ندوة: العدوان على لبنان.. عن الأطفال والتعليم
ندوة: العدوان على لبنان.. عن الأطفال والتعليم

عقدت منهجيّات ندوتها لشهر تشرين الأوّل/ أكتوبر 2024، بعنوان "العدوان على لبنان: عن الأطفال والتعليم". وركّزت على محاور مختلفة، هي:

1. العائلات والطلّاب في قلب الصدمة: كيف نتعامل مع التحديّات؟

2. دور المعلّم واستراتيجيّات التعاطي مع الطّلاب في حالة صدمة.

3. التّعليم وسط الحرب بين التحديّات والمواجهة.

 

استضافت الندوة مجموعة من المتحدّثات: أ. نانسي قارووط، اختصاصيّة علم النفس ومعالجة نفسيّة لجميع الفئات العُمريّة؛ أ. رنا قبيسي، مديرة ثانويّة الكوثر؛ ميس غيث، مرشدة المرحلة الثانويّة في الأكاديميّة العربيّة الدوليّة.

أدارت الندوة د. مي أبو مغلي، باحثة يتركّز عملها على مناهج تعليم حقوق الإنسان، والتطوير المهنيّ للمعلّمين في الأزمات وحالات الطوارئ وتعليم اللاجئين، وأستاذة مساعدة في معهد الدوحة للدراسات العُليا في برنامج حقوق الإنسان. استهلّت د. أبو مغلي الندوة بالتعريف بمنهجيّات مجلّة تربويّة إلكترونيّة دوريّة، موجّهة لكلّ العاملين في القطاع التربويّ في السياق المجتمعيّ. تعمل المجلّة على نشر المساهمات العربيّة والعالميّة المثرية والملهمة دوريًّا، وبأشكال تعبير مختلفة ووسائط متعدّدة، وتتابع المستجدّات في الحقل، وتشجّع الحوار الذي يثري التجربة التربويّة في العالم العربيّ، ويجعل منها مصدرًا إنسانيًّا ومعرفيًّا قيّمًا للأفراد والمؤسّسات. ودعت جمهور الندوة إلى متابعتها والمُشاركة في أقسامها.

وأضاءت د. أبو مغلي على أهمّيّة المساحات كمنهجيّات في زمن الإبادة، إذ تُحرّر التعبير والتفكير والتعليم النقديّ والحرّ، أكثر من أيّ وقت مضى، لتشكيله فسحة أمل، نستطيع بها الاستمرار والمحافظة على قدراتنا على التجريب والتخيُّل والابتكار والإبداع، بغضّ النظر عن الظروف الإنسانيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة الصعبة. وأشارت إلى إخطارات الإخلاء التي وجّهها الاحتلال لإخلاء مدينة بعلبك اليوم، 30 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2024، والتي يعيش فيها أكثر من 100 ألف إنسان، في مدينة يعودُ تاريخها إلى أكثر من 9000 عام. كما تحدّثت على التدمير المُمنهج الذي يُمارسه الاحتلال في لبنان منذ تشرين الأوّل 2023، والذي أدّى إلى تهجير السكّان واستشهاد أكثر من 2500 إنسان. والأمر لم يقتصر على تهجير الإنسان وتشريده وحسب، إنّما يتضمّن التدمير المنهجيّ لتاريخ شعب وهويّته.

وذكرت د. أبو مغلي أنّ نصف المدارس الرسميّة في لبنان تحوّلت إلى ملاجئ للنازحين قسريًّا، ما أدّى إلى تعطيل تعليم الأطفال، وزيادة التهديد لسلامتهم البدنيّة والنفسيّة والعقليّة. وقالت وزارة التعليم اللبنانيّة إنّ غارات الاحتلال الإسرائيليّ الجوّيّة أجبرت حوالي 40% من تلاميذ لبنان، أي مليون ونصف طالب وطالبة، على ترك منازلهم، وإرجاء بداية العام الدراسيّ للمدارس الرسميّة. كما ذكرت أنّ هنالك 500 مدرسة رسميّة باتت ملاجئ في أعقاب تصاعد العدوان الإسرائيليّ على لبنان منذ 23 أيلول 2024، ما أدّى إلى نزوح خُمس سكّان لبنان. وفي ظلّ هذه الظروف غير المسبوقة، والإبادة في غزّة، والعدوان على لبنان، وفقدان الأمن ومصادر الرزق، علينا أنْ نفكّر في دور التعليم ودور المؤسّسة التربويّة في هذا السياق، وكيف علينا أن نتعامل كأهل ومعلّمين مع الطلّاب الذين يمرّون بهذه الظروف القاسية؟ وما التأثيرات النفسيّة والمجتمعيّة للعدوان المستمرّ، والذي يستهدف التعليم؟ وكيف ننظر إلى المنخرطين في هذا القطاع؟ وما الدور المنوط بهم؟

