يمرّ الطفل في سنواته الأولى برحلة من النموّ العقليّ، يتخلّلها العديد من التجارب التي تسهم في صناعة شخصيّته وعلاقاته مع بيئته والآخرين. تتّسم هذه المرحلة بعلامات مميَّزة تدلّ على مدى تطوِّره وإفادته من الخبرات التي يمرّ فيها.
ما علامات نموّ الطفل العقليّ في مرحلة الطفولة المبكِرة؟
تُحدَّد الطفولة المبكِرة بأنّها الفترة الممتدّة من الولادة إلى سنّ الثامنة، ورغم أنّنا ندرك أهمّيّة الرعاية الجيّدة قبل الولادة في نتائج الطفولة المبكِرة، إلّا أنّ فهم علامات نموّ الطفل العقليّ والتعرِّف إليه في هذه الفترة الحاسمة يعدّ مفيدًا جدًّا للآباء. يمكننا، بمراقبة هذه العلامات، ضمان تزويد الطفل بالدعم الذي يحتاج إليه لتحقيق الازدهار. إليك أهمّ علامات نموّ الطفل العقليّ في مرحلة الطفولة المبكِرة:
الفضول
يُعدّ الفضول من أوائل العلامات التي تشير إلى نموّ الطفل العقليّ في مرحلة الطفولة المبكِرة. فالطفل، في هذه المرحلة، يكون متطلّعًا إلى اكتشاف العالم من حوله، وما يحتويه من أشخاص وأشياء، ولا سيّما الأشياء المجهولة التي يصعب عليه الوصول إليها، أو التي ينهره الوالدان عن الاقتراب منها. يسهم الفضول وحبّ المعرفة في تنمية ذكاء الطفل الإدراكيّ، ولكنّه يعدّ مصدر قلق للوالدين، نظرًا للمخاطر التي يعرّض الطفل نفسه لها أثناء مغامراته داخل المنزل أو خارجه.
الشعور والإدراك
تنمو قدرة الحواس على إدراك الأشياء في مرحلة الطفولة المبكِرة، وتتطوّر قدرة الطفل على تمييز الطعم والأصوات والألوان المختلفة. كما تتطوّر قدرته على تمييز الاختلافات بين الأشياء المادّيّة وتصنيفها بصورة عامّة، بسبب قوّة ارتباطات الخلايا العصبيّة، ممّا يؤدِّي إلى تأدية المخّ وظائفه التنفيذيّة والحسيّة تأدية صحيحة.
النموّ اللغويّ
يُعدّ النموّ اللغويّ من أكثر علامات نموّ الطفل العقليّ، تميّزًا ووضوحًا، وهو من اتّجاهات النموّ المهمّة، لأنّ اللغة أساس علاقة الطفل بالعالم، تنشأ بها علاقاته مع الآخرين ويستطيع إدراك المفاهيم واكتساب المعرفة. يبدأ الطفل بنطق الأسماء، ثمّ الصِفات لاحقًا، ثمّ يتطوّر الأمر إلى نطق جملة كاملة. عادةً ما يصل عدد المفردات اللغويّة التي يكتسبها الطفل في هذه المرحلة إلى 2000 كلمة، ويتمكّن من عدّ حوالي خمس جمل أو أكثر. كما يظهر النموّ اللغويّ في عدّة سلوكيّات، مثل التعبير عن الأفكار وإمكانيّة الحوار مع الأقران، ومجاملة الآخرين، وربط الأشياء المادّيّة بأسمائها، وتمييز الكلمات الواجب قولها في مناسبة معيّنة حسب المكان والزمان. بالإضافة إلى بناء قواعد المفردات اللغويّة وسرعة اكتسابها من المواد المرئيّة والتفاعلات الاجتماعيّة.
اتّباع التعليمات
يُعدّ استيعاب الطفل النظام والتوجيهات التي يوجّهها له الآخرون من أدلّة نموّ الطفل العقليّ، والجانب الأهمّ في هذه النقطة أن يكون الطفل واعيًا سبب اتّباعه التعليمات، مثل العائد الذي يحقّقه أو المشكلات التي يمنع حدوثها عند التزامه بالسلوك الصحيح. يغرِس ذلك فيه الانضباط الذاتيّ والرغبة في التصرّف تصرّفًا صحيحًا، فلا يتحوّل إلى إنسان آليّ يُحاكي أوامر الآخرين، ولا يملك رأيًا أو شخصيّة مستقلِّة.
الرفض
من علامات نموّ الطفل العقليّ إبداء آرائه المستقلّة، فلا توافق رؤيتهم الأشياء مع رؤية محيطهم دائمًا، ولا يمانعون رفض بعض الطلبات التي لا يحبّونها. ورغم أنّ أغلب الآباء يعتبرون مجادلة الطفل لهم حالة سلبيّة، إلّا أنّها في الحقيقة دلالة على تكوّن شخصيّة قويّة قادرة على اتّخاذ القرار، وكثيرًا ما تكون إيجابيّة. الطفل المطيع دائمًا، رغم أنّه مُحبَّب لوالديه، قد يعاني مستقبلًا نقص التقدير الذاتيّ وقلّة الخبرة والعجز في التعامل مع مشكلات حياته المستقلّة، بعيدًا عن والديه، لأنّه لم يختبر تجارب تُشكِّل شخصيّته خارج نطاق الأسرة.
