تنميةُ مهاراتِ التدريسِ الفعّال
تنميةُ مهاراتِ التدريسِ الفعّال
2024/11/24
نِعم أحمد جوني | مديرة ثانويّة رمال رمال الرسميّة- لبنان

كان لفترة الإغلاقِ والتعليم عن بُعد، والتي فرضتها أزمة كورونا، تأثيرٌ كبيرٌ في الطلّاب والتعليم بشكلٍ عامّ. إذ تأتي مرحلة ما بعد الأزمة بفرصة هامّة لجذب الطلّاب إلى المدارس الرسميّة، وتعزيز قيمة التعليم الحضوريّ بحماس وتفاؤل أكبر من أيّ وقت مضى.

تأتي مدارسنا الرسميّة برؤية جديدة وتطلّعات مبتكرة لمرحلة ما بعد الأزمة. فنحن نسعى جاهدين لتحويل ثانويّتنا إلى بيئة تعليميّة ملهمة وجذّابة. تجذبُ الطلّاب بروح الحماس والتحدّي، وتعزّز قيمة التعليم الحضوريّ، من خلال توفير تجربة تعليميّة شاملة تتجاوز المعرفة النظريّة، إلى بناء العلاقات الاجتماعيّة وتطوير المهارات الحياتيّة، حيث ستتم مزاوجة التعليم الحضوريّ التقليديّ بالتكنولوجيا الحديثة، لخلق تجربة تعليميّة متكاملة بطرق تفاعليّة ومشوّقة، وتوفير تجربة تعليميّة شاملة وملهمة تجذب الطلّاب، وتعزّز رغبتهم في التعلّم الحضوريّ، وإعداد جيل من الشباب المتعلّم والمبدع والملهم.

 

أوّلًا: خطوات مهارات التدريس الفعّال

التعليم عمليّةٌ مستمرّة ومعقّدةٌ، تتطلّب من المعلّمين استخدام مجموعة متنوّعة من الاستراتيجيّات والأساليب. فتعزيزُ مهارات التدريس الفعّال، يعني تحسين القدرة على نقل المعرفة بطرق فعّالة ومشوّقة في عالم التعليم، إذ تعتبر مهارات التدريس أحد العوامل الرئيسة التي تحدّد جودة تجربة التعلّم، وتوظيف الأساليب التدريسيّة المتنوّعة التي تناسب الموضوعات واحتياجات الطلاب. إضافة إلى التواصل الفعّال والاستماع إلى أسئلة الطلاب والاستجابة لها، وتحفيزهم على المشاركة والتعلّم النشط، والتقييم المستمرّ لتحصيل الطلّاب، وضبط أساليب التدريس وفقًا لاحتياجاتهم.

تعتبر مهارات التدريس إحدى العوامل الأساسيّة لتحقيق تجربة تعليميّة ناجحة وفعّالة، لأنّ التدريس مهنة فريدة تتطلّب الكثير من الجهد والتحضير. ومع تطوّر العلوم التربويّة، هناك خطوات عمليّة يمكن اتّباعها لتحسين مهارات التدريس لتصبح أكثرَ تأثيرًا وفاعليّة. ومنها ما يأتي:

 

ثانيًا: تأثير مهارات التدريس الفعّال في الطلّاب

المهارة التدريسيّة هي القدرة على نقل المعرفة والمهارات إلى الآخرين، بطريقة فعّالة ومؤثّرة. وهي مجموعة من القدرات التي يحتاج إليها المدرّس، لكي يكون قادرًا على توصيل المعلومات بطريقة مفهومة ومثيرة لاهتمام الطلّاب. وتشمل المهارات التدريسيّة عدّة جوانب، أهمّها:

  • - تخطيط الدروس: القدرة على تصميم برنامج دراسيّ، وتحديد أهداف التعلّم المحدّدة، ووضع خطّة منهجيّة لتحقيق تلك الأهداف.
  • - توصيل المعلومات: القدرة على توصيل المعرفة والمفاهيم بوضوح وبطريقة مفهومة للطلّاب، من خلال استخدام وسائل توضيحيّة، مثل الشرائح التقديميّة أو النماذج أو الأمثلة العمليّة.
  • - التواصل الجيّد: القدرة على التواصل بفعاليّة مع الطلّاب، وفهم احتياجاتهم ومستوياتهم المعرفيّة، وتوفير التوجيه والدعم اللازم لهم.
  • - إدارة الوقت: القدرة على تنظيم الوقت بشكل فعّال خلال الدروس، بحيث يُستغلّ الوقت بشكل جيّد لتحقيق أهداف التعلّم المحدّدة.
  • - تقييم الأداء: القدرة على تقييم تقدم الطلّاب، وفهم مدى تحقيقهم الأهداف المحدّدة، وتوفير التغذية الراجعة والتوجيه للطلّاب، بغرض مساعدتهم في تطوير مهاراتهم.