 

المحور الأوّل: العائلات والطلّاب في قلب الصدمة: كيف نتعامل مع التحديّات؟

أشارت أ. غيث إلى أنّ صمود الناس ومُشاركتهم في هذه الندوة مثالًا، وحرصهم على الحفاظ على أمان عائلاتهم خلال هذه الأوقات الصعبة يدعوان إلى الاحترام. وداخلت حول التنوّع في الظروف المعيشيّة تحت وطأة الحرب، فالعائلات في لبنان تمرّ بتحدّيات كبيرة وظروف معيشيّة متباينة. بعض العائلات تُقيم في خيام بجانب الطرقات، وأُخرى تلجأ إلى المدارس، أو تعتمد على التعليم عبر الإنترنت، أو تجد مأوًى مؤقّتًا في منازل الأصدقاء أو الغرباء. وهناك عائلات تعيش في مناطق تتعرّض إلى ضربات جوّيّة ومجازر، ما يُضيف تحدّيات وأخطارًا يوميّة.

ولفتت أ. غيث الانتباه إلى أنّ تأثير الصدمة سيكون عميقًا وطويل الأمد، فالصدمة ليست مجرّد حدث، بل أثر داخليّ يشمل التغييرات العميقة التي تحدث في نفسيّة الأطفال وأجسادهم. وأشارت إلى أنّ التأثيرات نفسيّة وجسديّة واجتماعيّة، تقود إلى معاناة الطلّاب المتأثّرين بالصراع المستمرّ، من مشاعر القلق الشديد والخوف والشعور المستمرّ بالخطر. ويؤدّي ذلك إلى سلوكات ظاهرة، مثل العدوانيّة، أو الانسحاب، أو نوبات غضب متكرّرة، أو ردود فعل غير متوقّعة. وشدّدت على أنّ الصدمة قد تبان في مشاكل في الصحّة الجسديّة، كصداع متكرّر في الرأس، وآلام حادّة في المعدة، وفي أعراض جسديّة متنوّعة بدون سببٍ طبّيّ واضح.

ونوهّت أ. غيث بأنّ التأثير في التعليم يأتي ضمن أشكال مختلفة، منها: صعوبة التركيز والتعلّم. فالقلق المستمرّ والشعور بعدم الأمان يجعلان من الصعب على الطلّاب التركيز على دراستهم، خصوصًا عندما تكون الدراسة عبر الإنترنت، أو في بيئات مؤقّتة. وأشارت إلى أنّه من الطبيعي شعور الأهل بالخوف والقلق، والأطفال غالبًا يستشعرون ذلك. وهُنا، أكّدت على أهمّيّة تقديم الأمان بقدر المستطاع، حتّى في الأوقات العصيبة؛ أي محاولة لخلق لحظات بسيطة من الأمان أو الطمأنينة، مهما كانت صغيرة، قد تساعد في تخفيف مشاعر الخوف أو عدم الأمان عند الأطفال. كما شاركت أهمّيّة الانتباه إلى التغيّرات الاجتماعيّة والسلوكيّة، فقد يواجه الأطفال صعوبة في بناء الثقة بالآخرين، فيبتعدون عن محيطهم، أو يظهرون سلوكات نكوصيّة استجابةً لشعورهم بعدم الأمان، وهو ما يدفع بالأطفال إلى حاجة ضروريّة للتواجد بالقرب من الأهل، في خضمّ بحثهم عن شعور الأمان.

