آليّات استخدام الذكاء الاصطناعيّ في العمليّة التعليميّة ومشكلاتها
آليّات استخدام الذكاء الاصطناعيّ في العمليّة التعليميّة ومشكلاتها
نور أنيس كرزون | باحثة ومديرة مدرسة حكوميّة - فلسطين

ازداد اهتمام المؤسّسات التعليميّة بالتقنيّات التكنولوجيّة عامّةً، وبالذكاء الاصطناعيّ خاصّةً، في السنوات الأخيرة، ولا سيّما بعد جائحة كورونا التي أحدثت نقلة نوعيّة جديدة لأنظمة التعليم حول العالم؛ ممّا حفّز الباحثين على دراسة مزايا استخدام الذكاء الاصطناعيّ في التعليم. وقد أظهرت العديد من الدراسات إسهامه في تعزيز التنافسيّة، وإنتاج أجيال قادرة على مواجهة تحدّيات العصر الذي يعيشون فيه، وقدرته على تحسين عمليّة اتّخاذ القرار، وتنمية المهارات الحياتيّة، وتنمية تحصيل المتعلّمين المعرفيّ، فضلًا عن قدرته على تحسين جودة العمليّة التعليميّة، واكتشاف فجوات التعلّم والتعليم، وقياس تقدّم التعلّم قياسًا أكثر فاعليّة. بالإضافة إلى الإسهام في بقاء أثر التعلّم وتعديل المفاهيم الخاطئة، وانخراط المتعلّمين في عمليّة التعلّم واحتفاظهم بتعلّمهم (Lawan et al., 2023).

ونتيجة وجود تلك المزايا التي تفيد المتعلّم والمعلّم والمؤسّسة التعليميّة، تأتي هذه المقالة لطرح موضوع آليّات استخدام الذكاء الاصطناعيّ في العمليّة التعليميّة، والمشكلات التي تواجهها. 

 

ما الذكاء الاصطناعيّ؟

يعدّ الذكاء الاصطناعيّ أحد العلوم الحاسوبيّة التي نتجت عن الثورة التكنولوجيّة المعاصرة، ويهدف إلى فهم طبيعة الذكاء الإنسانيّ ببرامج الحاسوب الآليّ، بغية حلّ مشكلة ما، أو اتّخاذ قرار في موقف معيّن، بالرجوع إلى العديد من العمليّات الاستدلاليّة المتنوّعة. كما يُستخدم لسرعته الفائقة في منح الاستدلالات التي تفوق القدرة البشريّة (تره، 2021).

 

ما آليّات استخدام الذكاء الاصطناعيّ في العمليّة التعليميّة؟ 

تتعدّد آليّات الذكاء الاصطناعيّ التي تُستخدَم في عمليّة التعليم والتعلّم، ويوضِّح الشكل "1" بعض تلك الآليّات.

 

Photo

   

 

الشكل-1: آليّات استخدام الذكاء الاصطناعيّ في العمليّة التعليميّة - التعلّميّة 

يوضِّح الشكل ستّ آليّات لاستخدام الذكاء الاصطناعيّ في العمليّة التعليميّة. وفي ما يلي وصف تفصيليّ لكلّ منها: 

الروبوتكس (Robotics) 

يعدّ الروبوتكس أحد أبرز أشكال الذكاء الاصطناعيّ، حيث يمكن به توظيف استراتيجيّات تتمركّز حول المتعلّم، مثل استراتيجيّة التعلّم التعاونيّ، والتعلّم الذاتيّ، وحلّ المشكلات، والاكتشاف، واستخدام الألعاب التعليميّة. فيتطلّب تعليم الروبوت وبرمجته من المتعلّم الحصول على الحدّ الأدنى من التعليم، وحدٍّ أعلى من التعلّم (الشامي، 2020). 

