المعلّمون يلهمون الأمل: مقابلة مع هداية جميل البحيصي
المعلّمون يلهمون الأمل: مقابلة مع هداية جميل البحيصي
2024/07/10
منار الزريعي | معلّمة لغة إنجليزيّة- فلسطين

في ظلّ الأوضاع الكارثيّة والتحدّيات المستمرّة التي يواجهها قطاع غزّة، يبرز دور المعلّمين والمعلّمات حرّاسًا للمعرفة والأمل. هداية جميل البحيصي، معلّمة لغة إنجليزيّة في مدرسة سكينة بنت الحسين الثانويّة، تجسّد بإخلاصها وتفانيها معنى العطاء والتفاني في مهنة التعليم. ليس التعليم بالنسبة إليها مجرّد وظيفة، بل رسالة سامية تسعى بها إلى إحداث تأثير إيجابيّ في حياة طلّابها ومجتمعها.

هداية ليست مجرّد معلّمة، بل هي رائدة في مجالها، حيث أعدّت العديد من المواد التدريبيّة للصفّ الثاني عشر، بالتعاون مع مشرفي المبحث وفريق من الزملاء والزميلات في لجنة المبحث. بفضل جهودها المتميّزة، حصلت على عدّة جوائز مرموقة، مثل جائزة الأمانة العامّة وجائزة المعلّم المتميّز. علاوة على ذلك، أسهمت بفعّاليّة في التعليم الإلكترونيّ، حيث أطلقت قناة تعليميّة تتضمّن شرحًا وافيًا لمنهاج الصفّ الثاني عشر، بالإضافة إلى مجموعة فيسبوك لتبادل الخبرات وعرض كلّ ما يلزم الطالب في المراحل كافّة.

 

في هذه المقالة، نعرض رحلة هداية التعليميّة، وكيف ألهمها حبّها اللغة الإنجليزيّة ورغبتها العميقة في تقديم الأفضل إلى طلّابها، لابتكار طرق تدريس حديثة وفعّالة. نتناول كذلك كيف تتعامل مع التحدّيات النفسيّة والمادّيّة في ظلّ الظروف القاسية التي يعيشها سكّان غزّة، ودورها الفعّال في دعم الطلّاب نفسيًّا وأكاديميًّا خلال هذه الأوقات العصيبة. من إعداد المواد التدريبيّة إلى تنظيم الأنشطة والمسابقات، تلهمنا هداية البحيصي بقصّتها، وكيف يمكن للتعليم أن يكون شعاع نور في أحلك الظروف، مسلّطين الضوء على إصرارها وعزيمتها في صنع الفارق في حياة طلّابها ومجتمعها.

 

عرّفينا بنفسك وخلفيّتك في التدريس.

أنا هداية جميل البحيصي، مدرّسة لغة إنجليزيّة في مدرسة سكينة بنت الحسين الثانويّة، وعضو لجنة مبحث اللغة الإنجليزيّة في مديريّة التربية والتعليم - الوسطى. أعددت العديد من المواد التدريبيّة للصفّ الثاني عشر، بالتعاون مع مشرفي المبحث وفريق من الزملاء والزميلات في لجنة المبحث. شاركت في إعداد العديد من الأنشطة والمسابقات وتنفيذها على مستوى المديريّة، وحصلت على عدّة جوائز؛ أبرزها جائزة الأمانة العامّة وجائزة المعلّم المتميّز. أسهمت بفعّاليّة في التعليم الإلكترونيّ، ولديّ قناة تعليميّة تتضمّن شرحًا وافيًا لمنهاج الصفّ الثاني عشر، بالإضافة إلى مجموعة فيسبوك لتبادل الخبرات وعرض كلّ ما يلزم الطالب في المراحل كافّة.

 

ما الذي ألهمك لتصبحي معلّمة؟ ولماذا اخترت تدريس اللغة الإنجليزيّة؟

أحببت اللغة الإنجليزيّة منذ الصغر، ولم أحتج إلى الكثير من الجهد لتعلّمها، فقد كانت مادّتي المفضّلة وكنت أرغب بشدّة في إتقانها. أمّا عن مهنة التدريس، فقد كانت المجال الذي أجد نفسي فيه. أؤمن بقدسيّة هذه المهنة وأثرها الكبير في مجتمعنا الفلسطينيّ، فهي تسهم في إعداد جيل قادر على مواجهة التحدّيات المستقبليّة. دور المعلّم لا يقتصر على توصيل المادّة التعليميّة، بل يمكن أن يكون قريبًا من الطالب إذا اكتسب ثقته وتعامل معه بمسؤوليّة، كما يمكن أن يكون ملهِمًا بأسلوبه وسلوكه الراقيين والمسؤولين.

