تأثّر التعليم في الموجة الوبائيّة القويّة التي فرضها انتشار فيروس كورونا، وسبّبت نتائج سلبيّة كثيرة، منها الإغلاق الفوريّ لجميع المدارس، وتعطيل التدريس بشكله النمطيّ في الغرف الصفّيّة، وصار لا بُدّ من وجود معلّمين قادرين على توجيه الطلاب، وإعطائهم حقوقهم التعليميّة في ظلّ الإجراءات الوقائيّة، وبغض النظر عن كيفيّة أو شكل التعليم المطبّق، بات لزامًا استمرار التعلّم، وعدم توقف الطلّاب عن الدراسة، ورفدهم بالعلم المفيد بمختلف الطرائق والسبل، فظهرت كثير من الآراء والأفكار الداعية لاستدامة التعليم، والتي لم تخلُ بطبيعة الحال من الإيجابيّات والسلبيّات، كأيّ تجارب جديدة تحتاجُ إلى الاختبار والتجريب قبل تطبيقها على أرض الواقع، إلّا أنها تسعى إلى المحافظة على مصلحة الطلاب، وضمان عدم حرمانهم من متابعة دروسهم، مع وجود اختلاف بينها في طبيعة التطبيق أو معالجة القضايا التعليميّة، وأهمّها قضيّة فيروس كورونا المستحوذة على اهتمام لا نظير له.
فرضت جائحة كورونا على المعلّمين ضرورة التأقلم مع المتطلّبات الجديدة للتعليم، ولا يعني ذلك تحميلهم فوق طاقتهم وقدرتهم، بل تشجيعهم وتحفيزهم على أن يكونوا داعمين لأنفسهم، وزملائهم، وطلابهم، من خلال توفير بيئة عمل مساندة ومرنة، ومنحهم مجموعة حزم تحفيزيّة، مثل عقد دورات تدريبيّة تصقل مهاراتهم في استخدام التكنولوجيا في التعليم، مع ساعات عمل فضفاضة تساعدهم على التوفيق بين متابعة الطلاب في المدرسة وعن بُعد، ويُمكّن ذلك المعلّم من ممارسة عمله بصورة مهنيّة، وذات كفاءة وفاعليّة، وأكثر قابليّة للتأقلم مع الحالات الطارئة، والمؤثّرة في التعليم؛ كانتشار فيروس كورونا.
يقع عاتق نجاح التعليم المدرسيّ، بنسبة كبيرة، على المعلّم؛ لأنّه العنصر الوسيط بين عناصر التعلّم الأخرى، والمكوّنة من الطالب بصفته المحور الأساسيّ للتعليم، ثم المنهاج الدراسيّ والأنشطة المرافقة له، والعلاقة بين هذه العناصر تفاعليّة، وتكامليّة، وتعاونيّة، وينبثقُ منها هدف التعليم الأوّل، وهو المساهمة في بناء الأجيال، وتزويدهم بشتّى المعارف والمفاهيم والعلوم، ومن هذا المنطلق يشكّل وجود معلّم متفانٍ بعمله، وممتلك جميع مهارات التدريس اللّازمة، ومواكب كافة تطوّرات البيئة التعليميّة، ومتصف بأسلوبه الواعي والمتفهّم لطلابه وحاجاتهم، السبيل الوحيد نحو نجاح التعليم، ويعرف هذا المعلّم باسم (المُعلّم المُلهم).
يستطيع كل معلّم أن يكون مُعلمًا ملهمًا، ولكن في البداية يجب الإجابة على السؤال التالي، وهو من يكون المُعلّم المُلهم؟ ببساطة يمكن القول بأنه الشخص المؤثّر في طلّابه، والقادر على توجيههم لاتخاذ المسار الصحيح في دراستهم، والذي يفتحُ أفاقًا متنوّعة أمامهم، ويمثّلُ بوابة وصولهم نحو تحقيق أحلامهم، وهو الإنسان المبدع في توظيف أساليب التعليم، والموارد المتاحة في بيئة التعلّم؛ لبناء حصّة دراسيّة فريدة من نوعها، وتضمن وصول المعلومات للطلّاب بوضوح ويُسر، وهو نافذة الطالب الثانية إلى العالم، بعد النافذة الأولى في المنزل والعائلة، وهو من يمتلك المهارات اللّازمة لاكتشاف مواهب وهوايات طلّابه، ويساعدهم على تطويرها، ويشجّعهم على الاستمرار بها، ولا يتردّد في دعمهم لصقلها وتنميتها، حتّى يكونوا نوابغ مشعّة في سماء الإبداع، ومن هُنا، يصير ممكنًا التفريق بين المُعلّم المُلهم والطامح للتطوّر، والمُعلّم التقليديّ الذي يبقى في مكانه دون أيّ تغيير.
