تعدّ الإدارة المدرسيّة حجر الأساس الذي يُبنى عليه نجاح عمل المدرسة، والمدير المتميّز هو الذي يدير مدرسته وفق المعايير والأسس الإداريّة الناجحة، والتي تُمكّنهُ من النهوض بالمدرسة، وتحقيق إنجازات مُختلفة في المجالات التربويّة والتعليميّة والمهنيّة والوظيفيّة؛ إذ إن عمل المدير لا يقتصر فقط على متابعة مجريات الأمور أثناء الدوام المدرسيّ أو خارجه، بل يجبُ أن يكونَ على درايةٍ ومعرفةٍ بجميع مكوّنات مدرسته، سواء المادّيّة أو البشريّة، كما أنّ نجاحهُ إداريًّا، إنّما يشكّل خطوة أولى في تعزيز نجاح المعلّمين، المُنعكس، بطبيعة الحال على الطلاب، والمُساهم بالحفظ على استدامة تطوّر المدرسة.
مدير المدرسة الناجح
أرى أن مفهوم مدير المدرسة الناجح يختلفُ عن مفهومه النظريّ أو التربويّ البحت، فعمومًا مدير المدرسة هو الفرد الذي يُمثّلها، بصفتِهِ المسؤول الأوّل عن تطويرها ومواردها، وتحقيق الأهداف التربويّة والتعليميّة المطلوبة. كثيرة هي التعريفات والمفاهيم الموضِّحة لمفهوم مدير المدرسة، ولكن ليس كلّ شخص عمل في هذا الموقع الوظيفيّ يصنّف بأنه ناجح أو قادرٌ على أداء مهامه بالشكل المطلوب، فكثيرٌ من المدراء لا يمتلكون صفات المدير الناجح، لأنهم، ربما، وصلوا إلى العمل الإداريّ، إمّا بالصدفة أو عن طريق التسلسل الوظيفيّ الروتينيّ، وهكذا يوجد أكثر من مديرٍ يجلسُ على مقعد الإدارة، ولكن ينقصه كثير من المهارات الإداريّة حتّى يصبح مديرًا ناجحًا.
من واقع خبرتي وعملي في التعليم، برأيي لا يُختزلُ مفهوم المدير الناجح في عددٍ من الكلمات القليلة، بل يشملُ جميع المعاني الدالّة على النجاح والتميّز والإبداع في العمل، فيجبُ أن يكون قائدًا قبل أن يكون مديرًا، ويهتم بالسعي الدائم والدؤوب لتطوير مدرستِهِ نحو الأفضل، ويتعامل بإنسانيّة مع المعلّمين والطلّاب، ويحرص على أن يتخذَ القرارات الداعمة لمسيرة التعلّم والتعليم في المدرسة، فهذا هو المدير الناجح، الذي يعدّ أنموذجًا ومثالًا يُحتذى به، وكل مديرٍ يُحقّق ذلك، بالإضافة إلى تميّزهِ بالصفات المطلوبة للنجاح، من المُؤكّد يستحقُ لقب المدير الناجح.
صفات المدير الناجح
يتمتّع كل مدير ناجح بمجموعة من الصفات التي يختلفُ فيها عن غيره من المديرين، وتجعلهُ قادرًا على إدارة المدرسة وفق الأسس الصحيحة، ومتطلّبات نجاح العمليّة التربويّة والتعليميّة، فهو الذي يتكيّف مع جميع العوامل المؤثّرة في الميدان التعليميّ، وتحديدًا المُفاجآت غير المتوقّعة، مثل الحاجة إلى تدريب المعلّمين على منصّات التعلّم الإلكترونيّة خلال جائحة كورونا، فاحتاج ذلك من مديري المدارس وعيًا بهذه المرحلة المفاجئة، كما عليه أن يُحسن التعامل مع المجتمع المحلّيّ، الذي يُمثّل جميع الأفراد المُحيطين بالمدرسة، سواء من جيرانها أو المؤسّسات المحلّيّة، الذين يعدّون شركاء متعاونين في كثير من الأنشطة المدرسيّة، ومن المهم أن يكون سريع البديهة عندما يواجه العوائق والصعوبات، ويتمكّن من إيجاد الحلول والبدائل المناسبة لها، وأيضًا المدير الناجح هو الإنسان، الذي يتعاملُ بإنسانيّة مع جميع الأفراد في المدرسة، ويُقدّرُ ظروفهم وأحوالهم، ويكون لهم الأخ والصديق قبل المدير.