 

ما الذي يدفعك إلى التدريس في ظلّ هذه الظروف الصعبة؟

التدريس في هذه المرحلة، وبشكله الحاليّ، لا يمكن أن يكون بديلًا عن التعليم الوجاهيّ بأيّ حال من الأحوال. لكنه ينطلق من الشعور بالمسؤوليّة تجاه طلّابي وكلّ طلّابنا وطالباتنا في غزّة، ولا سيّما أنّ لدى العديد من المعلّمين والمعلّمات ظروفًا قاهرة، ولا يمكنهم التواصل مع طلّابهم. بادرنا إلى الاتّصال بمن أمكن الاتّصال بهم من طالباتي وزميلاتي عبر وسائل الاتّصال المتاحة، وبعد أن لمست لديهنّ الاستعداد والترحيب، بدأت بإعداد المادّة التعليميّة المناسبة، وتنظيم لقاءات، عبر تطبيق زوم، لمراجعة ما سبق تدريسه، ومن ثمّ الانتقال إلى شرح دروس جديدة باستخدام مختلف وسائل الإيضاح الممكنة.

 

ما أكبر التحدّيات التي تواجهينها أثناء التدريس في أوقات الحرب؟

التحدّيات كبيرة بلا شك. فنحن في غزّة نعيش وضعًا استثنائيًّا خطيرًا من حيث القتل والدمار وانعدام مقوّمات الحياة، ممّا يؤثِّر في جميع أفراد المجتمع الفلسطينيّ. أمّا بالحديث عن الوضع التعليميّ خاصّة، فأبرز المعوقات لأيّ محاولة إحياء التعليم، هو حالة عدم الاستقرار والنزوح المتكرِّر، بالإضافة إلى الانقطاع المستمرّ للاتّصالات وشبكات الإنترنت في ظلّ انقطاع الكهرباء، ممّا يؤثِّر سلبًا في انتظام هذه المحاولات المتواضعة. التحدّي الأكبر يكمن في استحالة الوصول إلى جميع الطلبة في ظلّ هذه الأوضاع الصعبة، ممّا يلقي على كاهل المعلّم عبئًا إضافيًّا، ويتطلّب منه البحث عن وسائل أخرى تضمن عدم حرمان العدد الأكبر منهم من الاستفادة من هذه المبادرات. هذا بالإضافة إلى العامل النفسيّ، والذي له أثر كبير في انعدام رغبة الكثير من الطلبة في الالتحاق أو المشاركة بأيّ نشاط تعليميّ، فبعضهم فقد أهله وأصدقاءه، ومنهم من فقد بيته وأصبح بلا مأوى.

 

هل هناك إقبال بين زميلاتك والمعلّمين عامّة على التدريس خلال هذه الفترة؟

بالتأكيد، هناك بعض المحاولات من بعض الزملاء والزميلات في مختلف المراحل، سواء عن طريق التعليم الإلكترونيّ أم بإنشاء الخيم التعليميّة. كما أنّ هناك بعض المراكز التعليميّة التي تبنّت مبادرات تعليميّة تستهدف طلبة المراحل الدنيا، بمشاركة بعض المعلّمين والمتطوِّعين من ذوي الخبرة والكفاءة، وقد لاقت هذه المبادرات ترحيب الأهالي الذين أصبحوا يعانون كثيرًا مع أبنائهم بسبب انقطاعهم عن المدارس طوال فترة الحرب.

 

كيف تتعاملين أنت وطلّابك مع التوتّر النفسيّ الناتج عن الوضع الحاليّ؟

رغم صعوبة الأمر، علينا نحن- المعلّمين- أن نكون المرشدين والداعمين النفسيّين للطلبة في هذه الظروف الصعبة. يجب أن نبثّ الراحة والطمأنينة بوجودنا بجانب أبنائنا. فمهنة المعلّم لا تقتصر على توصيل المادّة العلّمية فقط. في ظلّ الوضع الحاليّ، يعاني العديد من الطلبة مشكلات نفسيّة وظروفًا حياتيّة قاسية، ومن واجبنا تقديم الدعم والمساندة إليهم، والوقوف بجانبهم حتّى يتمكّنوا من اجتياز هذه المرحلة الاستثنائيّة في حياة شعبنا.