بعد توضيح من يكون المُعلّم المُلهم، يأتي سؤال مهم جدًّا يجب على كل مُعلّمٍ طرحه على نفسه، وهو كيف أكون مُعلّمًا مُلهمًا؟ وتكون الإجابة بإدراك المُعلّم للصفات والخصائص التي يترتب عليه التحلّي بها، حتّى يصبح مُلهمًا، فيجب على المُعلّم بناء جسرٍ من الثقة مع طلّابه، ويكون ذلك بثقته الكاملة أن كل طالبٍ يتميّزُ عن زملائه، سواء في مادة معيّنة أو ممارسة هواية ما، وعليه زرع الثقة في نفوس الطلاب، وتشجيعهم ليكونوا أشخاصًا ناجحين وفاعلين في حياتهم، كما يجب أن يُقدّمَ لهم الدعم اللّازم لمواجهة التحدّيات التي تعيق نجاحهم.
يُصبحُ المُعلّم مُلهمًا عندما يتمتّع بالشغف والصبر؛ أي يكون شغوفًا بمهنة التعليم، فحُبّ التدريس والشغف به بمثابةِ الموجّه الأساسيّ للمُعلّم حتّى يبدع في أداء واجبه، فالمُعلّم الشغوف هو الذي يؤدّي عمله بأمانة وإخلاص، ويحرص على استخدام أدوات متنوّعة تسانده في شرح الدروس لطلابه بأفضل صورة، وأيضًا قد يصبح سببًا في زيادةِ شغف الطلّاب وحبّهم للمدرسة والدراسة، أمّا الصبر، فهو من أهم الصفات الإنسانيّة، والتي يجب أن يتميّزَ بها جميع المُعلّمين، والمُعلّم المُلهم تحديدًا هو إنسانٌ صبور، لأنه يتعامل مع عددٍ كبير من الطلاب في اليوم، وعليه التمتّع بالهدوء والحُلُم أثناء تدريس طلابه وتوجيههم، وهكذا المُعلّم المُلهم يعلمُ تمامًا أن مهنة التعليم تحتاج إلى صبرٍ، وجهدٍ، ووقتٍ لحصاد الأهداف المطلوبة.
إنّ الرغبة النابعة من شخصيّة المُعلّم، وبذله أفضل جهوده في تعليم الطلّاب، وتطوير ممارساته وأساليبه في التدريس، وحُسن تعامله مع طلّابه، واستخدامه خير الكلام في الحوار معهم، وكظم غيظه، والسيطرة على انفعالاته أثناء معالجة أخطائهم، جميعها تعدّ المشجّع الأوّل حتّى يصبح مُعلّمًا مُلهمًا، كما لا يمكن إغفال دور الإدارة المدرسيّة في دعم ومساندة المُعلّم، من خلال التعاون معه، وتقديم جميع الوسائل التعليميّة والموارد التي تسانده في تنفيذ حصّة دراسيّة ذات مواصفات تربويّة وتعليميّة ممتازة، وتجنّب إحباطه أو إعاقة طريقه نحو تحقيق التميّز في عمله، والإبداع في تدريس مادّته.
لا يمكن اختزال مفهوم المُعلّم المُلهم في بضع كلمات، بل هو مفهوم واسع، ويحتمل كل عمل إيجابيّ يمارسه المعلم الذي يستفيد من الخبرات التي تبلورت في داخله، ويُطبّقها أساليب تعلّمٍ وتعليمٍ في حياته العاديّة والمهنيّة، وهكذا يمكن القول إن جميع المعلّمين دون استثناء، يستطيعون الحصول على لقب المُعلّم المُلهم، ولكن عليهم التحلّي بالصفات التي تمنحهم القابليّة حتّى يكونوا مُلهمين، ومُؤثّرين في حياة طلّابهم، فالطالب يرى في مُعلّمه قدوة، وأنموذجًا حقيقيًّا، وقد يتمنى أن يكون مثله في المستقبل، والمُعلّم المُلهم هو الوحيد الذي يستطيع أن يكون مثالًا يحتذى به، وصورة مشرقة عن رسالة التعليم الجميلة.