أنظمة التعلّم الذكيّة (Intelligent Touring Systems)

تضمّ أنظمة التعلّم الذكيّة برامج تعليميّة تحتوي على عنصر الذكاء الاصطناعيّ، وتعمل على تتبّع أعمال الطلبة، وإرشادهم بجمع معلومات عن أداء كلّ طالب، وإبراز نقاط قوّته وضعفه، وتقديم الدعم اللازم له في الوقت المناسب، وأثبتت نتائج البحث في تلك الأنظمة أنّها تسهِّل التعلّم، وترفع كفاءة العمليّة التعليميّة. كما أثبتت نجاحًا هائلًا، ولا سيّما في مجالات الرياضيّات والعلوم والتكنولوجيا ولغات الكمبيوتر (الخيبري، 2020؛ العتل وآخرون، 2021). 

روبوتات الدردشة التفاعليّة (Chat bots) 

ظهرت روبوتات الدردشة التفاعليّة في الكثير من المنصّات، مثل فيسبوك وسكايب وتويتر، كمساعدات رقميّة للمستخدمين، باعتماد محاكاة نصّيّة تلقائيّة للدردشة. وتعدّ من التطبيقات البرمجيّة المحفّزة على التعلّم، ابتُكِرت بغرض الدخول في محادثة، أو محاكاة اتّصالات الدردشة غير الرسميّة بين المستخدم البشريّ وجهاز الكمبيوتر، باستخدام اللغات المختلفة. كما يمكن استخدامها في تحسين اضطرابات اللغة التعبيريّة لذوي الإعاقة العقليّة البسيطة (مطر وصالح، 2021).  

تشات جي بي تي (ChatGPT) 

يُعدّ ChatGPT نوعًا من نماذج لغة GPT (المحوّلات التوليديّة المدرَّبة مسبقًا)، وأداةً قويّة لديها القدرة على تغيير الطريقة التي نتفاعل بها مع التكنولوجيا؛ ممّا يتيح تواصلًا طبيعيًّا وبديهيًّا بين البشر والآلات. ويمكن لروبوتات الدردشة محاكاة المحادثات الواقعيّة وتزويد الطلّاب بتعليقات فوريّة حول قواعد اللغة والنطق والمفردات الخاصّة بهم، ومساعدتهم على تحسين مهاراتهم في الكتابة، بتحليل أسلوب كتابة الطالب، واقتراح تحسينات، وتقديم تعليقات حول الأخطاء النحويّة والإملائيّة. كما يمكنه أن يوصي بمصادر تعليميّة، مثل المقالات ومقاطع الفيديو والكتب، بما يتناسب مع احتياجات الطلبة. كما أظهر استخدام ChatGPT، باعتباره طريقةً للتعلّم المعكوس، إسهامه في انخراط المتعلّمين بفاعليّة في عمليّة التعلّم واحتفاظهم بتعلّمهم، باستبدال دور المعلّم التقليديّ (Lawan et al, 2023).

الواقع الافتراضيّ (VR)

تمتلك تكنولوجيا الواقع الافتراضيّ (VR) القدرة على تنمية قدرات المتعلّم، وتمنحه القدرة على تصوّر بعض البيانات العلميّة المعقّدة التي لا تتيح دراستها بالأبعاد الثنائيّة الفهم المطلوب، مثل معاينة المجموعة الشمسيّة عن قرب (مختار، 2022).  

الواقع المعزَّز (AR) 

تنقل تكنولوجيا الواقع المعزَّز المشاهد للمتعلّمين بعرض ثنائيّ أو ثلاثيّ الأبعاد في محيط المستخدِم، بدمج هذه المشاهد أمامه، لخلق واقع عرض مركَّب. وتتيح للمتعلّم محاكاة عمليّات معقّدة، كالعمليّات الجراحيّة أو تشريح جسم الإنسان. ومن أمثلة تطبيقاتها الفصول الافتراضيّة التي تتيح تمثيلًا ثلاثيّ الأبعاد للكائنات (مختار، 2022). 

