دائمًا ما تعتبرُ الأدبيّات التربويّة دور المعلّم أمرًا حيويًّا وحاسمًا في تطوير المتعلّمين، كونه أحد الركائز الأساسيّة في العمليّة التعليميّة. ولكنّ المعلّم والمربّي مصطلحان يشيران إلى دورين مختلفين في العمليّة التعليميّة؛ فعلى رغم كونهما يتداخلان في بعض الأحيان، إلّا أنّ المعلّم يركّز بشكل أساسيّ على نقل المعارف والمعلومات بشكل هيكليّ ونظاميّ للمتعلّمين، مستعينًا بالمناهج، والموادّ التعليميّة، والأنشطة الصفّيّة وغير الصفّيّة، ويقوم بتقييم أدائهم وفهمهم وتطبيقهم للمعرفة. بينما يركّز المربّي على التنمية الشخصيّة للمتعلّم بشكل كامل، ويهتمّ بتطوير قدراتهم الاجتماعيّة، والوجدانيّة، والأخلاقيّة، كما يعمل على بناء علاقة قويّة وثيقة معهم، وتقديم التوجيه، والإرشاد لهم. فهل هذا يعني أنّ المعلّم مربّي؟
"كلّ مربٍّ معلّم، ولكن ليس كلّ معلّم مربّيًا"
صحيح، لا يُعتبَر كلّ معلّم مربّيًا، بالرغم من أنّ دور المعلّم يشمل تقديم المعرفة، والمهارات الأكاديميّة، إلّا أنّ دوره الحقيقيّ يتجاوز ذلك. ويعتبر المربّي شخصًا يساعد المتعلّمين على تحقيق نموّهم، وتطوير شخصيّاتهم بشكل شامل، بما في ذلك الجوانب الأخلاقيّة، والاجتماعيّة، والعاطفيّة. ويسعى المربّي لتوجيه المتعلّمين، وتنمية مهاراتهم الحياتيّة والاجتماعيّة، ويتعامل معهم بتفهّم واحترام. كما يعمل على بناء علاقة وثيقة معهم، ويمتلك القدرة على الاستماع، وفهم احتياجاتهم، وتوجيههم بشكل مناسب.
ومع ذلك، ينبغي أن نذكر أنّ هناك العديد من المعلّمين الذين يفهمون ويمارسون دور المربّي بشكلٍ ممتاز. فالتعليم الناجح يتطلّب وجود معلّمين ليسوا ممّن يقدّمون المعرفة الأكاديميّة فحسب، بل يمثّلونَ قدوة إيجابيّة ومرشدين للمتعلّمين في رحلتهم التعليميّة والشخصيّة، وتشكيل حيواتهم، ومساعدتهم على أن يصبحوا أفرادًا متمكّنين.
كيف للمعلّم أن يصبح مربّيًا؟
تعتبر مهارات التواصل الجيّدة أحد أهمّ العناصر الأساسيّة لكون المعلّم مربّيًا فعّالًا، إذ يعتمد المعلّم المربّي على القدرة على توجيه المتعلّمين، وبناء علاقات إيجابيّة معهم، والاستماع الفعّال، والتعبير بوضوح، وفهم احتياجاتهم ومشاعرهم، والتعامل مع التحدّيات والصعوبات بشكل فعّال. ومن الصعب عليه أن يكون مربّيًا مؤثّرًا من دون أن يمتلك مهارات تواصّل جيّدة.
ويستغرق المعلّم وقتًا وجهدًا ليصبح مربّيًا فعّالًا، ولكنّ النتائج ستحملُ أثرًا كبيرًا في حياة المتعلّمين. فالمربّي المثاليّ يعزّز التعلّم والنموّ الشاملين للمتعلّمين، ويسهم في تشكيل شخصيّاتهم، وتحقيق إمكاناتهم الكامنة. ومع ذلك، ينبغي أن تُلاحظ إمكانيّة تطوير مهارات التواصل وتحسينها عبر الزمن، هذا إن كان لدى المعلّم رغبة في أن يصبح مربّيًا أكثر فعاليّة، إذ يمكنه تبنّي مجموعة من السلوكيّات والممارسات التي تركّز على التنمية الشخصيّة، والقيم الأخلاقيّة والاجتماعيّة للمتعلّمين. ونستعرض بعضًا من الطرائق التي يمكن للمعلّم اعتمادها ليصبح مربّيًا:
1. بناء علاقات إيجابيّة: يقوم المعلّم ببناء علاقات قويّة، ومتينة مع المتعلّمين، حيث يُظهر الاهتمام، والتفهّم، والاحترام تجاههم. ويكون متاحًا للاستماع إلى مشاكلهم ومساعدتهم في حلّها.
2. توفير بيئة تعليميّة داعمة: يهتمّ المعلّم بإنشاء بيئة تعليميّة مشجّعة وآمنة، حيث يُشعر المتعلّمين بالثقة والراحة. كما يشجّعهم على التعاون والتفاعل الاجتماعيّ في ما بينهم، وعلى مشاركة آرائهم وأفكارهم.
3. نموذج إيجابيّ: يتصرّف المعلّم كنموذج إيجابيّ في سلوكيّاته وقيمه. ويظهر النزاهة، والصدق، والتعاطف، والتسامح، والاحترام في تعامله مع المتعلّمين، كما يوظّف السياق التعليميّ لتعزيز القيم والمبادئ الأخلاقيّة.
4. تطوير مهارات الحياة: يعمل المعلّم على تنمية مهارات الحياة لدى المتعلّمين، منها: التواصل الفعّال، وحلّ المشكلات، واتّخاذ القرارات، والتعامل مع الضغوط. كما يوفّر فرصًا للتدريب، والتطبيق العمليّ لهذه المهارات في سياق التعلّم.
5. التوجيه الشخصيّ: يقدّم المعلّم التوجيه والمشورة الشخصيّة للمتعلّمين. ويساعدهم في تحديد أهدافهم، وتطوير خطط لتحقيقها. كما يقدم إليهم الدعم والتشجيع في رحلتهم الشخصيّة والأكاديميّة.
6. التعلّم الشامل: يشجّع المعلّم على تعزيز التعلّم الشامل، إذ يهتمّ بتنمية المهارات الأكاديميّة والاجتماعيّة والعاطفيّة للمتعلّمين، كما يعمل على توفير فرص للتعلّم الخارجيّ، والتجارب العمليّة، والتعلّم القائم على المشروعات.
في النهاية يمكن القول إنّ دور المعلّم المربّي لا يمكن تجاهله، أو تجاوزه في العمليّة التعليميّة؛ فهو يمثل الشخص الذي يقود، ويوجّه المتعلّمين في رحلتهم التعليميّة والتنمويّة، من خلال بناء الشخصيّة، وتنمية المهارات. وهو يساعد المتعلّمين على التحضّر لحياة ناجحة، ومجتمع متراحم، لذا يجب أن نولي اهتمامًا كافيًا لتدريب المعلّمين المربّين ودعمهم، وتقدير دورهم الحيويّ في تطوير جيل المستقبل.