وأمّا عن تقديم الدعم العاطفيّ والأمان النسبيّ، فشاركت أ. غيث بعض النصائح في سبيل ذلك، مثل توفير مساحة آمنة للتعبير عن المخاوف من غير إصدار أحكام، وإتباع نهج حسّاس وداعم، وتقدير مشاعرهم، والحفاظ على الهدوء. وأكّدت على أهمّيّة إعطاء الأطفال المساحةَ للتعبير عن مشاعرهم بحرّيّة، فمن المهمّ أن يُمنح الأطفال مساحة تعبيريّة من خلال الرسم؛ اللعب؛ الكتابة، كونها وسائلَ تُتيح لهم التعبير عن أنفسهم، وتخفيف شعورهم بالعبء. ونبّهت إلى ضرورة الانتباه إلى فهم الانفصال العاطفيّ وآثاره، كالشعور بالعزلة والوحدة النفسيّة، وصعوبة التعبير عن المشاعر، وتجنّب المواقف العاطفيّة، والشعور بالفراغ الداخليّ. وذكرت خطوات بناء التواصل العاطفي، على غرار تطوير الوعي بالمشاعر الذاتيّة، وتعلّم لُغة المشاعر والتعبير عنها، ومُمارسة التعاطف مع الذات والآخرين، وبناء الثقة تدريجيًّا في العلاقات.

ومن باب أهمّيّة الانتباه إلى بناء التواصل العاطفيّ، كونه وسيلة ستُخفّف من الصدمة، وستسهّل لاحقًا عودتهم إلى الحياة الطبيعيّة، ذكرت أ. غيث مجموعة استراتيجيّات لعمليّة التواصل، منها: الإصغاء النشط والتواجد، والتعبير عن المشاعر بصدق وانفتاح، والمشاركة في أنشطة جماعيّة هادفة، وطلب المساعدة المهنيّة عند الحاجة. كما أشارت إلى مؤشّرات التحوّل الإيجابيّ، وهي زيادة القدرة على التعبير العاطفيّ، وتحسّن جودة العلاقات الشخصيّة، والشعور بالراحة في المواقف العاطفيّة، وتطوّر مهارات التواصل العاطفيّ.

وتحدّثت أ. غيث عن دعم الأطفال اللبنانيّين خارج لبنان خلال الأوقات الصعبة، والذين تظهر عليهم علامات التأثّر، ومنها الاهتمام المتزايد بالأخبار ووسائل التواصل الاجتماعيّ، والشعور بالذنب أو العجز، أو الحماية المفرطة كاستجابة للشعور بالخطر. وذكرت خطوات دعم الأطفال خارج لبنان، منها الاستماع وتفهّم المشاعر، وتشجيع الأطفال على التحدّث على مشاعرهم وقلقهم، وتعزيز الشعور بالاحتواء والطمأنينة.

 

وهُنا، افتتحت أ. قارووط باقتباس من كِتاب الراحل د. مصطفى حجازي "التخلّف الاجتماعيّ: مدخل إلى سيكولوجيّة الإنسان المقهور" وهو: "التعلّم هو ممارسة للحرّيّة ووسيلة للتمكين والوعي وأداة لمقاومة الجهل وتحرير العقول، مع التشديد على ضرورة خلق فرص تعلّميّة في أصعب الظروف لأنّ الحرب تؤدّي إلى تدمير البُنية التعليميّة وتخلق بيئة من الخوف والقلق". وأكّدت على ضرورة الانتباه إلى التفكير النقديّ، خصوصًا في أوقات الأزمات، كونه يساعد الأفراد على فهم واقعهم ومواجهته بشكلٍ فعّال، وهو فرصة لكي يواجه المعلّمون والمتعلّمون معًا القهر، ولتخطّيه من أجل تفعيل صوت المقهورين.