 

ما المشكلات التي تواجه استخدام الذكاء الاصطناعيّ في العمليّة التعليميّة؟ 

من خلال الأبحاث المتعدّدة التي أجريتها حول موضوع استخدام الأنشطة الإلكترونيّة، والذكاء الاصطناعيّ في العمليّة التعليميّة، ودراسة الموضوعات على الصعيد المحلّيّ في فلسطين، يمكنني الحديث عن وجود العديد من المشكلات التي تعرقل استخدام الذكاء الاصطناعيّ في العمليّة التعليميّة، وذلك في جوانب السياسات والممارسات والبنية التحتيّة. 

أمّا جانب السياسات، فلا توجد سياسات منظَّمة ومحدَّدة لاستخدام الذكاء الاصطناعيّ في العمليّة التعليميّة بفاعليّة وعلى نطاق واسع. لذلك، من الضروريّ إيجاد سياسات، وتحديد قوانين وتشريعات وخطط استراتيجيّة تعمل على تأطير استخدامه في التعليم، واستحداث مراكز لدراسة آليّات الذكاء الاصطناعيّ وتقنيّاته في التعليم. فضلًا عن اختيار الأفضل منها لكلّ مرحلة من المراحل الدراسيّة، تمهيدًا لإدماجها في العمليّة التعليميّة، بالمناهج والممارسات، بالإضافة إلى توفير خبراء في الذكاء الاصطناعيّ والتربية والتعليم. 

وأمّا جانب الممارسات، فيوجد نقص في الكوادر التربويّة المؤهَّلة لتوظيف الذكاء الاصطناعيّ في العمليّة التعليميّة للإفادة من مزاياه، بالإضافة إلى أنّه لا يوجد إدماج للذكاء الاصطناعيّ في تخصّصات التربية والتخصّصات التعليميّة، حسبما أعلم. الأمر الذي ينعكس على الممارسات، فيؤدّي إلى وجود ضعف في التطبيق العمليّ وإدماج التقنيّات إدماجًا فعليًّا، أو وجوده في نطاق محدّد. يعتمد ذلك على دافعيّة المعلّمين الذاتيّة والإدارات التعليميّة، والرغبة والقدرة على تطوير الأساليب. 

ومن جانب البنية التحتيّة، يتطلّب استخدام الذكاء الاصطناعيّ وجود بنية تحتيّة مثل وجود شبكة إنترنت، وأجهزة حاسوب، وبرمجيّات داعمة. لكنّ كثيرًا من المدارس والمؤسّسات التعليميّة تفتقر إلى وجود تلك الأمور الرئيسة. الأمر الذي يحول دون استخدام الآليّات والتقنيّات. وقد يكون عدم وجود فِرَق للدعم الفنّيّ والصيانة الدوريّة والمستمرّة للأجهزة والأدوات والشبكات من الأمور التي تعرقل استمراريّة استخدامها. كما أعتقد أنّ الدعم الماديّ يعدّ من أهمّ الأمور التي تسهِّل استخدام الذكاء الاصطناعيّ في التعليم، حيث تحتاج تقنيّاتِ الذكاء الاصطناعيّ وآليّاته المختلفة إلى جهاتٍ تدعم توفير برمجيّات وأدوات وأجهزة وفِرَق تدريب وتأهيل ومناهج تدعم التحوّل الإلكترونيّ نحو الذكاء الاصطناعيّ. 

 

* * *

تطرّقت كثير من الدراسات العربيّة والعالميّة إلى آليّات الذكاء الاصطناعيّ التي وُظِّفت في العمليّة التعليميّة، ومنها روبوتات الدردشة، والروبوتكس، وأنظمة التعلّم الذكيّ، و "Chat GPT"، والواقع المعزَّز، والواقع الافتراضيّ. كما تطرّقت إلى المشكلات التي تواجه استخدام الذكاء الاصطناعيّ في التعليم. 

