برأيكِ، ما هو دور سياسات المدرسة وإدارتها في خلق الجوّ الملائم لتكامل العمليّة التعليميّة؟
لخلق جوّ ملائم لتكامل العمليّة التعليميّة داخل بيئة المدرسة، يجب الاهتمام الدقيق بالنقاط الآتية:
- - وضوح الرؤيّة والأهداف التي تسعى الإدارة المدرسية إلى تحقيقها، عند جميع أطراف العمليّة التعليميّة التعلّميّة: المعلّم، والمتعلّم، وأولياء الأمور؛ فالتحديد الواضح لمسؤوليّات كلّ طرف، بما فيهم المتعلّم، يعدُّ أمرًا هامًّا.
- - توفّر الأسلوب الديمقراطيّ القائم على فهم حقيقيّ لأهمّيّة احترام الكلّ للآخر داخل بيئة المدرسة وخارجها.
- - أن تكون كلّ طاقات المدرسة المادّيّة والبشريّة، مجنّدة لخدمة العمليّة التربوية فيها ولإنجاحها.
- - يجب أن تعمل إدارة المدرسة على إرساء العلاقات بين أعضاء التنظيم وتنظيمها، بحيث تكفل التنسيق بينهم سواء عن طريق التكامل الرأسيّ أو الأفقيّ، من أجل إنجاح العمليّة التعليميّة. ولا ننسى أهمّيّة وجود نظام جيّد للاتّصال، سواء كان هذا الاتّصال خاصًّا بالعلاقات الداخليّة للمدرسة، أو بينها وبين المجتمع المحلّيّ، وبينها وبين المؤسّسات التعليميّة الأخرى العامّة والخاصّة.
- - يجب على الإدارة أن تولي اهتمامًا خاصًّا للمهارات والمقدرات والحاجات الشّخصيّة لكلّ معلّم ومتعلّم.
- - تفعيل مفهوم التربية قبل التعليم، كونه من أهمّ المفاهيم التي تبنى عليها رؤية جيل الغدّ.
- - الاطّلاع على تجارب الدول العربيّة، وتبادل الخبرات، والزيارات الميدانيّة من أجل تكامل العمليّة التعليميّة، ونشر الجديد والنّاجح منها بشتّى الوسائل. ولا ننسى أهمّيّة وجود شبكة معلوماتيّة لربط برامج ونشاطات الإدارات المدرسيّة بعضها ببعض داخليًّا وخارجيًّا، لتعزيز التواصل والاطّلاع على الجديد، فتصبح المدرسة مكانًا ملائمًا لصقل شخصيّة المتعلّم، وتزويده بالخبرات الحياتيّة المختلفة.
بالعودة إلى التعليم الوجاهيّ، ما الممارسات والتقنيّات التي استعملتها في التعليم من بُعد وأبقيتِ عليها الآن؟
استخدم المعلّمون الكثير من التقنيّات والاستراتيجيّات أثناء فترة التعلّم عن بُعد، لتناسب ميول الطلبة وقدراتهم ومهاراتهم المختلفة. وبعد العودة إلى التعلّم الوجاهيّ، أبقى المعلّمون على ممارسة الكثير منها لأنّها تراعي أنماط التعلّم المختلفة، ولا سيّما السّمعيّة والبصريّة منها، وتراعي أيضًا الفروق الفرديّة، ومنها: كاهوت (Kahoot)، وجام بورد (Jam Board)، وجوجل فورم (Google form)، وورد وول (Word Wall)، وجوجل سلايدز (Google slides)، وتطبيق بادلت (Padlet)، وتطبيقات إلكترونيّة لتصوير فيديوهات قصيرة وتسجيلها. بالإضافة إلى استخدام استراتيجيّات التعلم النشط المتنوّعة والعمل التعاونيّ الثنائيّ والجماعيّ، وذلك سواء في عمليّة التعليم أو التقييم. كلّ هذه الوسائل تساعد في تقديم أسلوب تعلّم جديد وممتع ومفيد للطلبة. هذه الأدوات وغيرها، تمكّنت من تحفيز الطلّاب على التعلّم، والبحث عن المعلومات والحصول عليها عن طريق شبكة الإنترنت، خصوصًا أنّ مصادر المعرفة الرقميّة أصبحت من متطلّبات التطوّر العصريّة المؤثّرة في العمليّة التعليميّة، ولا ننسى أهمّيّتها في توفير الوقت والجهد.
كيف تخاطِبين الاهتمامات المتعدّدة للمتعلّمين، لا سيّما الشغوفون منهم بالفنّ والموسيقى والرياضة؟
الطفل فطرة نقيّة صافية وتربة خصبة، وصورة مجتمع الغدّ إنّما تُلمح من خلال طفل اليوم؛ فالأطفال أكثر انجذابًا إلى مثل هذا التنوّع الموجّه، إذ يؤدّي دورًا مرموقًا في مجال توجيه الأطفال، وإنماء مداركهم. ويعدّ ركنًا أساسيًّا في التربية الحديثة؛ فهذا التنوّع ينمّي المفاهيم التربويّة والأخلاقيّة والسلوكيّة والثقافيّة والتعليميّة للطفل، ويُزهر مواهبهم الفنيّة والإبداعيّة الحاملة للسمات الجماليّة لديهم. ويلبّي احتياجات الطفل الجماليّة والذوقيّة، ليكونوا قادرين على مواجهة معترك حياتهم بعد أن يتسلّحوا بالعلم والمعرفة.