وقدّمت أ. قارووط مجموعة إرشادات حول تعامل الأهل مع الأطفال في هذه الفترة، مُشيرةً إلى ضرورة فهم أنّنا ما زلنا في خضمّ الأزمة. وفي هذا الصدد، على الدعم النفسيّ أن يقتصر على الإسعافات النفسيّة الأوّليّة والتعبير عن المشاعر، وهذا دور المرشدين النفسيّين لمُمارستهِ على الأرض أو عبر الإنترنت. وأشارت إلى أنّ الأهل مصدر للأمان بالنسبة إلى الأطفال. لذا، فمن الضروريّ، بقدر المستطاع، أن يسيطر الأهل على انفعالاتهم أمام الأطفال. تحدّثت أ. قارووط حول أهمّيّة عدم الكذب على الأطفال، وأهمّيّة التعبير الصادق عن حمايته، وذكر أنّ هناك خطّة بديلة، من دون قمع مخاوف الطفل، بل تشجيعه على التعبير عنها. وأشارت إلى أهمّيّة إشغال الطفل باللعب أو بمساعدة الأهل في الأعمال المنزليّة، أو الأعمال التطوّعيّة بطبيعة الحال إن كان متواجدًا في منطقة آمنة. كما أكّدت على ضرورة المحافظة على روتين الطفل، فذلك يُشعره بالأمان.

ووجّهت أ. قارووط نصيحة إلى الأهل، هي عدم متابعة الأخبار في كلّ الأوقات أمام الطفل، خصوصًا إن احتوت على مشاهد صعبة. ولإبقاء الطفل في السياق، يُمكن بناء حوارات معه حول السياق التاريخيّ للأزمات، مع التركيز على أنّ الأزمات تنتهي من أجل منحه أملًا. كما يُمكن الحديث مع الطفل حول أهمّيّة الصمود، وأنّ كلّ أزمة نمرُّ فيها تجعلنا أكثر قوّة وصلابة. وأشارت إلى أنشطة مختلفة للتركيز على منح الطفل الأمل، منها سؤال: ما أوّل شيء ستفعله عندما تنتهي الحرب؟

وشدّدت أ. قارووط على ضرورة اللجوء إلى اختصاصيّ نفسيّ في حال ظهرت مؤشّرات عند الطفل، مثل عدم النوم؛ التبوّل اللّا إرادي؛ رجفة؛ اصفرار؛ اضطراب الأكل. كما أشارت إلى ضرورة تخفيف التوقّعات من الذات في هذه المرحلة، "فلا تتوقّع أن تكون مثاليًّا في الحرب"، ومن المتوقّع عدم القدرة على الالتزام بأيّ فكرة من هذه الأفكار أو الاقتراحات في خضمّ الحرب. وتحدّثت على أنّنا، كأهل، نتصرّف أحيانًا بفطرتنا وقد تكون هذه المُمارسات الفطريّة أفضل من أيّ مُمارسات أُخرى، مع الإشارة إلى ضرورة التخفيف عن الذات، فنحنُ نبذل جهودنا من أجل تجاوز الأزمة معًا.

 

وأكّدت أ. قبيسي، في خِتام المحور الأوّل، أنّنا من الضروريّ دائمًا أنّ نتحدّث بلغة الأمل، ولغة الغد الأجمل، من دون أن نحصر أنفسنا وأطفالنا في جوّ الحرب والأزمات، بل التساؤل عن الغدّ، وما الذي سنفعله معًا بهذا الغدّ؟ والتشديد على أنّ الأزمة ستمرّ. وأشارت إلى أنّ هذا خطاب ضروريّ مع الأطفال.

 

المحور الثاني: دور المعلّم واستراتيجيّات التعاطي مع الطّلاب في حالة صدمة

داخلت هُنا أ. قبيسي حول دور المعلّم، فهو المعلّم المربّي في الأزمات، وعليه أن يتغلّب على تحدّي التكيّف، حتّى لا ينقل ظروفه وانطباعاته ومشاعره ويسقطها على الطلبة. وتحدّثت عن تواصل المعلّم والطالب عن بُعد، إذ على المعلّم، في هذا السياق، أن يتفاعل مع الطالب من خلال وسائط، ما قد يدفعه إلى التخلّي عن بعض الأهداف التعليميّة من أجل التركيز على سلامة الطالب النفسيّة العاطفيّة، بالتركيز على أنشطة التفريغ النفسيّ، والتي تفتح مساحةً أمام الطالب من أجل التعبير، وبناء حوارات معهم، وأن يجعلهم يقودون هذه الحوارات وبالتالي سنتعرّف إلى طريقة تفكيرهم، ومساعدتهم بطريقةٍ إيجابيّة.

