نظّمت منهجيّات ندوتها لشهر تشرين الأوّل/ أكتوبر بعنوان "القصّة كنز اللغة". وركّزت على محاور مُختلفة، هي:
1. في لغة القصّة المناسبة.
2. كنز اللغة.
3. اللغة بصريّة أيضًا.
استضافت الندوة مجموعةً من المتحدّثات، هنّ: منى سروجي، اختصاصيّة في تربية الطفولة المبكّرة وأدب الأطفال. وسمر محفوظ برّاج، مؤلّفة كتب أطفال ويافعين ومترجمة. وأريج مصاروة، اختصاصيّة في التربية اللغويّة والطفولة المبكّرة. ومنى عبد الله، معلّمة لغة عربيّة، ومنسّقة قسم اللغة العربيّة في مدرسة البيان. وأدار الندوة يسري الأمير، رئيس تحرير مجلّة منهجيّات.
استهلّ الأمير النّدوة بقصّة كمدخل لفتح النقاش عبر طرحه أسئلة مُختلفة، منها: كيف يرى الأطفال القصص؟ وكيف يرى المعلّمون القصص؟ وكيف يجب أن نستمع إلى أطفالنا؟
المحور الأوّل: في لغة القصّة المناسبة
- كيف أكتب قصّة يحبّها الطفل؟
أجابت برّاج على هذا السؤال بتأكيدها على أنّ الفكرة تأتي أوّلًا، ومن ثمّ تحديد الفئة العُمريّة التي سيُكتب لها ضمن إطار الفكرة؛ ذلك أنّ كلّ فئة عُمريّة تتميّز عن أُخرى بتفضيلاتها واهتماماتها، ومن ثمّ بالمقاربة والعناصر المحبّبة ضمن هذه المقاربة، مثل التشويق والحبكة غير التقليديّة والمتعة.
وذكرت أنّ كلّ ما سبق هو ضمن قسم المضمون، أمّا عن الأسلوب، فعلى الكاتب الانتباه إلى الأسلوب الذي سيستخدمه في كتابة القصّة، إذ عليه توظيف أسلوب مناسب لمستوى الطفل الذهنيّ، واستخدام لغة بسيطة موجودة ضمن قاموس الطفل، وتقريب اللغة إلى ما يستخدمه الطفل في حياته اليوميّة لتقريب القصّة إلى واقعهِ وإلى حياته ليتحاور معها ويفكّر بها.
- كيف يتفاعل الطفل مع قصّة مكتوبة بغير لغته اليوميّة؟
استهلّت عبد الله إجابتها على السؤال باستحضار مقولة هنديّة "أخبرني قصّةً تعِش في قلبي مدى الحياة". وداخلت، اعتمادًا على المقولة، حول أهميّة دور القصّة في تنمية الفكر والإبداع والخيال واللغة عند الطفل، وفي تنمية الطفل نفسه لشخصيّته وكيانه.
وأشارت إلى كون موضوع ازدواجيّة اللغة موضوعًا شائكًا، ولكن إن تعرّض الطفل للقصّة منذ صغره، فسنتغلّب على هذا الموضوع الشائك، لأنّ المصطلحات والكلمات ستصبح جزءًا من تعابيره وقاموسه اللغويّ. وأكّدت على فكرة برّاج حول أهمّيّة قُرب لُغة القصّة من حياة الطفل، لأنّ ذلك سيجعل تفاعله مع القصّة أكبر.
- كيف ترين مستوى اللغة التي تقدَّم للأطفال كقصص؟ وما الذي تنظرين إليه كمحرّرة؟
قالت سروجي في إجابتها عن السؤال، إنّها تعتبر الكتابة للأطفال من أصعب أنواع الكتابة، خصوصًا مع مشكلة ازدواجيّة اللغة، والفارق الكبير ما بين اللغة العامّيّة والفصحى، والذي يخلق إشكاليّة على مستوى المضمون والأسلوب. والمثال على ذلك أنّ القصص قد تكون ذات لُغة عالية ومضمون لا يناسب عُمر الطفل، أو العكس.
