نظّمت منهجيّات ندوتها الشّهريّة في 19 كانون الثّاني 2022، بالشّراكة مع جامعة العلوم والآداب اللّبنانيّة، تحت عنوان "الأثر الإيجابيّ للتعلّم عن بعد على المتعلّمين ذوي الصعوبات التعلّميّة". وركّزت النّدوة على محاور أربعة، هي:
- عرض آليّة التعليم المعتمدة في كلّ من قطر ولبنان والأردنّ، وأهمّ المعوّقات المتعلقة بتعليم ذوي الصعوبات التعلّميّة.
- استراتيجيّات وتدخّلات فعّالة من خلال تجارب حيّة في التعليم عن بعد في زمن كورونا.
- الشراكة مع الأهل ودور الأهل كداعمين للمعلّم في التعليم عن بعد.
- التعلّم عن بعد وتأثيره على الجانب النفسيّ والانفعاليّ، خاصّة من جهة الأهل.
وشاركَ في النّدوةِ كلّ من: الأستاذة فاطمة سكيكي، حائزة على إجازة بتعليم اللّغة الفرنسيّة من كلّيّة التربية الجامعة اللّبنانيّة، ولديها خبرة لأكثر من عشر سنوات في مجال الصعوبات التعليميّة داخل المدارس- لبنان. والأستاذة دينا حسنين، منسّقة قسم الدعم في الأكاديميّة العربيّة الدوليّة- مصر/ قطر. والأستاذة ندى قاقيش، معلّمة في مدرسة الأهليّة والمُطران، وحاصلة على دورة مهارات إدراكيّة والعديد من دورات البكالوريا الدوليّة- الأردن.
أدارت النّدوة د. سكينة النابلسيّ، حاصلة على دكتوراه في التربية المختصّة من جامعة إكستر- بريطانيا، أشرفت على العديد من الأبحاث التربويّة للطلّاب في اختصاص التربية المختصّة، ومهتمّة بشكلٍ خاصّ بالقياس والتشخيص للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصّة.
واستهلّت د. النابلسيّ النّدوة بالتّعريج على عدد مجلّة منهجيّات السّادس، الذي خُصّص لموضوع تأثير التعلّم عن بُعد على ذوي الاحتياجات الخاصّة، وأشارت إلى أهمّيّة الرّبط بين موضوع العدد وموضوع الندوة، وأهمّيّة، كذلك، التركيز على الأثر الإيجابيّ للتعلّم عن بُعد، ذهابًا لمُشاركة الأفكار والتوجّهات مع مُختلف المتعلّمين من الوطن العربيّ.
حول آليّات التعليم
مهدّت النابلسيّ لهذا المحور عبر تعبيرها عن أنّ التعليم عن بُعد كان قد شكّل صدمةً للطلبة على حدٍّ سواء، فكيف للطلبة من ذوي الصعوبات التعلّميّة أو من ذوي الاحتياجات الخاصّة. ومن هُنا، مهّدت لهذا المحور بأنْ يكونَ عرضًا لتجارب من ثلاث دول عربيّة، هي: لبنان وقطر والأردن.
استهلّت حسنين الحديث، ضمن هذا المحور، بالإشارة إلى أن وجود نظام إلكترونيّ في الأكاديميّة العربيّة الدوليّة، كان يعمل للتواصل مع الأهل قبل الجائحة، كما منصّات لمتابعة نشاطات الطلبة عن بُعد. هذه الإمكانيّات، ومن اليوم الأوّل، ساهمت بخلق حلّ سريع وعمليّ ضمن خطط أسبوعيّة ومُشاركة مصادر مع الطلبة والأهل. وكذلك، شكّل تسجيل الحصص بالإضافة إلى حصص مُباشرة مع الطلبة آليّات ناجعة وناجحة للتّواصل مع الطلبة وعدم الانقطاع عنهم.
أما قاقيش، وبما يخصّ تجربة الأردن، فتحدّثت عن تقليل مدّة الحصّة عن بُعد، وتبسيط الأهداف، لئلّا يُثقل الطلبة والأهل ضمن الظرف الاستثنائيّ بمهام كثيرة. وأشارت إلى أنّ تجهيز منصّات تتناسب وقدرات الطلبة وتسمح للتفاعل بين المعلّم والطالب، بالطّبع بعد تدريب الأهل والمعلّمين، وتقسيم الصفّ إلى جزئين، مع معلّمين لا مُعلّم واحد، ساهمت بتحقيق أهداف عديدة منها، مراعاة الفروق الفرديّة ومتابعة الطلبة.