من هُنا، يجب توظيف الموسيقى والفنّ والرياضة توظيفًا إجرائيًّا، بما يلبّي حاجات الطلبة تكاملًا مع حصص اللغة العربيّة، بحيث تعزّز مهارات الكتابة والتحدّث والإلقاء والفهم القرائيّ.
كما أنّ للفنون دورًا هامًّا في تعديل السّلوك غير المرغوب، وتلاشي التنمّر والعنف عند المتعلّمين. يعشق المتعلّمون هذه الفنون لأنّها تخاطب ميولهم، ويعبّرون من خلالها بكلّ صدق. ويمكن، بهذا الصدد، تصميم المحتوى ليناسب المناهج، ويراعي أنماط التعلّم المتنوّعة، كالسّمعية والبصريّة والحركيّة، ليكون الحاصل من العملية التعليميّة أكثر كفاءة.
هل متابعة مستجدات علوم التربية شرط وحيد للمعلّم الناجح؟ لماذا؟
متابعة مستجدات علوم التربية ليست الشرط الوحيد للمعلّم الناجح، فمن المهمّ أن يكون المعلّم ملّمًّا وذا اطلاع، ولكن هناك أمور أخرى تحملُ أهمّيّة بالغة، منها المعرفة العميقة والثريّة لمحتوى ما يعلّم، وصياغة نتاجاته وتحديد أهدافه الّتي يريد تحقيقها عند الطلبة، والاستخدام الأمثل والمناسب لاستراتيجيّات التدريس والتعلّم النشط، وبالتالي تصميم تقييم يقيس مدى تحقّق الأهداف والنتاجات عند الطلبة.
ما التغيّرات التي لحظتها عند الطلبة بعد تجربة التعليم عن بعد؟ وكيف تستثمرين هذا التغيّر في تجديد مقاربتك التعليميّة؟
طلبة أذكياء قادرون على التعامل مع أدوات التكنولوجيا بكلّ شغف وحماس، ما انعكس على أدائهم وتطوير كفاءتهم التعليميّة في مختلف المهارات. وحاليًّا، تكاد لا تخلو أيّ حصّة صفّيّة من استخدام أدوات وتطبيقات التكنولوجيا، ما يثير حماس الطلبة ودافعيتهم إلى التعلّم، ولا سيّما أنّها لامست أنماط التعلّم المختلفة، كالبصريّة والسمعيّة. نعي جميعًا أهمّيّة مراعاة تنوّع أنماط التعلّم كجزء من عناصر التخطيط لعمليّة تعليميّة عادلة وناجعة، وبالتالي استشعر المعلّمون أهمّيّة الالتحاق بركبها، فتعلّموها واستخدموها بكلّ نجاح.
من جهة أخرى، أسهمت المقاربة الجميلة للوعي البيئيّ بضرورة التقليل من استخدام الأوراق، إلى غيرها من العوامل، في التحوّل التدريجيّ والكبير نحو التكنولوجيا، ما زاد من انتباه الطلبة بإشراكهم المباشر كمسهمين لا متلقّين، وهذا زاد من عامل التحفيز وحقّق نتائج أفضل.
من هو الطالب الشغوف بالتعلّم؟ وكيف توظّفين هذا الشغف في مادّتك أو الحصّة الدراسيّة؟
هو الطالب دائم التساؤل، المشارك الفعّال، يكتشف ويمارس ويبحث، يتعلّم من أخطائه / يتواصل بفاعليّة وبحماس مفعّلًا كلّ حواسه. وبالتالي يكون نموذجًا يحتذى به من قبل زملائه، يتعلّم ويعلّم أقرانه من خلال العمل الثنائيّ أو العمل في مجموعات.
ما رأيك في ارتداء الطلّاب الزيّ الموحّد؟
أنا مع ارتداء الطلّاب الزيّ الموحّد ليعطي الطلبة هوية مدرسيّة. يرتدي طلبتنا في المدرسة المعمدانيّة الزيّ الموحّد، فينمّي روح الانتماء إلى المدرسة وإلى رؤيتها وأهدافها. له أهمّيّة الشّعور بالعدل والمساواة بين الطلبة، وعدم الوقوع فريسة الحيرة في تجربة الملابس واختيارها، حيث ضيق الوقت والالتزام ببدء الدوام المدرسيّ. إلى جانب سهولة الاقتناع بالملابس لمعرفة الطالب أنّ زملاءه يرتدون الملابس نفسها. وغالبًا ما يكون الزيّ المدرسيّ مريحًا وعمليًّا. وعلى العكس، غياب الزيّ المدرسيّ قد يكون كابوسًا مريعًا للآباء، وفي هذا هدر للوقت والجهد.
