ظهرت فكرة التعليم الشعبيّ "Popular Education"، والذي يوصف بالتعليم من أجل الوعي النقديّ، في أواخر ستينات القرن الماضي، منهجيّةَ تدريس على يد المعلّم والفيلسوف والكاتب البرازيليّ باولو فريري Paulo Freire، والذي كان يكتب في سياق تعليم القراءة والكتابة للفقراء والمهمّشين سياسيًّا في بلاده. ويختلف التعليم الشعبيّ عن التعليم الرسميّ وغير الرسميّ، إذ إنّه عمليّة تهدف إلى تمكين الأفراد الذين يشعرون بالتهميش اجتماعيًّا وسياسيًّا للسيطرة على تعلّمهم، وإحداث التغيير الاجتماعيّ (Pandey, 2022).
يُعرَّف التعليم الشعبيّ بأنّه الجهد الجماعيّ الذي يتطلّب درجة عالية من مشاركة الجميع، حيث لا يوجد تمييز بين المعلّمين والمتعلّمين، ويقوم كلّ شخص بالتعليم والتعلّم. ينبغي أن تكون لدى المتعلّمين القدرة على اتّخاذ القرارات بشأن ما يتعلّمونه، وكيفيّة سير العمليّة التعليميّة. يحتاج الأمر إلى مُيسّر لضمان ظهور أفكار جديدة، وتقديمها، وعدم تكرارها؛ لكنّ ذلك لا يجعل منه معلّمًا. ففي التعليم الشعبيّ لا يمكننا تعليم شخص آخر، بل يمكن تسهيل تعلّم الآخرين ومساعدة بعضنا أثناء التعلّم (Mayhew, 2020).
يُنظَر إلى التعليم الشعبيّ بأنّه تعلّم يركِّز على المتعلّم، حيث يستكشف الأشخاص تجاربهم الحياتيّة ويتبادلون أفكارهم حول المشكلات الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة. ويتمثّل هدف التعلّم الشعبيّ في اكتسابهم فهمًا لمشكلاتهم المشتركة، وتطوير حلول لها، وتنفيذها، وتقييمها (Jones, 2020).
تبدأ عمليّة التعلّم في التعليم الشعبيّ بتحديد خبرات الفرد الشخصيّة ووصفها، لتُبنى المعرفة بمجموعة متنوّعة من الأنشطة التي تُمارَس ضمن مجموعات. وبعد كلّ نشاط يُسمَح بإجراء عمليّة مراجعة الوضع من الجميع، بتحليل الروابط بين التجارب الشخصيّة والعمليّات التاريخيّة والعالميّة ومراجعتها لفهم "الصورة الكبرى". وبتوليد هذه المعرفة الجديدة، يصبح الجميع قادرين على التفكير تفكيرًا أعمق بأنفسهم، وكيفيّة تناسب ذلك مع العالم. من هنا، يعدّ فهم المجتمع فهمًا جديدًا إعدادًا للعمل بنشاط من أجل التغيير الاجتماعيّ. في الواقع، لا تعدّ عمليّة التعليم، في التعليم الشعبيّ، مكتملة من دون اتّخاذ إجراءات بشأن ما تُعلِّم، سواء على المستوى الشخصيّ أم السياسيّ (Mayo, 2020).
يتضمّن التعليم الشعبيّ عدّة مبادئ وقيم يسعى بها لبناء مجتمعات متعلّمة، ومتحضّرة، وقادرة على تحقيق التنمية المستدامة والعيش بكرامة. حدّد Mayhew (2023) مبادئ التعلّم الشعبيّ وقيمه في الآتي:
- - العدالة الاجتماعيّة: يُعزِّز التعليم الشعبيّ العدالة الاجتماعيّة بمكافحة الفقر، والتمييز، والظلم، والتركيز على تحقيق تكافؤ الفرص، وتحقيق التوازن في توزيع الموارد التعليميّة والمعرفيّة.
- - المساواة الشاملة: يعدّ التعليم حقًّا أساسيًّا لكلّ فرد، بغضّ النظر عن خلفيّته الاجتماعيّة، أو الاقتصاديّة، أو الثقافيّة. يهدف التعليم الشعبيّ إلى إتاحة فرص تعليميّة متساوية وشاملة تُتيح للجميع الوصول إلى المعرفة والتعلّم من دون تمييز.
- - التمكين والتوعية: يهدف التعليم الشعبيّ إلى تمكين الأفراد بالوعي وتعزيز القدرات الذاتيّة. ويسعى لتطوير مهارات التفكير النقديّ، والقدرة على اتّخاذ القرارات؛ ممّا يساعد الأفراد على تحقيق إمكاناتهم الكاملة.
- - الاستدامة والتنمية: يُحقِّق التعليم الشعبيّ التنمية المستدامة بتعزيز التعليم المستمرّ مدى الحياة، وتقديم برامج تعليميّة تتناسب مع السياقات المحلّيّة والثقافيّة؛ ممّا يجعل التعليم أكثر فعّاليّة وتأثيرًا.
المراجع
- Jones, E. (2020). Popular Education: Inspected Schools a Failure. Hard Press.
- Mayhew, I. (2020). Popular Education. Outlook Verlag.
- Mayhew, I. (2023). Popular Education: For the Use of Parents and Teachers. Exotic Publisher.
- Mayo, M. (2020). Community-based Learning and Social Movements: Popular Education in a Populist Age. Policy Press
- Pandey, S. (2022). Educational Philosophy of Paulo Freire. Blue Rose Publishers.