 

كيف بدأتِ في استخدام تطبيق واتسآب أداةً تعليميّة؟ وهل هناك أدوات أخرى تستعملينها حاليًّا؟

بدأت باستخدام تطبيق واتسآب منذ عدّة سنوات مع تطبيق فيسبوك، وكان الأمر يتّخذ طابعًا فرديًّا في البداية، ثمّ بدأت بإنشاء مجموعات واتسآب بالتزامن مع الصفوف الافتراضيّة، وإنشاء قناتي التعليميّة أثناء جائحة كورونا. تطبيق واتسآب مكمّل لبقيّة التطبيقات، حيث يُتواصَل به مع الطلبة وتُرسَل الملفّات والفيديوهات التعليميّة والواجبات المنزليّة. وكذلك، تُناقَش أسئلة الطالبات واستفساراتهنّ ويُزوَّدنَ بالإيضاحات اللازمة عبر الرسائل الصوتيّة المسجَّلة. كما أُستخدِمت تطبيقات أخرى، مثل زوم والاختبارات الإلكترونيّة.

 

كيف تخطّطين وتنظّمين دروس اللغة الإنجليزيّة باستخدام تطبيق واتسآب؟

كما ذكرت سابقًا، تطبيق واتسآب تطبيق مساند ومكمِّل لبقيّة التطبيقات. في البداية، علينا أن نتذكّر أنّنا نتعامل مع الطالب عن بعد؛ فداخل الفصل الدراسيّ يمكن للمعلّم استخدام العديد من وسائل الاتّصال المباشر، كالإيماءات والحركات ونبرة الصوت للوصول إلى الطالب بأقصر الطرق. ولكن في ظلّ الوضع الراهن، ونظرًا إلى انعدام هذه الوسائل، بات من الضروريّ البحث عن وسائل بديلة من شأنها تبسيط المادّة التعليميّة وتسريع وصولها إلى الطالب.

عملتُ في السنوات السابقة على تحويل منهاج الصفّ الثاني عشر كاملًا إلى رزمة إلكترونيّة تشمل ملفّات بور بوينت لجميع الدروس، وشرح كامل باستخدام الصور والمخطَّطات والجداول ووسائل الإيضاح الممكنة كافّة. قد يتطلّب الأمر أحيانًا إجراء بعض التعديلات والإضافات من أجل المزيد من التبسيط، وكذلك إتاحة الفرصة أمام الطالب للمشاركة والتفاعل أكثر. بعد ذلك، يأتي دور تطبيق واتسآب في التنسيق مع الطلبة وتحديد موعد اللقاءات عبر تطبيق زوم، وإرسال الروابط وحلّ أيّ إشكالات أو أمور طارئة، وكذلك إرسال الملفّات التعليميّة والاختبارات الإلكترونيّة بعد كلّ لقاء، فضلًا عن اللقاءات المسجَّلة نظرًا إلى عدم تمكّن بعض الطلبة من حضور اللقاءات مباشرةً بسبب انقطاع الإنترنت في بعض الأماكن.

 

ما نوعيّة الموارد التي تجدينها الأكثر فعّاليّة لتدريس اللغة الإنجليزيّة عن بُعد؟

تدريس اللغة الإنجليزيّة يتطلّب طريقة خاصّة في التعامل لأنّها لغة أجنبيّة. عند التعامل مع الطالب عن بعد، يتطلّب الأمر توظيف العديد من وسائل الإيضاح. لذلك، أستخدم مجموعة متنوّعة من الموارد الرقميّة والتفاعليّة لضمان تقديم تعليم فعّال وشامل. أشمل في مواردي التعليميّة مواد مشروحة شرحًا كاملًا في قناتي التعليميّة على يوتيوب، فتغطّي جميع جوانب المنهج. كما أعددت موادّ تعليميّة مثل ملخّصات الدروس، وأوراق العمل، والعروض التقديميّة لضمان فهم الطلّاب المحتوى فهمًا شاملًا. فتُشرَح الدروس عبر تطبيق زوم، حيث نناقش الدروس مناقشة حيّة ومباشرة؛ ممّا يمكِّن الطلّاب من طرح الأسئلة والمشاركة في النقاشات. أسجِّل الجلسات لإتاحة الفرصة أمام الطلّاب الذين لم يتمكّنوا من حضور اللقاءات المباشرة لمراجعتها في وقت لاحق. أستخدم منصّات الاختبارات الإلكترونيّة لإعداد اختبارات قصيرة ودوريّة لتقييم مدى فهم الطلّاب الدروس. وأعتمد دمج الموارد المشروحة مع الأنشطة التفاعليّة عبر تطبيق زوم، وأدوات التقييم المناسبة، وأقدِّم الدعم الفرديّ والجماعيّ بناءً على نتائج الاختبارات والمسابقات لتلبية احتياجات كلّ طالب تلبيةً فعّالةً. كما أشجِّع الطلبة على المشاركة المستمرّة في الأنشطة والمناقشات، وأضمن تفاعلهم النشط مع المحتوى التعليميّ. بهذه الطرق، أتمكِّن من تحسين فعّاليّة تدريس اللغة الإنجليزيّة وضمان تحقيق نتائج تعليميّة، حتّى في ظلّ الظروف الصعبة.

