: "أحبّ ما تعمل حتّى تعمل ما تحبّ".