وتحدّثت سكيكي عن تجربة لبنان بالإشارة إلى التنوّع بآليّات العمل بين القطاعين العام والخاصّ، خصوصًا في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة التي يمرّ بها البلد. وبما يخصّ التعليم عن بُعد، أشارت سكيكي إلى البحث عن دراسات سابقة تناولت التعليم عن بُعد، لتصبح ركيزةً لطريقة المدرسة، وللاعتماد على أسس منهجيّة في هذه المرحلة المُفاجئة. وتمثّلت الآليّة بأربع نقاط أساسيّة، في ظلّ عدم توفّر منصّات سابقة، هي: 1. تحديد الأهداف الرئيسيّة لكلّ مادّة. 2. تحديد المنصّة التعليميّة المُناسبة للاستخدام. 3. التواصل مع الأهل وتثقيفهم إلكترونيًّا. 4. تحديد برنامج يوميّ لشرح مفاهيم وتطبيق عمليّ للمفاهيم النظريّة.
استراتيجيّات وتدخّلات
تحدّثت قاقيش حول أنّ المرض بحدّ ذاته كان تحدّيًا كبيرًا، الأمر الذي يحتاج دعمًا وتفهّمًا وتثقيفًا للأهل والطلبة. هُنا مثّل تحدي التزام الطلبة والأهل تحديًا أساسيًّا، كوننا نتعامل مع طبيعة اختلفت جذريًّا، وباتت البيئة المنزليّة مهمّة جدًّا للمُعلّم كذلك، ليتمّ عرض المُحتوى بطريقة سلسلة وواضحة وتحفّز الحواس.
وحول تهيئة الطلبة نفسيًّا، عرضت حسنين تجربة تتمثّل بتحويل بيوت المعلّمين كذلك لبيئة تعليميّة تدعم الحصص وتوضّح المفاهيم، ذلك بتوظيف نشاطات داعمة ومُحفّزة للطلبة سواء خلال التعليم أو ما بعد التعليم، بمعنى نشاطات عمليّة يوميّة تفاعليّة تدعم الطلبة والأهل على حدٍّ سواء. وتحدّثت حسنين عن استراتيجيّة توظيف فيديوهات شخصيّة بسيطة لتوضيح تقنيّات مُعيّنة، بالتّالي، تعليم الأهل تقنيّات بشكلٍ مُباشر لتسهيل تنفيذها مع الأطفال.
أمّا سكيكي فداخلت حول تحدّي التعامل مع الطلبة ذوي الصعوبات من خلف الشّاشة، وكانت الأنشطة بمثابة حلّ مهمّ لمساعدة الطالب ليحافظ على تركيزه وتواصله. ومثّل استخدام استراتيجيّة النشاط التمهيديّ استراتيجيّةً نجحت لتمهيد الطالب للحصّة، بالتّالي يكون الطالب حاضرًا للحصّة وجاهزًا للتفاعل مع المفاهيم الجديدة.
حول مراعاة الفروق الفرديّة والشّراكة مع الأهل
استضافت النّدوة، ضمن هذا المحور، أهالي لطلبة من ذوي صعوبات التعلّم، لمُشاركة تجاربهم مع أطفالهم، وملاحظة التحدّيات والصعوبات والإيجابيّات التي مرّوا بها. هُنا أشارت النابلسيّ حول أهمّيّة دور الأهل، خصوصًا أهل الطلبة من ذوي الصعوبات التعلّميّة، وسماع هذا الدور من قِبل المدرسة، ذلك للتأمّل والمراجعة، وذهابًا لابتكار استراتيجيّات وتقنيّات خاصّة تدعمهم، وتدعم عمليّة تعلّمهم.
بدأت الأستاذة زينب محمّد بالحديث عن تجربة طفلها بالإشارة إلى الدّور التكامليّ داخل الأسرة لمُساعدة الطفل، وأشارت إلى دور المدرسة، التي كانت على تواصل ومتابعة وتحضير للأهل للتعامل مع الطفل والمنصّة على حدٍّ سواء. وأشارت إلى أنّ هذه الشّراكة والتواصل ذلّلت صعوبات مُختلفة، وساهمت بتجاوب الطفل أكثر، كما أشارت إلى أنّ الطفل، محمود، بات مُنظّمًا وواضحًا بفضل هذه الشّراكة واستراتيجيّات التعلّم، وساهمت هذه التجربة لتجعل محمود مُلمًّا أكثرَ بمسؤوليّاته.