 

كيف تقيّمين تقدّم الطلّاب وتزوِّدينهم بالملاحظات عبر واتسآب؟

يُقيَّم الطلبة بعدّة أشكال، حيث يظهر ذلك في المشاركة والتفاعل بطرح الأسئلة أثناء لقاءات الزوم. بعد كلّ لقاء، يكون هناك اختبار إلكترونيّ يُرسَل مباشرة عبر تطبيق واتسآب. بعد إتاحة الفرصة والوقت اللازمين لجميع الطلبة، تُناقَش الأخطاء الشائعة وتُقدَّم التغذية الراجعة اللازمة. نتواصل مع بعض الطلبة ونتعامل معهم فرديًّا بناءً على رغبتهم.

 

ما مستوى تفاعل الطلبة مع الدروس؟

يعتمد مستوى التفاعل على عدّة عوامل، حيث يختلف مدى الالتزام من طالب إلى آخر. يرجع ذلك إلى تفاوت الاهتمامات والقدرات والطموحات، وهو أمر طبيعيّ ومألوف لدى المعلّمين. ولكن، في ظلّ الوضع الراهن، تؤثِّر المشكلات التقنية والضغوط النفسيّة كثيرًا في التزام الطلبة بمختلف أطيافهم، وتحول دون مشاركتهم في العديد من اللقاءات والنقاشات الجماعيّة التي تتيح لهم مشاركة آرائهم وطرح أسئلتهم، وتساعد في تبادل الأفكار وتعزيز التعاون بينهم.

 

ما مزايا استخدام واتسآب في التدريس؟ وما عيوبه؟

أهمّ مزايا تطبيق واتسآب سهولة الوصول والتواصل المباشر بين المعلّم والطالب، وإمكانيّة إرسال الملفّات المتنوِّعة التي تتضمّن النصوص والصور والفيديوهات والروابط التعليميّة بسهولة، بالإضافة إلى التفاعل الاجتماعيّ بين الطلّاب. ولكن، هناك عيوب أيضًا، مثل مشكلة انقطاع الكهرباء التي تؤثِّر بدورها في شبكة الاتّصالات والإنترنت؛ ممّا يعوق عمليّة التواصل المباشر، ويؤثِّر في قدرة الطلّاب على متابعة الدروس أو المشاركة في اللقاءات مشاركة مباشرة. كما أنّ تطبيق واتساب يفتقر إلى بعض الميزات المتواجدة في التطبيقات الأخرى، لكن لا يشكِّل ذلك عقبة كبيرة، ولا سيّما في ظلّ وجود تطبيقات أخرى تتمتّع بهذه الميزات.

 

كيف تتعاملين مع التفاوت بين طلّابك في مستويات الوصول إلى التكنولوجيا والإنترنت؟

أستخدم وسائل بديلة، مثل المواد التعليميّة المطبوعة أو المسجَّلة للطلّاب الذين يواجهون صعوبة في الوصول إلى الإنترنت، وأكون مرنة في المواعيد للسماح للطلّاب بمتابعة الدروس عند توفّر الاتّصال لديهم. في بعض الأحيان، يتطلّب الأمر التعامل مع بعض الطلّاب تعاملًا فرديًّا نظرًا إلى خصوصيّة أوضاعهم.