دور مدير المدرسة في التنمية المهنيّة للمعلّمين
يقع على عاتق مدير المدرسة دورًا مهمًّا في التنمية المهنيّة للمعلّمين؛ فيُساهم برؤيته، وأسلوبه في بثِّ روح العمل ضمن الفريق الواحد في المدرسة، وتعزيز أهمّيّة الإنجاز في دفع كل معلّم على العمل والعطاء، كما أرى أن دوره لا يقتصرُ على ذلك، بل يمرُّ بمجموعة مراحل تجعلهُ عنصرًا مشاركًا ومساعدًا للمعلّمين في التنمية المهنيّة، وتبدأُ من تمتّعهِ فعلًا بصفات المدير الناجح؛ إذ إن المديرَ الذي لا يمتلكُ أحد أو جميع تلك الصفات، لا يُمكنُ أن يُمثّلَ أي دورٍ إيجابيّ في بيئة العمل، بل قد يكون معيقًا، ويُفقدُ المعلّمين الرغبة بتطوير أدائهم، وأرى أن المرحلة التالية تكون استطلاعيّة، وفيها يُحدّدُ طبيعة قدرات ومهارات كل معلّم، ويستطيعُ من خلالها تصنيفهم حسب أدائهم الوظيفيّ وطاقاتهم وإنجازاتهم على المدى المنظور، والذي يُشكّلُ لديه رؤية حول حاجاتهم التدريبيّة، التي تُعدُّ من أهم عناصر خُطط التنمية المهنيّة، وفي المقابل المدير الذي لا يحيطُ علمًا بحاجات المعلّمين المهنيّة، لا يمكنُ أن يُوفّر الوسائل والأدوات الداعمة لهم، وهكذا على كل مديرٍ أن يدركَ مدى أهمّيّة دوره في تعزيز النموّ المهنيّ، مع تنبّهه إلى أن يكون الداعم الأوّل والمساند الخبير للمعلّمين، وليس عائقًا أمام كل معلّم طموح يسعى لرفع كفاءته الوظيفيّة والمهنيّة.
إن المعايير المهنيّة والوظيفيّة الحديثة تتطلّبُ من كل معلّم السعي باتجاه تحقيق التنمية المهنيّة، والتطوّر الوظيفيّ، ذلك من خلال مجموعة من الإنجازات المترتبة عليه، والمطلوبة منه، والتي تُمثّلُ مواصفات ومتطلبات ملف الإنجاز الشخصيّ للمعلّم، ومثلما ذكرتُ سابقًا يكون دور مدير المدرسة مساندًا لكل معلّم يطمحُ نحو الإنجاز والإبداع، ومُعزّزًا لحاجتِهِ في تحقيق النموّ المهنيّ، التي لا تتوقّف عند نقطة معيّنة، بل يجب أن تظلّ مستمرّة، كما أنه ليس من المنطق أن تقتصرَ خبرة أي معلّم على مجموعة من المهارات والمعارف المحدودة، التقليديّة أحيانًا، بل يجبُ أن يسعى نحو التجدّد الدائم، وتحسين مستوياته الوظيفيّة والمهنيّة والتربويّة والتعليميّة، ما يتطلّبُ منهُ المثابرة والعمل بجدِّ، والحصول على التشجيع، الذاتيّ أولًا، ثم من مدير المدرسة، الذي يمثّلُ دورهُ ركنًا أساسًا في التنمية المهنيّة لجميع المعلّمين.