ما مُمارساتك اليوميّة التي توظّفينها لتحقيق الرفاه المدرسيّ؟
كلّما زاد الرّفاه المدرسيّ زاد الإنجاز الأكاديميّ النوعيّ عند الطلبة، والعكس صحيح.
نحن في المدرسة المعمدانيّة، وبما يتماشى مع رؤيتنا وفلسفتنا نقوم بالآتي:
- - نستخدم حصّة مربيّة الصّفّ اليوميّة لتعزيز بعض المفاهيم والمهارات الهامّة وتثبيتها عند الطلبة، كاللّطف، والاحترام، والتوعية من التنمّر، والغذاء الصحّي، والمسؤوليّة... وتُثبّت على الرزنامة المدرسيّة لتكون مرجعًا لجميع الأطراف، وذلك من خلال تطبيق نشاط معيّن أو مشاهدة مقطع فيديو.
- - تعريف الطلبة من خلال حصص التربية الاجتماعيّة وحصص (Character Ed)، بحقوقهم وواجباتهم، وتثبيت مفاهيم ومهارات هامّة تعزّز جميع أنواع الرفاه المدرسيّ وأنماطه.
- - الرّحلات والزّيارات المدرسية التي تُخطّط مسبقًا، لما لها من أثر في زيادة العلاقات الإيجابيّة بين المعلّم والطالب.
- - إجراء انتخابات لإنشاء مجالس طلّابية هدفها إيصال آراء ومقترحات هامّة من الطلبة.
- - إنشاء مبادرات رفاه مجتمعيّة للعمل مع المجتمع لتعزيز الشّعور بالانتماء والإنجاز كمبادرات تطوعيّة، مثل زراعة الأشجار.
- - الدور الفاعل لقسم الإرشاد في تثبيت الأنواع المختلفة للرفاه المدرسيّ ودعمها، من خلال المحاضرات والورش التدريبيّة المختلفة، سواء للمعلّم أو للطّالب أو لأولياء الأمور.
- - العمل الثنائيّ والعمل في مجموعات يعزّز الرّفاه المدرسيّ بأنماطه.
- - الملصقات التي تُجدّد باستمرار على الألواح داخل الغرف الصّفّيّة، أو خارجها في الممرات.
ما مجالات التطوير المهنيّ التي تطمحين إلى أن تشاركي بها؟ لماذا؟
- - مبادرة التشبيك بين المدارس في "مشروع اللّغة العربيّة"، لوجود لغة مشتركة بين معلّمي المدارس المشاركة، فمن الجميل مشاركة هذه التجربة بكلّ حيثيّاتها مع جمهور مختلف.
- - "محور الفهم القرائيّ"، طبيعته ومستوياته ومهاراته واستراتيجيّاته. ولأهمّيته شاركت بهذه النّدوة مع مدارس أخرى صديقة. أو أيّ مجالات تخصّ مهارات اللغة العربيّة.
- - استراتيجيّات التدريس الحديثة.
بماذا تنصحين شخصًا يريد أن يصبح معلّمًا؟
إنّها مهنة العظماء وبناة جيل المستقبل، فللمعلّم دور محوريّ ومفصليّ في بناء شخصيّة المتعلّمين وتوجّهاتهم؛ لذلك، المعلّم النّاجح يتميّز برؤية واضحة ومحدّدة يسير ضمنها وفقًا لخطّة مدروسة ومحدّدة. هو إنسان شغوف بالتعليم؛ يستخدم أساليبَ شيّقة كسرد القصص والمحاكاة والتدريبات العمليّة، التي أعرف بالخبرة أنّها تزيد من حماس المتعلّمين، بما يتناسب مع أعمارهم. وهو متجدّدٌ بفكره، ومتمرّس ومبدع ومرن، فالتدريس بنمط روتينيّ لا يؤتي ثماره. وهو مشجّع وداعم لطلبته، ويتمتّع بالشخصيّة الإيجابيّة وروح الدعابة للوصول إلى عقل المتعلّم وقلبه. وهو مطّلع باستمرار على كلّ ما هو جديد من نظريّات ومعرفة في حقل التعليم. ويمتلك القدرة ليؤثّر إيجابيًّا في طلّابه، يتعاون مع الأسرة والمحيط للارتقاء بالمتعلّمين؛ فالمعلّم النّاجح قادر على توصيل المعلومة بابتسامة لطيفة وروح دعابة أفضل، وأكثر تأثيرًا من توصيلها بوجه جامد بلا شعور. ويفهم احتياجات طلبته، ويدرك الفروق الفرديّة بينهم، ويساعد في استكشاف المتعلّم لمهاراته ومواهبه. كما يجب أن يمتلك ثقافة تكنولوجيّة، وقدرة على استخدام أدوات التعلّم الحديث، فمواكبة التطوّر والتنوّع في وسائل التعليم من أهمّ صفات المعلّم النّاجح التي يبني عليها بصمته في مجال التعليم كمعلم مميّز.
المعلّم هو المايسترو الذي يقود طلبته بانتظامٍ وتناغمٍ وانسجامٍ.