 

ما تأثير هذه المبادرة في الطلبة؟ وهل يمكنك مشاركة بعض تعليقاتهم أو تعليقات ذويهم؟

كانت المبادرة بسيطة، لكنّها لاقت صدى بين الطلّاب، ولا سيّما المتفوّقون منهم، حيث أبدى الكثير رغبة كبيرة في المشاركة، سواء بحضور اللقاءات أم تنفيذ أوراق العمل والاختبارات الإلكترونيّة. كذلك أولياء الأمور الذين أبدوا اهتمامًا كبيرًا، فتواصل كثير منهم معي من أجل انضمام أبنائهم ومشاركتهم في اللقاءات التعليميّة. إحدى طالباتي المميّزات، وتدعى بدور مزيد، علّقت على هذه المبادرة بقولها: "كانت فكرة العودة إلى الدراسة جيّدة لاستغلال الوقت المهدور، ووقف نزيف الحصص والساعات التعليميّة التي حُرِمنا منها. أنصح جميع المعّلمين بالقيام بمثل هذه المبادرات وتحدّي نزوات الاحتلال الهادفة إلى تجهيل الطلبة والمجتمع". أمّا الطالبة سجى مزيد فأضافت: "نحاول أن نتمسّك بأيّ بادرة أمل تلوح في الأفق، فبرغم كلّ المعوقات، إلّا أنّنا لا ننكر مدى استفادتنا من الدروس والمعلومات القيّمة التي تقدَّم إلينا في هذه اللقاءات... في هذه المنافسة التي من المفترض أن تكون مليئة بالأحلام والطموحات، بدلاً من القتل والتشريد والدمار". الطالبة مودّة عاشور، والمتواجدة في جمهوريّة مصر العربية، وبعد تقديمها امتحان اللغة الإنجليزيّة اليوم، أرسلت إليّ هذه الرسالة: "كان الامتحان سهلًا اليوم بفضل الفيديوهات التعليميّة التي كنت أتابعها على قناتك التعليميّة".

 

ماذا تعلمتِ من التدريس في مثل هذه البيئة الصعبة؟

كان التدريس في بيئة صعبة بمثابة رحلة مليئة بالتحدّيات والدروس. أوّل هذه الرسائل أهمّيّة بناء جسور من الأمل وبثّ روح التفاؤل بين الطلبة، مهما كانت التحدّيات. هذه التجربة غرست فيّ الإيمان بأنّ الصعوبات تصنع العزيمة، وأنّ الإرادة مفتاح النجاح في أيّ بيئة. هذه الصعوبات هي التي تدفع المعلّم إلى ابتكار حلول جديدة كلّ يوم لمواجهة العقبات. كما أنّ التواصل الإنسانيّ والدعم النفسيّ هما أقصر الطرق للوصول إلى الطالب، فكلمة تشجيع واحدة كفيلة بأن تضيء درب طالب في أحلك الظروف.

 

هل يمكنك مشاركة تجربة خاصّة أو مؤثِّرة كانت لديك مع طلّابك خلال هذه الفترة؟

تركيزي الأكبر في هذه المرحلة هو الوصول إلى أكبر عدد من الطلبة بهدف استفادتهم، وإبقائهم في حالة من النشاط الذهنيّ تمكِّنهم من المتابعة مع معلّميهم في المرحلة المقبلة. كما تواصلت مع طالباتي وبعض الطلبة من أبناء القطاع والمتواجدين في جمهوريّة مصر العربيّة الآن، للالتحاق بامتحانات الثانويّة العامّة لهذا العام، لتزويدهم بما يلزم من المواد التعليميّة وتقديم المساعدة والمشورة اللازمة. بحمد الله، تمكّنت طالباتي المتواجدات هناك اليوم من اجتياز امتحان اللغة الإنجليزيّة الذي كان مقرَّرًا اليوم. أسأل الله تعالى أن يكلِّل تعبهنّ بالنجاح والتفوّق. ولأنّ الطلبة ضحيّة من ضحايا هذه الحرب، شاركت مع اثنتين من طالباتي، وهما حسناء الزريعي وبدور مزيد، في لقاء نظّمته جامعة بيرزيت الشهر الماضي، تناول الواقع التعليميّ في قطاع غزّة في ظلّ الإبادة الجماعيّة، حيث تحدّثت الطالبتان عن معاناة الطلبة عامّة، وطلبة التوجيهيّ خاصّة، من تبعات هذه الحرب.