 

من هنا، يجب أن تكون لدى المدرّس مجموعة متنوّعة من المهارات التدريسيّة، لكي يكون قادرًا على تلبية احتياجات الطلّاب، وتعزيز عمليّة التعلّم بشكل فعّال. ويمكن تعلّم هذه المهارات وتطويرها بالتدريب والخبرة في مجال التدريس. وهذه بعض التأثيرات الرئيسة لمهارات التدريس الفعّال في الطلّاب:

1. تعزيز المشاركة والتفاعل.

2. تحفيز الاهتمام والتركيز.

3. تعزيز المهارات العمليّة.

4. تعزيز المشاركة، وتحفيز الإبداع والتفكير النقديّ، وتوليد حلول جديدة للمشكلات.

5. تطوير مهارات الحياة.

 

ثالثًا: تعزيز مهارة الاستماع وتطويرها  

للأذن دور حاسم في تنمية المهارات، خصوصًا في ما يتعلّق باللغة. وهي واحدة من المهارات المهمّة للاستماع والتواصل. ومن المعروف أنّ الجنين يُطوّر القدرة على السمع في مرحلة مبكرة من الحمل، إذ تتشكّل الأذن في الأسابيع الأولى من الحمل. وعندما يصل الجنين إلى الشهر الثاني، تكون الأذن الداخلية تقريبًا مكتملة التكوين. وعلى الرغم من عدم اكتمال تكوين الأذن بالكامل حتّى بعد الولادة، إلّا أنّ الطفل في رحم أمه يمكنه أن يسمع الأصوات من خلال الأذن الداخليّة المكتملة.

تعتبر القدرة على الاستماع في مرحلة مبكرة من الحياة، مهمّة جدًّا لتطوير اللغة والتواصل. فالطفل المولود يستمع إلى الأصوات المحيطة به، بما في ذلك صوت أمّه، وهذا يساعد على تطوير قدرته على التواصل وفهم اللغة لاحقًا.

إذًا، فالأذن تُعتبر عضوًا أساسيًّا للاستماع وتواصل الإنسان، والجنين في رحم أمه يمتلك القدرة على سماع الأصوات والتفاعل معها بشكل محدود خلال فترة الحمل المبكرة. ما يجعلها حاسّة معقّدة وحيويّة وصعبة التعويض بشكل كامل، لذا تعتبر قدرة قيّمة وثمينة للإنسان.

تعتبر مهارة الإنصات الانعكاسيّ من المهارات التربويّة المؤثّرة والفعّالة في بناء جسور تواصل وثقة بين الوالدين وأبنائهما. وتكون بقيام الأب أو الأمّ بالاستماع بتركيز إلى الطفل وهو يتحدّث عن شيء حدث معه، أو شكوى يحيكها لأبويه. ثم يقوم المستمع بإعادة كلام الطفل للطفل، على شكل تلخيص لإظهار فهمه للطفل. بعد ذلك، وضّح لطفلك الأشياء التي تتّفق معه عليها في ما قال، وأنّك تتعاطف معه، وأنّك ستقف إلى جواره وستدافع عنه، أو ستردّ له حقه.

 

فكيف تتعاملون مع آذانكم؟

من أعظم ما افترضه الله علينا تجاه نعمة الذريّة، أن نقوم على أمر تربيتهم، وتعاهدهم بما يصلح لهم أمور دنياهم وآخرتهم. لذا، يجب أن تُعزّز تربية الأذن على الاستماع الجيّد، من خلال مزيج من التعليم والتدريب والتجارب العمليّة بالممارسة والتفاني. وذلك بتقديم أنشطة تفاعليّة وألعاب تساعد الأطفال على تطوير قدراتهم الاستماعيّة بطريقة ممتعة ومحفّزة، بصورة تتناسب وأعمارهم وقدراتهم.

الأبناء أمانة ومسؤوليّة. وعليه، فإنّ من أهداف تربية الأطفال، أن يفتح الطفل عينيه منذ نشأته، على توفّر بيئّة تعليميّة تحفّز الأطفال على الاستكشاف والتعلّم، وتوفّر برامج تعليميّة متنوّعة ومناسبة لاحتياجات الأطفال في مختلف مجالات التعلّم. وقياسًا على ذلك، ينبغي على المعلّمين توفير بيئة تعليميّة تنمّي مهارات الأطفال العاطفيّة والاجتماعيّة والحركيّة، وتقديم ملاحظات فعّالة وإرشادات للأهل. ويجب على الأهل أيضًا، توفير بيئة داعمة في المنزل. وتنظيم أنشطة تعليميّة وترفيهيّة تناسب احتياجاتهم. وهنا، يجب أن يكون هناك تعاون وتنسيق بين المعلّمين والأهل لضمان تجربة تعليميّة مثمرة للأطفال.         