أمّا أ. غيث فتحدّثت على أنّ المعلّم أو المرشد أو أيّ شخص يتعامل مع الأطفال، أن يعرف أنّ الصدمة تؤثّر في كلّ طفل بطريقةٍ مختلفة. وبالتالي، يجب على تعاملنا مع الأطفال أن يكون واعيًا جدًّا، وعدم الحُكم عليهم بناءً على التوقّعات، بل بناءً على فهم السياقات التي مرّوا فيها، وبالتالي مساعدتهم على التجاوز وعلى الانخراط. كما أشارت إلى أهمّيّة التواصل مع الأهل، والاطمئنان عليهم، وعلى الطفل في المنزل، وتقديم الدعم النفسيّ حتّى للأهل، فهم شركاء المعلّم من أجل مصلحة الطالب، وصحّته وشعوره بالأمان وتعافيه.

وشاركت أ. قارووط بأنّ المعلّم والطالب يمرّان في ظروف مُتشابهة، ولكنّ المعلّم بخبراته المتراكمة أكثر قدرةً على التكيُّف مع ظرف الأزمة. ومن الضروريّ أنّ ينتبه المعلّم إلى صحّته النفسيّة، وصحّة زملائه النفسيّة، خلال عمليّة التعلّم أو قبل ذلك، حتّى يتمكّن من أداء دوره في ظلّ الأزمة. وأشارت إلى ضرورة أن تكون الدروس التي يحضّرها المعلّم مرتبطة بالواقع، باستغلال مرونة المناهج، من دون أن يتعامل في سياق الأزمة، كما يتعامل في السياق الطبيعيّ العاديّ. كما عليه تحديد الأولويّات والأهداف التي سيعمل عليها خلال الأزمة، والتركيز على التعلّم المجتمعيّ والعمل التطوّعيّ، وبالتالي الانتباه إلى المعاني اليوميّة التي يتعرّض إليها الطلبة، إذ تسمح الفرصة في هذا السياق إلى تعزيزها وتكوين معاني مُشتركة حولها.

وأكّدت أ. قبيسي على أهمّيّة التواصل مع الأهل، خصوصًا عند التواصل مع الأطفال عن بُعد. وبالتالي، نحنُ بحاجة إلى حوارات مستمرّة داعمة وتثقيفيّة مع الأطفال، حتّى نستطيع بناء مجتمع قويّ يُحيط بالطفل من أجل حمايته، وتحرير تعبيره.

وداخلت د. أبو مغلي حول أهمّيّة التفكير باستراتيجيّات، تبني على التعامل مع الصدمات بدلًا من التعامل بردّة فعل مع الأحداث، خصوصًا في منطقة تمرّ بأزمات باستمرار.

وأشارت أ. قبيسي إلى أنّ تعزيز الدعم النفسيّ للأطفال بات موجودًا ضمن أدلّة واستراتيجيّات واضحة وفريق عمل مُمكّن، ذلك نتيجةً لمرور المنطقة بأزمات من سنة 2000 إلى اليوم. لكنّ الأزمات لا تُشبه بعضها، إذ تفرض كلّ منها تحدّيات جديدة، فأزمة اليوم مركّبة أكثر، والأدوات موجودة في هذا السياق، ولكنّنا بحاجة إلى التفكير بالأسلوب والطريقة باستمرار.