وتحدّثت سروجي عن إشكاليّات في القصص المُنتجة في العالم العربيّ من محاور عدّة، منها استخدام كلمات لا يفهمها الطفل، أو وجود تراكيب لغويّة صعبة، مثل جُمل طويلة أو تراكيب معقّدة، أو إقحام السجع في النصّ بشكل غير منسجم مع السرد.
- هل يقدر الطفل على أن يفهم مستويات مُختلفة من اللغة؟
تطرّقت مصاروة إلى الإجابة من منظورين، الأوّل لغويّ: النظر إلى اللغة العاميّة والفصحى كلُغتين مرتبطتين إلى حدٍّ بعيد ببعضيهما البعض، تربطهما علاقة وطيدة. وأشارت إلى أنّ اكتساب الطفل للعامّيّة كلغة أُمّ سيشكّل أساسًا للانطلاق إلى تعلُّم الفُصحى، وهذا لا يعني أنّه ينكشف على لُغة جديدة تمامًا، إنّما على تكوين جديد من لغته. والمنظور الثاني تطوّريّ: وهُنا تجب مراعاة - عند كتابة القصّة بتعقيداتها وتراكيبها المُختلفة - المستويات التطوّريّة لدى الطفل.
واستكملت حديثها بالإشارة وجوب أن نكون حسّاسين عند الكتابة للأطفال، وتحديد المرحلة العُمريّة التطوّريّة التي يتواجد فيها الطفل، مع الأخذ بعين الاعتبار التركيبات المُختلفة التي لا يستطيع فهمها الطفل ضمن فئة عُمريّة معيّنة. وهذا لا يمنع من كشف الطفل على مضامين جديدة، على أن يتوازى هذا الكشف مع تفاعل مع الطفل: حوارات وأسئلة تعلّميّة تسعى لإحياء القصّة مع الطفل، ومحاولة فتح نوافذ لعالم هذا الطفل من خلالها.
- متى يُقبل الطفل على القراءة؟
داخلت سروجي في إجابتها حول مرحلتين، مرحلة ما قبل القراءة للطفل، ومرحلة ما بعد القراءة. وذكرت أنّ الطفل، في المرحلتين، يُقبل على الكتاب أو القصّة التي تدهشه، والتي تأخذه إلى عوالم جديدة.
وشدّدت على أنّ الكتاب قد يشكّل متنفّسًا عاطفيًّا للأطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة، إذ يأخذهم إلى مكانٍ أجمل، ويتيح لهم أن يعبّروا عن أنفسهم. وأضافت أنّ الطفل ينجذب ويقبل على الكتاب الذي يتماهى مع شخصيّته، ويطوّر خياله وقدراته التفكيريّة، ويكسر منطق الواقع القاسي ويتيح له القفز بين عالمي المنطق واللا منطق. الطفل يُقبل على الكتاب الذي يفهمه ويستطيع الحوار معه في المرتبة الأولى.
- ما الفارق بين القصّة التي يقرؤها الطفل وتلك التي يسمعها؟
ميّزت عبد الله بين القصّة التي يقرؤها الطفل في مكتبة المدرسة، وتلك التي يقرؤها في المنزل. وذلك لكون القصّة التي يقرؤها في المنزل هي قصّة للمتعة والاكتشاف، وأمّا في المدرسة فهي تختلف تمامًا.
وبخصوص القصّة المسموعة، أشارت إلى أنّ استخدام القارئ في سرده للقصّة أسلوبًا حكواتيًّا مُناسبًا، يجعل الطفل ينسجم مع القصّة. وأمّا المقروءة، فأكّدت على أهمّيّة كون الطفل يقرأ القصّة للمتعة، لا لكونها واجبًا عليه.