لإهمال الطفل وعدم تربيته تربيةً صالحةً، منذ نعومة أظفاره، أثر سيّئ في سلوكه، حيث إنّ الطفل الذي لم يتلقّ تربية صالحة، سيقع في الغالب في المحرمات والموبقات عندما يكبر ويشبّ، ويعقّ والديه ولا يبرّهما، ويقطع الأرحام ولا يصلها، ويضرّ بالمجتمع كله. وسيشتكى منه ويقال: هذا لم يتربّ جيّدًا، قد غفل عن تربيته والداه، وأهملا في تنشئته وتزكيته، إما جهلًا أو انشغالًا بأمور أخرى، وذلك بعدم الجلوس معه وعدم مصاحبته، وهما لم يفهما مقاصد الزواج.

المسؤوليّة أوّلًا على الأهل، ومن ثمّ على المعلّمين. فالاستماع والإصغاء عنصران مهمّان في تطوّر الأطفال وتعلّمهم. ويُشير الاستماع إلى القدرة على استقبال الأصوات والصوتيّات المحيطة وتحليلها، بينما يُعرف الإصغاء بالقدرة على التركيز والانتباه للمعلومات المستقبلة من الآخرين.

 

رابعًا: استراتيجيّة تطوير مهارة الاستماع والإصغاء عند الأطفال

تطوير مهارات اللغة: يعتبر الاستماع الجيّد والإصغاء الفعّال أساسان في تطوير مهارات اللغة لدى الأطفال. فبسماعهم الكلمات والعبارات المستخدمة من قبل الآخرين، يتعلّم الأطفال الكيفيّة الصحيحة للنطق والتركيب اللغويّ. كما يتعلّمون أيضًا المفردات الجديدة والعبارات المتعلّقة بالمواضيع المختلفة، ما يعزّز التواصل الاجتماعيّ. كما يساعدهم الاستماع الجيّد في تطوير مهارات التواصل غير اللفظيّ، مثل التعبيرات الوجهيّة ولغة الجسد. إضافة إلى تعزيز التعلّم والتفكير، فيتمكّنون من التركيز والتحليل والتفكير النقديّ. كما يمكنهم استيعاب المفاهيم المعقّدة وتطبيقها في حياتهم اليوميّة، وفي عمليّة التعلّم.

من خلال تطوير العلاقات العاطفيّة، نسهم في بناء علاقات قويّة وصحّيّة مع العائلة والأصدقاء والمجتمع. لذا، فإنّ للاستماع والإصغاء الجيّديْن أهمّيّة كبيرة في تطوّر الأطفال. يمكن تعزيز الاستماع والإصغاء عند الأطفال من خلال بعض الإرشادات العامة:

  • - حاول توفير بيئة خالية من الضوضاء والتشتّت، حيث يمكن للطفل الاستماع بوضوح.
  • - عندما يحاول الطفل التحدّث أو التعبير عن رؤيته أو مشاعره، حاول أن تكون متاحًا بشكل كامل، وتُظهِر اهتمامك وتركيزك عليه، من خلال استخدام لغة الجسد والتعبيرات الوجهيّة. قم بتوضيح اهتمامك وتفهّمك للطفل من خلال التعبيرات الوجهيّة وحركات الجسم، فهذا يساعد الطفل على فهم أنّك تستمع بصدق.
  • - قم بطرح أسئلة بسيطة ومفتوحة على الطفل، لتشجيعه على التعبير عن أفكاره ومشاعره، واستمع بعناية لإجاباته وحاول توسيع النقاش بشكل متعاون.
  • - كن مثالًا حيًّا للطفل في التعامل مع الآخرين والاستماع إليهم، فعندما يرى الطفل أنّك تعطي الاهتمام والاحترام للآخرين، سيكون أكثر استعدادًا لممارسة الاستماع الجيّد بنفسه.
  • - استخدم القصص والألعاب التعليميّة لتعزيز مهارات الاستماع والإصغاء عند الأطفال. هذه الأدوات توفّر فرصًا للتفاعل والاستماع المرح.

 

بشكلٍ عامّ، مهارات التدريس الفعّال تُسهم في توفير بيئة تعليميّة مناسبة، وتعزّز التعلّم وتطوّر قدرات الطلّاب في مختلف المجالات الأكاديميّة والشخصيّة. كما لها تأثير كبير في تحقيق تعلّم الطلّاب، وتطويرهم بشكل فعّال.

في الختام، تنمية مهارات التدريس تسهم في خلق بيئة تعليميّة محفّزة ومثيرة للفضول والاستكشاف. إنّها السبيل لتأسيس أجيال جديدة من الطلّاب المتعلّمين النشطين والمبدعين، والذين يمتلكون المهارات الأساسيّة لمواجهة التحدّيات المستقبليّة في مجتمعنا المتغيّر.