 

ما آمالك لمستقبل التعليم في غزّة؟ وما رؤيتك لتعويض الفاقد التعليميّ؟

تتضمّن رؤيتي لتعويض الفاقد التعليميّ مجموعة من الاستراتيجيّات المتكاملة، بدءًا من تعزيز استخدام التكنولوجيا في التعليم، لتوفير منصّات رقميّة تفاعليّة تصل إلى كلّ زاوية من أرجاء غزة. الأمر الذي يتطلّب توفير الأجهزة اللازمة وتأهيل المعلّمين لاستخدامها بكفاءة. ولضمان تعليم مرن ومكثّف، ينبغي إعداد البرامج التعليميّة التي تركِّز على المهارات الأساسيّة وتراعي احتياجات الطلبة في المرحلة المقبلة، ولا سيّما أنّ عددًا كبيرًا من الطلبة أصبحوا يعانون مشكلات صحّيّة ونفسيّة وإعاقات جسديّة لا حصر لها. هذه الفئة من الطلبة يجب أن تأخذ حيّزًا من الاهتمام في المناهج الدراسيّة. كما أرى أنّ الدعم النفسيّ والاجتماعيّ أمران لا غنى عنهما، حيث يجب إنشاء برامج متكاملة تهدف إلى بناء شخصيّات قويّة تتمتّع بالاستقلاليّة الأكاديميّة والنفسيّة. هذه البرامج يمكن أن تشمل الأنشطة الاستشاريّة والأنشطة الترفيهيّة التي تعزِّز التواصل الاجتماعيّ والمهارات الحياتيّة للطلّاب.

 

كيف يمكن للمجتمع المحلّيّ والدوليّ دعم المعلّمين والطلّاب في مناطق الحرب مثل غزّة؟

في ظلّ التحدّيات الهائلة التي تواجه التعليم في مناطق الحرب مثل غزّة، يمكن للمجتمع المحلّيّ والدوليّ أن يقدِّم دعمًا حيويًّا للمعلّمين والطلّاب بعدّة طرق: تحسين البنية التحتيّة التكنولوجيّة في المدارس، ممّا يمكِّن المعلّمين من تقديم تعليم عن بُعد بجودة عالية، ويتيح للطلّاب فرصة التدريب والتطوير المهنيّ؛ تقديم برامج تدريبيّة للمعلّمين لتعلّم استخدام التكنولوجيا وأحدث أساليب التدريس الفعّالة في ظروف الحرب؛ تقديم خدمات الدعم النفسيّ والاجتماعيّ للمعلّمين والطلّاب لمساعدتهم على التعامل مع الصدمات النفسيّة والضغوط الناتجة عن الظروف القاسية، ممّا يسهِم في بناء بيئة تعليميّة صحّيّة وداعمة؛ تعزيز التعاون بين المنظّمات الدولية والمحلّيّة وتوسيع نطاق الدعم، بما يعزِّز من استدامة البرامج التعليميّة وفعّاليّتها في الظروف الصعبة.

 

هل هناك أيّ شيء آخر ترغبين في مشاركته عن تجاربك، أو أيّ رسالة ترغبين في توجيهها لجمهور أوسع؟

في ظلّ الواقع المأساويّ الذي يمرّ فيه التعليم في قطاع غزّة، لا بدّ من بذل قصارى جهودنا مع طلبتنا وأبنائنا وبناتنا من أجل الخروج بأقلّ الخسائر الممكنة. أيّ محاولة لإحياء عمليّة التعليم، مهما كانت بسيطة، لا بدّ أن تحدِث فرقًا في مكان ما. لذلك، علينا تسخير الموارد والإمكانات المتاحة كافّة لإحياء عمليّة التعليم، ولو بأبسط الطرق إلى حين انتظام العمليّة التعليميّة. وهذا بدوره يتطلّب تبنّي أيّ مبادرة أو محاولة من شأنها بثّ روح الطمأنينة، وإعادة الأمل إلى أبنائنا وطلبتنا، وتشجيعهم على المضي قدمًا بما يلبّي طموحاتهم وتطلّعاتهم المستقبليّة.

 

* * *

بحديثنا مع المعلّمة هداية جميل البحيصي، يتّضح أنّ التعليم في غزّة ليس مجرّد مهنة، بل هو رسالة نابعة من الإيمان العميق بأهمّيّة بناء جيل قويّ ومتعلّم وقادر على مواجهة التحدّيات. فعلى رغم الظروف الصعبة والضغوط الهائلة، يظهر المعلّمون، مثل هداية، أبطالًا حقيقيّين، يبثّون الأمل ويصنعون الفارق في حياة طلّابهم. فمبادراتهم وجهودهم المستمرّة تُعدّ مصدر إلهام لجميع المعلّمين حول العالم، ولا سيّما في المناطق التي تعاني النزاعات والأزمات. تؤكِّد الشجاعة التي يظهرها هؤلاء المعلّمون أنّ التعليم يمكن أن يكون شعاع نور حتّى في أحلك الظروف، وأنّ المستقبل يُبنى بفضل إصرارهم وعزيمتهم.