- الفُصحى أم العامّيّة، أيّهما أقرب إلى لغة القصّة للطفل؟ وهل العلاقة بينهما هي علاقة تضادّ وخصومة دائمًا؟
أكّدت مصاروة من جديد على كون العامّيّة لُغة غير منفصلة عن الفُصحى. وأشارت إلى وجود لُغة واحدة، وضمنها نستكشف مستويات مُختلفة، وإلى أهمّيّة كشف الطفل مبكّرًا، على اللغة الفصحى، ولا سيّما عبر القصص. وتحدّثت عن أهمّيّة القصص، كونها تنشّط مناطق مُختلفة من الدماغ في آنٍ، خصوصًا إن قُرأت بطريقةٍ تفاعليّة.
وشاركت مصاروة تجربة بحثها التي سعت ضمنه لفحص تفاعل مجموعة من الأطفال الذين تعرّضوا للقصّة ذاتها، ولكن قُرئت عليهم مرّة بالعامّيّة، ومرّة أُخرى بالفُصحى، ومرّة ثالثة بالدمج بين اللغتين. وكانت النتيجة أنّ الطفل، في عمر الخامسة، قادر على أن يتعامل مع القصّة باللغة الفُصحى، ويستطيع أن يكشف عن مضامين القصّة الخفيّة، وأن يستنتج معطيات مُختلفة. وتحدّثت عن أهمّيّة عدم الدمج بين الفصحى والعامّيّة، إذ تشتّت هذه الطريقة الطفل، بينما أكّدت على أهمّيّة توظيف الفصحى في الحوار والقراءة لأنّ ذلك قادر على فتح ذهن الطفل على مساحات جديدة من التفكير والخيال.
- هل يفرض النصّ نفسه اللغة التي يُكتب بها؟
أشارت سروجي إلى أنّ هُناك عناصر مُختلفة، مثل عناصر الحكايات الشعبيّة، علينا أن نحافظ على وجودها، كونها تحملُ مضامين ثقافيّة ستضيع إن قمنا بتغيير اللغة المكتوبة، وأنّ هناك أساليب في رواية الحكاية، لا يمكن نقلها. وأضافت أنّ علينا الموازنة بين عُمر الطفل واللغة المستخدمة، وبالتالي تطوير قاموسه اللغويّ بشكلٍ تدريجيّ معياريّ لا يصدمه، بل يتماشى مع عمليّة التعلّم والقراءة.
وشاركت تجربة كتاب "قول يا طير" للكاتب الفلسطيني د. شريف كناعنة، إذ كتبَ الحكايات باللّغتين، حتّى تُتاح الحكايات للجمهور العربيّ، وهذه تجربة يمكن تعميمها.
المحور الثاني: كنز اللغة في القصّة
- ما العوامل التي تؤثّر في اختيار الكاتب مواضيع قصصه ومستويات لغتها؟
أكّدت برّاج أنّ الهدف الأساسيّ للكتابة هو المتعة، بغضّ النظر إنْ كانت القصّة ستكون ضمن منهج ما أم لا. وأشارت إلى أنّ القصّة لن تستطيع تمرير أيّ قيمة تربويّة إن لم تكن تقدّمها ضمن مقاربة ممتعة ومناسبة لعُمر الطفل وتطوّره الذهنيّ والفكريّ.
- ما هو الكتاب الجيّد للطفل؟
أجابت سروجي أنّ الكتاب الجيّد للطفل هو الكتاب الذي يستطيع أن يرى نفسه فيه، ويستطيع أن يفهم من خلاله ما يدور في عوالمه الداخليّة، ويستطيع أن يفهم أكثر من يدور حوله، وهو الكتاب الذي يستطيع أن يطلّ الطفل من خلاله على معارف جديدة عمليّة وحياتيّة، وهو الكتاب الممتع للطفل الذي يمنحه مساحات تفكير جديدة.