حلّ المشكلات
تعدّ مهارة حلّ المشكلات من علامات نموّ الطفل العقليّ، وتتمثّل في القدرة على أخذ القرار وحسن التصرّف والتفكير المنطقيّ. بالإضافة إلى تحليل المشكلات ومهارات النقد البنّاء. الطفل القادر على ابتكار حلول وأساليب جديدة لتجاوز العقبات التي يمرّ بها من دون استسلام من المرّة الأولى، يتمتّع بمستوى عال من النموّ العقليّ. هي مهارة كفيلة بأن تبني شخصيّته ورؤيته الخاصّة في التعامل مع المواقف الصعبة.
المواهب والاهتمامات
يتميّز الأطفال ذوو النموّ العقليّ السليم بتنامي ميولهم واهتماماتهم الخاصّة في تلك المرحلة، مثل ميل الطفل إلى الرسم أو الرياضة أو الغناء أو الرقص أو الذكاء الرياضيّ النابغ، أو حتّى مخيّلته الواسعة وأفكاره الإبداعيّة. وليس شرطًا أن يملك الطفل موهبة فنّيّة شائعة للدلالة على نموّه العقليّ، إذ يعدّ ذلك من الأخطاء الشائعة في الحكم على قدرات الأطفال، حيث القدرات عالم واسع يندرج تحته العديد من المهارات التي قد لا تظهر فورًا ظهورًا واضحًا.
تكوين الصداقات
يميل الطفل ذو المستوى المرتفع من النموّ العقليّ إلى التفاعل الاجتماعيّ، ويظهر ذلك جليًّا في سلوكه، حيث يحتاج تكوين دوائر الأصدقاء إلى مستوى إدراك عالٍ يمكِّن الطفل من التواصل مع الآخر، والمبادرة بالتعريف عن نفسه، أو الاستجابة لمحاولة الأقران التواصل معه، أيًّا كان شكل التواصل، حيث تحتاج مساحة مشتركة من الاهتمامات بينه والوسط المحيط إلى قدر مبدئيّ من الذكاء الاجتماعيّ في تلك الفترة. كما أنّ التعاطف وفهم احتياجات الآخرين عند الطفل - مثل مساعدة أصدقائه في المدرسة، أو مواساته صديقًا حزينًا، أو رغبته في التعبير لمعلّمته عن امتنانه - سمة مميّزة تدلّ على نموّ الطفل العقليّ نموًّا سليمًا وسويًّا.
تمييز الحقائق
التفكير المنطقيّ هو أحد العلامات الواضحة المعبِّرة عن مستوى نموّ الطفل العقليّ، حيث يتمكّن الطفل ذو المهارات الإدراكيّة العالية من تحليل المواقف وربطها، ووضع الاحتمالات للوصول إلى نتيجة نهائيّة تتمثّل في تمييز الحقائق. يصعب خداع هذا الطفل بالافتراضات الساذجة لتبرير موقف ما أو إخفاء حقيقة عنه. إن لم يكتشف الحقيقة فلن يكون الحديث غير المنطقيّ محلّ ثقة بالنسبة إليه، وربّما من أكثر السمات التي تميّز هذا الطفل كثرة طرحه الأسئلة المنطقيّة، وعدم تقبّله كلّ ما يُقال له فورًا كمسلّمات.
* * *
يعدّ التعرّف إلى علامات نموّ الطفل العقليّ في مرحلة الطفولة المبكِرة أمرًا ضروريًّا لتزويده بالدعم المناسب ورعاية نموّه. مهارات اللغة والتواصل والقدرات المعرفيّة والتنمية الاجتماعيّة والعاطفيّة والمهارات الحركيّة والفضول للتعلّم، كلّها مؤشّرات واعدة لتقدّم الطفل العقليّ. يمكن للوالدين ومقدّمي الرعاية والمعلّمين، بتعزيز هذه المجالات، خلق بيئة تشجِّع على النموّ العقليّ والصحيّ، تعد الأطفال بالنجاح في المستقبل.
اقرأ أيضًا
كيف أجيب على أسئلة الأطفال المحرِجة؟ | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)
دور اللعب في تنمية شخصيّة الطفل وتطوير مهاراته | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)
المراجع
https://www.cnbc.com/2023/03/26/psychotherapist-shares-what-mentally-strong-kids-never-do.html
https://www.psychologytoday.com/us/basics/child-development/early-childhood
https://www.hellomotherhood.com/physical-cognitive-psychosocial-development-5161885.html