طرحت هذه المقالة هذا الموضوع الذي لا يزال في بدايته في النظام التعليميّ الفلسطينيّ، وجاءت ضمن مجموعة من المحاولات البحثيّة التي تسلّط الضوء عليه، بغية الانطلاق منها نحو استخدام أشمل لأدوات الذكاء الاصطناعيّ، وفتح آفاق جديدة في المناهج الدراسيّة واستراتيجيّات التدريس وتقنيّات التعليم. الأمر الذي يتيح للتربويّين ومتّخذي القرار في وزارة التربية والتعليم اغتنام هذه الخدمات والمزايا الفريدة التي توفّرها تطبيقات الذكاء الاصطناعيّ لأغراض التعليم، والحرص على تبنّيها بما يسهم في نجاح البرامج التعليميّة وتحسين جودتها ورفع كفاءتها.

 

المراجع

- تره، مريم. 2021. تطبيقات الذكاء الاصطناعيّ والتسريع في عمليّة رقمنة التعليم. مجلّة الجامعة العراقيّة، وقائع المؤتمر الدوليّ الأوّل- التعليم الرقميّ في ظلّ جائحة كورونا. 15 (2). 13-22.

- الخيبري، صبريّة. (2020). درجة امتلاك معلّمات المرحلة الثانويّة بمحافظة الخرج لمهارات توظيف الذكاء الاصطناعيّ في التعليم. دراسات عربيّة في التربية وعلم النفس. 119 (119). 121-153.

- الشامي، غادة. (2020). هندسة المنهج واستشراف مستقبل الابتكار التكنولوجيّ في العصر الرقميّ. مكتبة الرشد. 

- العتل، محمد، والعنزي، إبراهيم، والعجمي، عبد الرحمن. (2021). دور الذكاء الاصطناعيّ (Al) في التعليم من وجهة نظر طلبة كلّيّة التربية الأساسيّة بدولة الكويت. مجلّة الدراسات والبحوث التربويّة. 1 (1). 30-64. http://search.shamaa.org/PDF/Articles/KUJsere/JsereVol1No1Y2021/jsere_2021-v1-n1_030-064.pdf

- مختار، بكاري. (2022). تحدّيات الذكاء الاصطناعيّ وتطبيقاته في التعليم. مجلّة المنتدى للدراسات والأبحاث الاقتصاديّة. 6 (1). 286- 305.

- مطر، أسماء، وصالح، محمّد. (2021). فعّاليّة برنامج قائم على روبوتات الدردشة التفاعليّة "Chat bots" في تحسين اضطرابات اللغة التعبيريّة لدى ذوي الإعاقة العقليّة البسيطة. مجلّة كلّيّة التربية. 32 (128). https://doi.org/10.21608/jfeb.2021.244214

- Chassignol, M., Khoroshavin, A. , Klimova , A. and Bilyatdinova, A. (2018). Artificial Intelligence trends in education: a narrative overview. Procedia Computer Science. (136). 16–24. 

- Fitria, T. N. (2021). Artificial intelligence (AI) in education: Using AI tools for teaching and learning process. Prosiding Seminar Nasional & Call for Paper STIE AAS. 4(1). 134–147. 

- Karaca, A. & Kılcan, B. 2023. The Adventure of Artificial Intelligence Technology in Education: Comprehensive Scientific Mapping Analysis. Participatory Educational Research (PER). 10(4). 144-165. 

- Lawan, A., Muhammad, B., Tahir, A. and Yarima, I. (2023). Modified Flipped Learning as an Approach to Mitigate the Adverse Effects of Generative Artificial Intelligence on Education. Education Journal. 12 (4). 136-143.  

- Božić, V. and  Poola, I,. (2023). ChatGPT and education. http://dx.doi.org/10.13140/RG.2.2.18837.40168