- ما المعايير اللغويّة التي يمكن الاستناد إليها لاختيار قصّة لصفّ معيّن؟
أشارت عبد الله إلى حصر المعايير ضمن منطقين: معايير لغويّة شفاهيّة، ومعايير لغويّة كتابيّة. وشدّدت على أهمّيّة استثمار القصّة لتعزيز مهارات الطفل الكتابيّة والسرديّة، مثل ضرورة توظيف جُمل القصّة وتقنيّاتها وتراكيبها لتعزيز مفاهيم مُختلفة لدى الطفل، ولشرح عناصر القصّة، وتعزيز مهارات، مثل حُسن الاستماع، والخطابة، ومهارات الحوار.
أمّا مصاروة، فأكّدت على أهمّيّة مواءمة المعايير اللغويّة لعُمر الطفل، لتبقى القصّة مفهومة له. وأشارت إلى ضرورة أخذ زمن القصّة بعين الاعتبار، لما لهُ من قدرة على منح الطفل مساحة لفهم النصّ. وتحدّثت على أهميّة مجموعة من الظروف، منها: اختيار نصوص تتعامل مع عدد كلمات جديدة معيّن لئلّا يصعب على الطفل فهمها؛ والمبنى القصصيّ الواضح، لكون القصّة تساهم في بناء المنطق القصصيّ للطفل؛ وعدم تشتيت الطفل بمخطّطات ذهنيّة معقّدة ومركّبة، إنّما التسلسل بهذه المخطّطات الذهنيّة.
- ما رأي الأطفال في هذه القصص ومعاييرها؟
تحدّثت مصاروة حول وجود هذا السؤال بشكلٍ يوميّ مع كلّ المنشغلين بالحقل التربويّ. وأشارت إلى نقص موجود من جوانب أكاديميّة حول معايير اختيار الكتاب الجيّد، وحول رأي الأطفال بهذي الكتب والقصص. وركّزت على ضرورة النظر من منظور الطفل حول هذه القصص.
المحور الثالث: اللغة بصريّة أيضًا
- كيف يكون التعامل مع النصّ اللغويّ والرسومات؟
تحدّثت برّاج عن كون الرسّام مؤلّفًا آخر للقصّة. والرسومات، بالتالي، مكملّةٌ للنصّ، بل تمثّل نصًّا موازيًا. وأشارت إلى أهمّيّة تصميم الرسومات والكتاب بشكلٍ عامّ.
- كيف نستعمل النصّ البصريّ الموجود في قصص الأطفال؟
هُنا، أشارت عبد الله إلى الاستثمار بخيال الطفل لتأليف قصّة جديدة عبر هذه الرسومات، وهذا يمثّل عصفًا ذهنيًّا وتشويقًا للقصّة التي سنقرؤها لهم، ما يفتح المساحة على الدمج بين القصّتين.
وتحدّثت سروجي عن أهمّيّة هذه الرسومات للمساعدة في فهم النصّ، وكذلك، إلى علاقة التتمّة للأحداث، والكشف المُختلف بين النصّين اللغويّ والبصريّ. وعقّبت مصاروة إلى أنّ أبحاثًا عديدة وضّحت أنّ عيون الأطفال تذهب إلى الرسومات، وأكّدت على أهمّيّة تدعيم النصّ اللغويّ بنصّ بصريّ غنيّ ومدهش.
في الختام
اختُتمت الندوة بنقاشات مع أسئلة الجمهور، منها حوارات مُختلفة مثرية حول محلّيّة القصّة، وإيجابيّة الطفل، وماهيّة القيم والمواضيع التي نستطيع إيصالها للطفل وتلك التي لا نستطيع الكتابة عنها، إلى جانب تجارب وأمور وقضايا تربويّة أُخرى.
واختتم الأمير الندوة بأنّه القصّة ككنز للغة موضوع كبير يتناول الإبداع والتفكير. وأشار في النهاية إلى الأمل بأن تكون الندوة قد أضاءت على أسئلة ومناطق حوار ونقاش للجمهور، لإعادة إنتاج مُمارساتهم في الصفوف والبيوت، وإعادة التفكير في المواضيع المُختلفة من جديد.