وتحدّثت الأستاذة ياسمين حمدان عن خوفها مع بدء الجائحة كون طفلتها ستتوقّف عن حضور حصص التخاطب، ولكن النتيجة كان مُختلفة، كون متابعة المعلّمين عبر المنصّات والحرص على الحصص أدّى لتجربة ناجحة جدًّا، خصوصًا وأنّ حصص التخاطب كانت حصصًا فرديّة، بالتّالي هذا الاهتمام كان مصدرًا للتركيز أكثر. وأشارت حمدان إلى أنّ طفلتها طوّرت من مستواها اللّغويّ، الأمر الذي مثّل نجاحًا بالنّسبة لها. وذكرت حمدان إلى أنّ هُناك أسبابًا مُختلفة ساهمت بهذا التطوّر، منها المُعلّم وأسلوبه المُختلف، ومنها المنصّات التي كانت تفاعليّة، وساهمت بجذب الطفلة ومساعدتها على التركيز.
تحدّثت سكيكي عن دور الأهل المُلهم في ابتكار أدوات تعليميّة ساهمت بتوصيل مفاهيم مُعيّنة لأطفالهم، منها تخصيص زوايا في البيت لمواضيع مُعيّنة، ذلك لإدراكهم أنّ العمليّة التعليميّة تشاركيّة، ودون هذا الدور التشاركيّ لن تحقّق العمليّة التعليميّة، خلال الظرف الاستثنائيّ، أهدافها.
ووضّحت قاقيش أنّ الاستراتيجيّات نجحت لأنّها أُتبعت بعمليّة تأمّل، وبمراجعة مع الأهل. وأشارت إلى أنّ تقسيم الصّفوف جاء نتيجة ملاحظات وسجلّ سابق للطلبة، وتمّ هذا التقسيم، ليحظى كلّ طالب بمساحتهِ الخاصّة. وتحدّثت عن الشّراكة المبنيّة مع الأهل قبل الجائحة، فأتت الجائحة وعزّزت هذه الشّراكة.
هُنا تحدّثت حسنين حول أنّ المعلّم والأهل قد تعلّموا من الأطفال المرونة والتكيّف والتقبّل، حيث قام الأطفال بخطوات سابقة ومفاجئة وتكيّيف خلّاق مع المنصّات الإلكترونيّة والتعامل مع التكنولوجيا كانت مهمّة وسابقة وسهّلت أُفق المعلّم أو المختصّ.
ماذا بعد؟
أشارت سكيكي إلى تغيّر التعليم بعد هذه التجربة، على سبيل المثال التعليم المُدمج، واستخدام وتوظيف المنصّات والفيديوهات لتوضيح مفاهيم مُختلفة لتخفيف العبء على الطلبة والمعلّمين والأهل، خصوصًا وأنّ هُناك أفقًا لتقليل الأيّام الدراسيّة، بعد أن تدرّب الطلبة لمدّة عام كامل على تقنيّات مُختلفة.
هُنا تحدّثت قاقيش إلى ضرورة الاستفادة من تقنيّات تنوّع الأساليب، والتأمّل المُستمر في بناء الحصص، ودراسة الاستراتيجيّة جيدًّا وتجربتها قبل تطبيقها فعليًّا، خصوصًا وأن تجربة التعلّم عن بُعد لم تكن تجربة تعلّميّة فقط، إنّما تجربة حياتيّة مليئة بالأنشطة والتجارب.
وداخلت حسنين حول أهمّيّة الاستمرار بمُراعاة الفروق الفرديّة، عبر استراتيجيّات مُختلفة، منها الحصص الإضافيّة، هذه الاستراتيجيّة التي أتت استجابةً للعائلات التي لديها عدد أطفال لا يتناسب وقدراتهم التكنولوجيّة، فكانت هذه الحصص الدّاعمة موجودة لإعطاء كلّ طفل حقّه في تجربة التعليم.
وختمت النابلسيّ النّدوة بأنّ هذه التجربة ساهمت ودعمت التعلّم وأضافت لهُ تجربة جديدة، فمهما كانت الظروف، التعليم هو شيء أساسيّ يجب أن نسعى لهُ بكلّ جهد ودافعيّة.