 

المحور الثالث: التّعليم وسط الحرب بين التحديّات والمواجهة

تحدّثت أ. قبيسي أنّنا نعقد ندوةً وسط الحرب، وهو ما يختلف عن ندوة بعد الحرب تستخلص دروسًا مستفادة. أمّا في خضمّ الحرب، فنحاول فهم ما هي الأزمة، وما طبيعة العدوان؛ فالعدوان اليوم يقتل ويهجّر أناسًا، ويهدّم بيوتًا. وفي الحرب يُفتقد أهمّ عنصر، وهو الحياة، وبالتالي انعدام الأمن والأمان. وهُنا، هل علينا التفكير في التعليم؟ هذا هو السؤال الجوهريّ، ففي خضمّ الحرب والأزمة، على التربويّين أن يحرصوا على عدم انقطاع الطلبة عن التعليم، من دون التمسّك بشكله التقليديّ، ولكن بمرونة كما ذكرنا سابقًا. وخلال إدارة هذه العمليّة، قمنا بالتنسيق بين مدارسنا ومدارس أُخرى، قمنا بمرحلة أولى أطلقنا عليها اسم "مرحلة الاطمئنان"، نطمئن على الطلبة والأهل والمعلّمين، من أجل فهم بداية العمل؛ فعلينا العمل مع المعلّمين، مثلًا، لتمكينهم من التعامل مع الطلبة. وقد استغرقت المرحلة الأولى وقتًا طويلًا، ذلك لوحشيّة العدوان، والاستراتيجيّة والمنهجيّة من أجل الاطمئنان، عبر استبيانات من أجل قراءة الظروف والواقع، والانتقال في الوقت المُناسب إلى مرحلة ثانية.

وقد قادت المرحلة الأولى من البحث والتقصّي والحوار، إلى مجموعة من ثلاثة مسارات تعلّميّة، قد تختلف في ظروفها التعليميّة، ولكنّنا في خضمّ المرحلة الأولى كنّا قد تواصلنا تواصلًا عميقًا مع الأهل، مؤكّدين أنّنا كمعلّمين عندنا رسالة أخلاقيّة واضحة، الآن بعدم انقطاع الطلبة عن التعليم، ولاحقًا بردم الفاقد التعليميّ عندهم. والمسارات الثلاثة هي: 1. التعليم الحضوريّ في مركزين، وبُني على أسئلة واستجوابات مع الأهل. 2. تعليم غير متزامن، بحيث نرسل موادّ للطلبة، غير مرتبطة بزمنٍ أو وقت، يُمكّن الطلبة من التفاعل مع هذه الموادّ أينما كانوا. 3. التعليم المتزامن المُباشر، عبر الإنترنت. وأشارت أ. قبيسي إلى أنّ الضابط للمسارات هو الأهداف التعليميّة، بناءً على الظروف وبمرونة، وبدخول الدعم النفسيّ مادّة أساسيّة، مرتبطة برزمة تحتوي على مجموعة أنشطة مع الطلبة والأهل. وأشارت أ. قبيسي إلى وجود دور اجتماعيّ للمؤسّسات التربويّة، يتمثّل بمساعدات لمراكز النازحين وتقديم الدعم النفسيّ في هذه المراكز.

 

وفي ختام الندوة، عولجت مجموعة من الأسئلة المحوريّة التي تتعلّق بتعامل الأطفال مع الأزمات النفسيّة والسلوكيّة الناتجة عن الحرب، بالإضافة إلى دور مؤسّسات المجتمع المدنيّ. كما نوقش دور المعلّمين وقدرتهم على التعامل إيجابيًّا مع التحدّيات الحاليّة، ما يستدعي تعزيز مهاراتهم ودعمهم في هذه الأوقات الصعبة. كما نوقشت آليّات وخبرات للتعامل مع الطلبة من ذوي الإعاقة خلال الحرب، والتي تعتمد على نوع الإعاقة، ومكان تواجد الشخص، وبالتالي تصميم برامج تتكيّف مع هذه الفئة، وأيضًا الحوار مع الأهل وزيارتهم من أجل تأمين أنشطة وبرامج مُناسبة. وأيضًا أكّدت المُشاركات على أهمّيّة التكافل الاجتماعيّ، وهو يمثّل قيمة من القيم التي علينا التفكير فيها في عمليّة التعليم، كون هذه الظروف تمثّل فرصة لتعزيز قيم مهمّة في هذا السياق.