في ظلّ غياب الاستقرار، يُجبر الطلّاب على مواجهة واقع مرير يختلف تمامًا عن أحلامهم. في غزّة، حيث الحروب المتكرّرة والنزاعات المستمرّة، تحوّل التعليم من فرصة لبناء المستقبل إلى معركة أخرى في حياة الطلّاب اليوميّة. في كلّ عام، يعود الطلّاب إلى مدارسهم محمّلين بالأمل والطموح، ولكن هذا العام، وجد الكثير منهم أنفسهم بعيدين عن مقاعد الدراسة. وبدلًا من ذلك، يتعلّمون في الخيم المؤقّتة التي تحلّ مكان المدارس التي دمّرتها الحرب.
الحرب لا تقتصر على تدمير المباني والبنية التحتيّة فقط، بل تترك بصمتها العميقة على نفسيّة الطلّاب. الطلّاب الذين ينشؤون في بيئات غير مستقرّة ومليئة بالصراعات يعانون تأثيرات نفسيّة كبيرة. انعدام الأمان يولد مشاعر القلق والخوف، ويؤثّر في قدرتهم على التركيز والتعلّم. يُظهر الواقع أنّ حوالي نصف الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاع يعانون اضطرابات نفسيّة، مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) والقلق والاكتئاب.
في الظروف التي تتطلّب التعلّم في الخيم المؤقّتة، يصبح الوصول إلى موارد التعليم الأساسيّة تحدّيًا كبيرًا. غالبًا ما تفتقر هذه الخيم إلى الأدوات التعليمية المناسبة، والكتب، والقرطاسيّة. هذا النقص لا يؤثّر فقط في قدرة الطلّاب على التعلّم، بل يزيد من شعورهم بالهشاشة والضياع. تشير التقديرات إلى أنّ الطلّاب الذين يعانون انقطاع التعليم في مناطق النزاع يشهدون تراجعًا ملحوظًا في تحصيلهم الدراسيّ مقارنة بأقرانهم في البيئات المستقرّة. هذه البيئة تجعل التعلّم فعلًا صعبًا، حيث تترك الحرب في نفوس الطلّاب آثارًا تلازمهم لسنوات.
إلى جانب التحدّيات التعليميّة، يعاني الطلّاب صدمة نفسيّة مستمرّة بسبب الحرب. لذلك، ينبغي أن يكون الدعم النفسيّ جزءًا أساسيًّا من استجابة المجتمع الدوليّ والمحلّيّ. يمكن لجلسات الدعم النفسيّ للطلّاب أن تُسهم في تحسين تعاملهم مع التوتّر والضغط النفسيّ، كما أنّ الدعم النفسيّ الجماعيّ يُظهر تحسّنًا كبيرًا في قدرة الطلّاب على التكيّف مع هذه الضغوط. بصفتي اختصاصيّة نفسيّة، أرى أنّ الدعم النفسيّ للطلّاب لا يقلّ أهمّيّة عن توفير الموادّ التعليميّة. من خلال تجربتي في التعامل مع الأفراد المتضرّرين من الحروب، يمكنني القول إنّ الطلّاب الذين يعيشون في بيئات غير مستقرّة، يعانون نقصًا في الشعور بالأمان والثقة بالنفس. هذا النقص يمكن أن يؤثّر سلبًا في أدائهم الأكاديميّ وحياتهم المستقبليّة. لذا، من الضروريّ توفير برامج علاج نفسيّ تستهدف الطلّاب، لا لمجرّد مساعدتهم على التأقلم مع واقعهم، بل لمساعدتهم على استعادة الثقة بالنفس والشعور بالأمل بالمستقبل.
ولا ينبغي أن نغفل عن دور المعلّمين والمعلّمات في هذه العمليّة. المعلّمون الذين يعملون في بيئات متأثّرة بالحرب يواجهون ضغوطًا نفسيّة كبيرة، وقدرتهم على تقديم الدعم النفسيّ والتعليميّ للطلّاب تصبح محدودة إذا لم يتمّ دعمهم نفسيًّا هم أيضًا. لذلك، من الضروريّ تقديم برامج دعم نفسيّ للمعلّمين بدورهم، لمساعدتهم على تجاوز هذه الضغوط وتحسين قدرتهم على تقديم بيئة تعليميّة أفضل.
وللمساعدة في ذلك يجب القيام بالأمور الآتية:
أوّلًا، يجب أن تتمّ إعادة بناء المدارس في أسرع وقت ممكن، وتوفير بيئة تعليميّة مناسبة تحتوي على الأدوات الأساسيّة. هذا يتطلّب تضافر جهود المجتمع الدوليّ والمحلّيّ.
ثانيًا، يجب إنشاء برامج متخصّصة للدعم النفسيّ للطلّاب والمعلّمين، تركّز على التأقلم مع الضغوط النفسيّة الناتجة عن النزاع، وإعادة بناء الثقة بالنفس. كما يجب أن تتضمّن هذه البرامج أنشطة ترفيهيّة وداعمة تساعد في تخفيف العبء النفسيّ على الطلّاب.
علينا أن نتذكّر أنّ التعليم ليس رفاهية، بل حقّ أساسيّ لكلّ طالب. مستقبل غزّة يعتمد على تعليم طلّابها، وإذا استمرّت الحرب في إعاقة هذا الحقّ، فإنّنا نخاطر بخسارة جيل كامل. الحرب دمّرت المدارس والمنازل، لكنّها يجب ألّا تدمّر الأمل. طلّاب غزّة، مع التحدّيات الجسيمة، ما زالوا يستحقّون فرصة لبناء مستقبلهم، وهو ما لن يتحقّق إلّا بإعادة بناء نظام تعليميّ يدعمهم نفسيًّا وعلميًّا. يجب أن نتحرّك الآن لضمان أنّ هؤلاء الطلّاب ليسوا ضحايا حرب أخرى، بل بناة مستقبل أكثر إشراقًا.